December 6, 2022December 8, 2022 إبن الفراغ بين الأشجار الشاهقة جلس تائهاً، مكسوراً، وحيداً من جديد، بين عدد من المهاجرين الغير شرعيين، رفع رأسه إليه بلا خوف، فلا شيء في هذه الدنيا بات يستحق الاهتمام. قال: لست بطلاً، ما أنا إلا طفلٌ يبحث عن العيد تركمان العراق، هم نسل المهاجرين الأتراك لبلاد الرافدين عبر حقب متتالية من التاريخ، قبل قيام الدولة العثمانية وبعدها، دول عبرت من هنا وإمبراطوريات ولدت واندثرت، وهم ما زالوا يحافظون على هويتهم التركية، رغم أنهم بعد انهيار الدولة العثمانية وتقسيم العالم العربي باتوا يعيشون في إحدى دوله. وكركوك، جنة من جنان الله في الأرض، إحدى محافظات العراق الشمالية التي يعيشون بها، يشاركهم بها العرق الكردي، عرق آخر من أعراق العراق الكثيرة. طفلان من عرقين مختلفين، يلهوان في إحدى ساحات قرى محافظة كركوك حين أتى الخبر من بغداد، انقلابٍ عسكريٍ جديد. بسرعة تقلد صدام حسين مقاليد الحكم، وبأسرع من هذا زج العراق في حروب متتالية بدأها عام 1980 مع جارته إيران، حرباً استمرت ثمانية أعوام، بالكاد استراح العراق عامين، وفي الثالث، حرباً جديدة في الكويت، لم تنتهِ على أحسنِ حال كما تمنى القائد، فقد طُرد منها بعد إنشاء تحالف دولي لتحريرها بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. ليدخل العراق مرحلة جديدة من المعاناة، حصارٌ دام أكثر من عشرةِ أعوام، انتهى بإزاحة صدام حسين عن الحكم إثر الاحتلال الأمريكي لها في عام 2003. كلما ذهب الأب عاد من هذا الطريق، فلا طريق للعودة إلا هو، وكلما اقترب الميعاد، وقف الابن على ظهر تلك التلة يترقب عودته، ومن بعيد لوح له شوقاً، حاملاً بين يديه كيس الأحلام، وفي جيبه كيس الحلوى، وفي قلبه قصيدة شوق لشاعر تركماني تشرب اللغة العربية، وتراقصت كلماتها على شفتيه. -متى ستعود يا أبي؟ -في العيد، انتظرني فوق التلة، سوف تراني قادماً من الطريق ملوحاً أحمل هداياك. ودع الأب ابنه، إلى مدينة البصرة العربية الشيعية الحدودية مع إيران، بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، فالوطن ينادي رجاله، أو ربما القائد ينادي رعيته، ففي العراق كما هو في كثير من دول العالم العربي، الوطن هو القائد، والقائد هو الوطن. مرت الشهور، يعدها الطفل بشوقٍ متلهفاً قدوم العيد، إلا أن الأب تعجل العودة بلا ميعاد، محملاً على الأكتاف، فالشغف بلغ مداه في صدر الشهيد، في جيبه ورقة كتب فيها. ويأخذني كل صبح حنين إليك، إلى زهرة الياسمين إليكَ أيا نغماً في الفؤاد ويا بلسماً أحتسيه كل حين إليك أمد يداً وناراً تُشعل في الروحِ حباً دفين يؤرقني في الليالي هوى دموعٍ لها في العيون معين وأحلام شوقي تغفو معي وشوقي إليك عليك أمين بني أراك تميد الخطى لذات الشمال وذات اليمين تمد ذراعيك زهواً كمن ينادي الحبيب برفق ولين وتسرع، تسرع نحو الجدار فتهوي وتبكي آه الجبين فأصحو لألمح نور الحياة له في محياك ألف بريق له في عيونك معنى البقاء، ومن بسماتك خمر عتيق بني أتاك العيد رفيقاً وهل تطيب الحياة بغير رفيق فهيا أستعد للثم الورود قلائد حب بشكلٍ أنيق أين رسلان؟ تساءل الصبية في صباح يوم العيد عند باب منزله أمه والدمع يملأ مقلتيها: ذهب للقاء أبيه. لحظة صمت خيمت على الأطفال، تشجع رامان: يا خالة، هل تقصدين أنه ذهب إلى المقابر؟ الأم: بل ذهب للقائه عند تلك التلال. مسرع نحو صديقه ينازع الألم يسابق الحزن إليه، قطع رامان الحقول الخضراء بينهما، فمنذ التقيا لم يفترقا، وتعاهدا ألا يفعلا. -لن أتركه وحيداً، سأكون له أباً وأخاً وصديقاً، هكذا أخذ العهد على نفسه حينما رأى صديقه باكياً شاكياً رحيل أبيه إلى الحرب، وهكذا جدد العهد يوم رآه صامتاً وحيداً وأمه تضع بين يديه قصيدة الوداع. يداً تربت على كتفه، تلفه نحوه وتحتضنه -يا صديقي لقد رحل -بل سيأتي يا رامان أبي وعدني أنه سيأتي في صباح العيد. -يا رسلان لا يمكنه إيفاء هذا الوعد الآن، إنه العيد، دعنا نلهو ونلعب. -كلا، لن يأتِ العيد ما لم يأتِ أبي، لن يأتِ العيد ما لم يأتِ أبي. من رواية اللحظة صفر – اقرأ الرواية من هنا Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Arabic Random Quotes
Arabic Random Quotes التخاطر الفكري والتقمص العاطفي December 9, 2022December 10, 2022 -هل تعلم ما هو الفرق بين التخاطر الفكري والتقمص العاطفي؟ -نعم، التخاطر هو قراءة الأفكار،… Read More
Arabic Random Quotes حتمية الصدفة December 7, 2022December 8, 2022 -ليس خطاً مستقيماً، قال الشيخ رسلان بصوت مرتفع وسط ضجيج فتح الأقفال الحديدة. هل سبق… Read More
Arabic Random Quotes لوحة تشكيلية December 8, 2022December 8, 2022 ابتسم وهو ينظر إلى المرسم في الصالةِ الخارجية، كل لوحةٍ من هذه اللوحات رَسمتها هنا،… Read More