March 16, 2023March 16, 2023 الفصل التاسع عشر. التجنيد -كيف هي علاقتك مع وليد الآن؟ -جيدة يا سيدي، ألتقيه كلَ أسبوعٍ تقريباً، منذ أشهر، نتبضع سوياً، أخذه للترويح عن نفسه، بت كأخٍ كبيرٍ له، يشاركني كل همومه، ومشاكله. -حسناً، حان الوقت يا باسل، سأطلعك على الوضع، وما نريده في المرحلةِ القادمة. في مكتبِ رئيس الفرع، بعد أشهرٍ من نجاح باسل في مهمته، تم اطلاعه لأول مرةٍ على ملف المزرعة، وأهمية وليد لهم، والتي تكمن في كونه ابن عبد الله، زعيمُ أكثرِ الجماعات تطرفاً في السجن. والذي قد يتم الإفراج عنه يوماً ما، لاستخدامه في مكانٍ ما، وعندها سيكون وليد وأمه، ورقةَ ضغطٍ بيدهم يلاعبونه بها، حاله حال آلاف المعتقلين أمثاله، من لهم عوائلٌ كذلك. والمهمةُ الموكلة إليه في هذه المرحلة، ليست توثيق العلاقة أكثر مع وليد وحسب، بل استمالته للعمل مع المخابرات الجوية، ستكون قفزةً نوعية، فإن تمكنت من تجنيده، وإقناعه بالعمل والإخلاص لنا، فسيلاقي أباه أهميةً خاصةً أكثر، وكذلك الفتى، وبالطبع أنت يا سيادة الرائد. لا خطوطَ حمراء، ولا حرماتٍ يُمنع تجاوزها في مهمتك هذه، استخدم معه كل السبل المتاحة، اجعله ينفس عن غضبهِ نحو الحزب والنظام الحاكم، استخدم معه النساء، الملاهي الليلة، فلك الخيار والقرار، ونعلم أنك ستنجح في مهمتك هذه لا محالة. وتذكر، رغم أننا نتبع للمخابرات الجوية، إلا أن ملف المزرعة شيءٌ مستقلٌ بذاته، وللعاملين به صلاحياتٌ واسعة، ونفوذٌ منقطع النظير، لا يناله غيرهم. بالنسبة لباسل، بالتأكيد، النساء والملاهي أفضلُ الخيارات المتاحة، خصوصاً أن العامَ الدراسي قد انتهى بالفعل، ووليد لديه من الوقت الآن ما يمكنه به إشغاله في أمورٍ أخرى. كما أن علاقتهما باتت قوية، ووليد يثق به، وبين حينٍ وأخر تبحث عيناه بفضول، عن النساء الجميلات في المقاهي حيث يجلسون، لا شعورياً ينظر إلى مفاتنهن المكشوفة، حاله حالَ غالبية الشباب في عمره، يدفعه الفضول في كثيرٍ من الأحيان لاختلاس النظر. نسق مع نورهان، صديقي صغيرٌ في العمر، نريد فتاةً لعوب، فاتنة، في الثامنةِ عشرَ من عمرها، قريبةٌ من عمره، صغيرةٌ كفايةً حتى تألفها نفسه فلا تجزع منها. وسرعان ما قابلا نورهان وصديقتها من بابِ الصدفةِ في أحد المقاهي، تناولوا العشاء سوياً، وفي نفس الليلة، كان الأربعة في شقةٍ مستأجرة لهذه الليلة. شيءٌ من الضمير يؤنبه، ليس هذا ما علمته إياك أمك، فكانت نهايةُ تلك الليلة على غير ما تمنى باسل. في الصباح وليدٌ نائمٌ على الكنبة في الصالة، وهي على السريرِ في غرفة النوم. سهرةٌ ثانيةٌ بعد يومين، بنهايةٍ أفضلَ نوعاً ما، فالفتاة نائمةٌ بجواره على الكنبة، ثم سهرةٌ ثالثة بعد أيام، شرب بها وليد أولَ كأسِ خمرٍ، غلبه فضول الشاب، المراهق، اندفاعه نحو تجربة كل شيءٍ، بما في ذلك النساء، وسرعان ما غرق وتورط، في مستنقع المخابرات الجوية، النساء، الخمرِ، والمال. أمه قلقةٌ عليه، ينام أياماً خارج البيت، أهمل المنزل والقرية، وأهمل البقرة، تغيرت طباعه، ولكنه على الأقل ما زال ذلك الفتى البار، الذي يعود مهما طال غيابه، حتى لو