March 16, 2023March 16, 2023 الفصل التاسع. المنزل الآمن في حي أبو رمانة الراقي في دمشق، بيتٌ كبيرٌ مستقلٌ من طابقين، سوره العالي جعل في قلوب أهالي المنطقة هالةً من الرهبة حوله، كما كل أسوارِ دمشق، انتشر الكثير من العناصر الأمنية بلباسهم المدني في بداية ونهاية الشارع المتفرع المؤدي إلى المنزل، وأمام بوابته الحديدية الضخمة. كاميراتُ مراقبة في الشارع وحول البناء، نوافذه ظُللت باللون الأسود، لا تُفتح ابداً، تخرج منه سياراتٌ فارهة، مُظللة نوافذها، وتدخل أخرى، من حين إلى أخر، دون أن يرى أحد من بداخلها. ورغم كل هذا إلا أن الوضع غير مثيرٍ للريبة ابداً، فليس هذا المنزل الوحيد في دمشق الذي تحيط به هذه الهالة من الرهبة، ولا تعني هذه الإجراءات الأمنية لحماية قاطنيه أنهم شخصياتٌ مهمة على الصعيد العسكري أو السياسي، بل قد يكون مجرد منزلٍ لرجلِ أعمال له اتصالات نافذة في الدولة. فهنا تعتبر هذه المظاهر، مظاهر ترف، وتميز، ويمكن لأيٍ كان شراء الحراسات، الحواجز الأمنية، العناصر، طالما أن لديه الثمن الكافي، والعلاقات المناسبة. وتماماً كما تتباهى بامتلاكك كلبَ حراسة غالي الثمن، فكل من أمكنه تباهى بحواجزٍ وعناصر الحراسة حوله، حتى إن لم يكن هناك شيءٌ يستدعي منهم حراسته. إلا أن هذا المنزل لم يكن من تلك التي تباهى قاطنوها بالحراسات، ففي الداخل، أنظمةُ أمانٍ عاليةَ الحساسية، بعض الغرف مغلقة لا تفتح إلا بشيفرةٍ سرية خاصة، تناثرت بها الأوراق بصورة عشوائية على المكاتب، قاعة اجتماعات كبيرة مجهزة بأحدث وسائل التواصل، لا ينقصه إلا شيءٌ واحد ليصبح مقرَ عملٍ من الطراز الرفيع، الموظفون! فلا يعيش هنا، إلا رجلان وامرأة، وبضع الحراس الشخصيين داخل سور البناء، يأتيهم بعض الزوار بين الحين والأخر، وينصرفون في صمت. من بعيد أتت مسرعةً سيارةُ سوداء من نوع مرسيدس بينز E 200 1995 عبرت الحاجز الأمني في أولِ الشارع دون أن يوقفها أحد، فُتح باب الكراج من تلقاءِ نفسه ما أن وصلت عند مدخله، ترجل منها رجلٌ خمسيني بملامح شرق أوسطية، طويل القامة، نحيف الجسد، أسمر البشرة، شعر أسود وعينان بنيتان. دخل صالة الجلوس حيث وجد بانتظاره رجل وامرأة، بملامح شرق أوسطية كذلك. -أهلاً بك يا هارون، كيف كان اجتماعك معهم؟ قال الرجل وضع حقيبته الصغيرة على الطاولة في المنتصف، وألقى بجسده على الكنبة: أهلاً يوسف، لقد كان يوماً مرهقاً يا صديقي. -هل تم إصلاح المشكلة؟ -نعمل على ذلك، لابد من إيجاد الفتى حالياً، فلا يمكننا التعامل مع الموقف طالما أنه مختفي المرأة: لا تعطي الأمر أكبر من حجمه، حتى إن أصابه مكروه أو أكلته الضباع، فلدينا الكثيرين بطبيعة الحال، لا ترهق نفسك. عدل جلسته، وتقدم بجسده قليلاً نحوها: كلا يا سارة، فهذه مجموعةٌ كاملة مرتبطة ببعضها، لابد من الحرص في المضي حسب الخطة، وهذا التغيير الطفيف بها، قد تكون عواقبه وخيمة، لا بد من محاولة إصلاحه. سارة: كما ترى، دعني أعد لك فنجانَ قهوةٍ يا عزيزي نهضت إلى ماكينة القهوة، نظرت إلى مخفوق القهوة والماء ينسكب في الفنجان، قالت: هل صحيح أنه يرفض شرب القهوة؟ هارون: نعم، ولهذا فهو يعجبني أكثر من البقية، ففي حين لدينا العناصر، الأتباع، المفكرين، إلا أن القادة الذين ننشدهم، لابد أن يكون لديهم صفات وميزات خاصة، شخصية مستقلة عن الجميع، وقادرون على فرض وجهة نظرهم، بالإقناع أو الترهيب، وعدوانيون أكثر من غيرهم. هز رأسه بإعجاب وأضاف: لقد تمكن من جعلهم جميعاً يُقلعون عن شربها، أو يشربونها خفية دون أن يراهم، ولهذا بالضبط يجب أن نلتزم بالخطة بحذافيرها قدر المستطاع، لا يمكننا المخاطرة. يوسف: لا تقلق، سيجدونه بالتأكيد، وسيعود كل شيءٍ إلى وضعه الطبيعي، ومع هذا يمكنك تفعيل خطة الموت إن حدث أي مكروه، فهي معدةٌ مسبقاً. -نعم يا عزيزي، فهذه الاحتمالات واردة، فقد يموت الفتى أو أمه لأي سبب عارض، ولكن هذا أمرٌ مختلف، فطالما بمقدورنا الحفاظ عليهم، فلا داعيَ للتفريط بهم بسبب غباءَ ضابطٍ أصدر أمر اعتقالٍ بدون الرجوع إلى مدراءه، فلو أنه رجع إليهم قبل الإقدام على هذه الخطوة، لظهر لهم ذلك التنبيه بخصوصه عبر النظام المشترك، ولرجع رئيس القسم لنا، ولما سمحنا لهم بذلك. -هل وبخوه؟ أو عاقبوه؟ -لا، بل قمت بذلك بنفسي تنهد ثم أضاف: بل أوكلوا مهمة إيجاد وليد إليه، وأكثر ما يقلقني غروره واعتزازه بنفسه، لنرى ما سيفعل -هل هو علوي؟ -نعم ومن القرداحة -لا تتعجل بالحكم عليه، فهنا يعتقلون الناس لما هو أهون مما قاله وليد، فمن أين كان له أن يعلم أهميته لنا؟! أضاف: هل جهزت تقريرك؟ -ليس بعد، سأعمل عليه الآن أضاف بسخريةٍ مع ضحكة استهزاء: لا أعلم كيف سأخبرهم بأمر البقرة ثم هز رأسه مستنكراً: تباً، كم هذا سخيفٌ حقاً وضعت فنجان القهوة على الطاولة أمامه، ثم ذهبت إلى غرفة المكتب وعادت تحمل بين يديها أوراق بيضاء، ومجموعة أقلام، وزجاجة الحبر السري. -شكراً لك يا سارة، لن أستخدم الحبر، لهذا قاموا بتزويدنا بجهاز الكمبيوتر الخاص في الطابق العلوي، دعيني أستخدمه. -كما تشاء، الأمر عائدٌ لك، لكنني ما زلت لا أثق بهذه التقنيات، أُفضل الطرق البدائية. غادر الصالة إلى المكتب في الطابق العلوي، حيث يوجد كمبيوتر من نوع IBM طراز 1996، قام بكتابة تقريره، وتشفيره، ثم استخرجه على قرصِ ذاكرةٍ خارجي، وأعده في مغلفٍ للإرسال. غادر المكتب، إلى غرفة النوم المجاورة، فبعد هذا اليوم الشاق، لا بد من قيلولةٍ سريعة، لم ينجح فنجان القهوة بالتغلب عليها. افترش السرير وأغمض عينيه وبدأ يفكر بخياراته، ماذا لو لم يجدوا الصبي؟ ماذا لو تعرض لأي مكروه؟ لا بد من وضع هذا الاحتمال في الحسبان، فالهدفُ ثمين، متميز عن البقية، ولا بد من الحرص على وجود الفتى سالماً معافىً قدر المستطاع، وكذلك أمه. على الأقل إلى حين الوقت المناسب لإخراجه من المزرعة وعرضه في السوق. Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print The Sect – Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل السادس عشر. التعدين والاستخلاص March 16, 2023March 16, 2023 رجلٌ يمضي في حال سبيله بين أزقة الشام القديم، أوقفه رجلان بلباسٍ مدني، قال أحدهم… Read More الفصل الثالث عشر. البقرة المرشد March 16, 2023March 16, 2023 في ظهيرةِ ذلك اليوم، كان الراعي يقف على باب منزِل الأم المكلومة.. يا أختي، بقرتك… Read More الفصل الثاني عشر. استراتيجية التوريط March 16, 2023March 16, 2023 لم يعتد عقل باسل على هذه الألغاز، وضع سماعة الهاتف على الطاولة بعد أن استأذن… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل السادس عشر. التعدين والاستخلاص March 16, 2023March 16, 2023 رجلٌ يمضي في حال سبيله بين أزقة الشام القديم، أوقفه رجلان بلباسٍ مدني، قال أحدهم… Read More
الفصل الثالث عشر. البقرة المرشد March 16, 2023March 16, 2023 في ظهيرةِ ذلك اليوم، كان الراعي يقف على باب منزِل الأم المكلومة.. يا أختي، بقرتك… Read More
الفصل الثاني عشر. استراتيجية التوريط March 16, 2023March 16, 2023 لم يعتد عقل باسل على هذه الألغاز، وضع سماعة الهاتف على الطاولة بعد أن استأذن… Read More