سؤال تعارف تقليدي

-ما الذي تتمناه من هذه الدنيا؟

-أن يكون لدي خزانةُ ملابس

في أول لقاءٍ له مع كاترينا، سألته سؤال تعارف تقليدي، وكان جوابه غير تقليدي، تمنى لو يتمكن من شراء خزانة ملابس، يضع بها حاجياته، تعبيرٌ مجازي لحالة انعدام الاستقرار في حياته، فكيف يفعل هذا، وهو بلا وطن، بلا بيت، يتنقل من مكانٍ إلى آخر، حاملاً حقيبة بها بضع حاجياته الشخصية.

على وشك خيانة خديجة، الفضول في عقل رجل المخابرات غلبه، الرغبة بالمعرفة، الاستكشاف، المعلومات، والنهم للمزيد من التفاصيل، أدق التفاصيل.

خطط للعملية بعقلية مبرمج الحاسب، سأترك لهم ثغرة في النظام، سوف يخترقونني منها، وليفعلوا هذا فلا بد لهم من فتح أبوابهم لإرسال شيفراتهم، وفي هذه اللحظة تماماً، سأرسل شيفراتي بالاتجاه المعاكس.

فأكثر أجهزة الحساب عرضة للاختراق، هي أجهزة المخترقين أنفسهم، يدخلون للأنظمة عبر منافذ خاصة (ports)، يقوم بفتحها لهم ما يسمى بحصان طروادة (تروجون)، نوع من الفايروسات، يستهدفوا به الضحية، يفتح لهم الثغرات، يتسللوا من خلالها، وفي كلتا الحالتين، فهم مضطرون بدورهم لفتح منافذ في أجهزتهم لإتمام الارتباط، يمكن اختراقهم عكسياً منها.

كاترينا هي حصان طروادة، لن يُغلق المنافذ أمامها، لا بد لها من النجاح في اختراقه، وعندها ستكون جسره الموصل لهم، سيتسلل من خلاله، للمكان الأكثر سرية ورهبة في العالم، رحلة تقوده إلى جزيرة مالطا، ليدخل عرين الحتمية.

هكذا تعمل عقول المحققين، ورجال المخابرات، لا بد أن يفتحوا منافذ عقولهم على مصرعيها، لجمع المعلومات، وتلقيها، والتعامل معها، ولهذا فعقولهم هي أكثر العقول عرضة للاختراق، التلاعب، وتمرير معلوماتٍ مضللةٍ لها.

فمن شبه المستحيل إقناع رجلٍ بسيطٍ، بأن هناك حياةٌ خارج كوكب الأرض، منافذُ عقله مغلقة، غير مهتمٍ بالمعرفة، ولا جمع المعلومات، مهمة الدخول له صعبة، يسمونه بعقل التمساح، عقلٌ صلبٌ، منغلق، لا يؤثر في شيءٍ ولا يتأثر في أي شيء، لديه قناعاته الخاصة، لا يغيرها أبدا.

بينما العلماء، الفضوليون، المثقفون، المحققون، رجال المخابرات، فمنافذ عقولهم دائما مفتوحة.

وكما يتمكن مخترقو المواقع الإلكترونية من اختراقها بواسطة حقن عناوين روابطها الإلكترونية بجمل برمجية يتمكنون بها زرع شيفراتهم في قاعدة بيانات الموقع، وسحب معلومات منها. فإن عقول أمثال هؤلاء يمكن حقنها كذلك، بشيفراتٍ خاصة، بعضهم عقولهم جاهزة للحقن، وتكفي حقنة أو اثنتان لتتجهز للمرحلة التالية، وبعضهم، لا تكفيه عشرات الحقن، وبعضهم حقنوا عقولهم بأنفسهم، بالتأمل، والتفكير، والتركيز على التفاصيل، كما فعل رسلان.

لم تكن خديجة بحاجةٍ لأكثر من ثلاثِ حقن، إلا أنه وثق بالحب الذي جمعهما، لا داعي، فقد علمت عنه الكثير سلفاً، وستثق به وتصدقه. لن يتمكن عقلها من الهرب بها بعيداً، أو هكذا تمنى، لم يعطِ جنون المرأة حقه.

فما هو على وشك فعله الآن، وما سيصلها من فيديوهات انتقامية، سيبقى في رأسها إلى الأبد، وسيكون سلاحَ عقلها للهرب بها بعيداً عنه، عندما يحاول الخروج بها من الصندوق.

منذ نعومة أظافره، لم ينعم بالأمان والاستقرار، عاش في قلبِ أعاصير الفوضى، وصميم العشوائية، بات ابن الظلال، وسيدها، استحق بجدارةٍ كنيةً أطلقها على نفسه “ابن الفوضى” Son of chaos

في صباح اليوم انتهت جلسته النفسية، آخر مرحلة من سلسلة اختبارات القبول في المقر ألفا.

وغداً النتيجة، إما نجاحٌ، وإما موت.

ولكنها قررت الاحتفال باكراً، أو ربما ليلةٍ شيطانيةٍ أخيرةٍ معه

في المساء، لعق الخمر عن جسدها، على أضواء الشموع وموسيقى الغموض، سكب المزيد منه فوقها، سحابةٌ من الدخان تملأ المكان، طقوسهم في الفراش باتت هكذا، أو هكذا هي طقوس الشيطان.

لن يُضيع ما قد تكون آخر ليلة له في هذه الدنيا في واقعه الأليم، تذكر خديجة، يا لها من مسكينة، علها تفكر به الآن، قلقةٌ عليه، تدعو الله له بالنجاة، والعودة.

أكثر من الشرب، كما لم يكثر من قبل، عله ينساها، فالليلة لا وجود إلا لكاترينا، وجسدها المغطى بالخمر بين ذراعيه.

من رواية اللحظة صفر – اقرأ الرواية من هنا