ليلاً، ليقبل يدها وجبينها قبل النوم. مشغولٌ بالعمل يا أمي، فلا بد من استغلال الاجازة المدرسية في جني بعض المال، عمل في مدينة اللاذقية، عاملَ بيعٍ في أحد المتاجر، باتت حجته للغياب. اندفع الفتى بجنون خلف حياة المجون، أدمنها، وحان الوقت المناسب للانتقال للمرحلة الثانية من التجنيد، بالتدريج. دعه يظن أنه صاحب القرار.. معادلةٌ بسيطة، المالُ والنساء مقابل المعلومات، والقرارُ النهائي لك. -لمَ تريد معرفة من ينتقد الحزب أو يتحدث بالسياسة؟ -انا يا وليد أبيعُ هذه المعلومات، لدي معارفٌ في أجهزةٍ مختلفة في الدولة، يهمهم معرفة هذا، ويدفعون في المقابلِ بسخاء. -أنت كاتبُ تقارير؟! -سمها كما تشاء، في النهاية فالنساء والخمر، أمورٌ تحتاج المال، الكثير منه، ولا بد من الحصول عليه يا صديقي، والقرار لك، لقد أنقذت حياتي سابقاً ولن أتخلى عنك، ولكن إن أردت مساعدتي بجني بعض المال الإضافي، سأكون لك شاكراً. -هل لديك معارفٌ في المخابرات الجوية؟ -نعم في كل مكان -هل يمكنهم السؤال عن أبي إذاً؟ -ليس سهلاً، دعنا نقدم لهم بعض التقارير الإضافية، شيءٌ مهمٌ يجعلهم يودون خدمتنا بالمقابل، وعندها نسألهم عن أبيك. الذريعة!! ففي هذه المرحلة لم يعد وليد يدري، هل ما هو مقبلٌ على فعله لرغبةٍ منه في معرفةِ مكان أبيه حقاً، أم أن المعرفة باتت ذريعةً لهذا العمل، مقابل المال والنساء، والمزيد من حياة المجون. او ربما الاثنان… فمن السهل على الإنسان تقبلَ فعل الشر، إن غلفه بغلافِ الخير. سأظلم، ولكن هدفي نبيل! سأسرق، ولكن هدفي نبيل! سأقتل، ولكن هدفي نبيل! قناعته بأنه يفعل ما يفعل من شرورٍ في سبيلِ قضيةٍ نبيلة، يفعل في النفس فعل السحر، ثم يجد نفسه غارقاً في الشر، بل ومدمناً عليه، بلا تحقيقِ أية أهدافٍ نبيلة! ورغم هذا يواسي نفسه، لقد حاولت، وكنت مثقلاً بحسن النوايا، والرياح تجري احياناً بما لا تشتهي السفن! وسرعان ما تذهب الأهداف أدراج الرياح، ويبقى الإدمان. المؤكد الآن، أنه على وشك تقديمِ تقريره الأول، فلم يشفي كسر الغصن غليله، بما أني بت كاتبَ تقارير، ليكن تقريري الأول استثنائي. بعد يومين عاد إلى باسل، يحمل أخباراً سارة، فقد سمع عجوزاً في القرية، يبدي امتعاضا من الوضع المتردي في الدولة، ويلقي اللوم على سياسة الحكومة، بلا خوفٍ من أي ملاحقةً أو عواقب!! فابنه يعمل سائقاً عند رجلٍ مهم، ورغم ذلك فإن العجوز لا يتورع عن تجاوز الخطوط الحمراء في كل مكان، متذرعٌ أن ابنه سيحميه، وله الحق في قولِ ما يريد. كتب باسل المعلومات كاملة، وبعد أن غادر وليد، أحرق الورقة… لا حاجة له بها أصلاً، فهو ذو خبرةِ بهذا النوع من التقارير، ويعرف تماماً كيف يفرق بين التقرير الحقيقي، والتقرير الكيدي. المهم بالنسبة له أن وليد اتخذ أول خطوةٍ، وقدم أول تقرير، وبالطبع لا بد من اتخاذ إجراءاتٍ في حق ذلك العجوز وولده، ليعلم الفتى أن عمله مثمر، وأنهم يثقون به، وبكل ما يقدمه من معلومات، وليشفِ غليله، وليتذوق طعمَ السلطة، ونشوةَ السيطرة، وحلاوةَ الانتقام، فهذه أمورٌ لها وقع في النفس، أشدُ من وقع النساء. حلاوتان، ليس كمثلها حلاوة على وجه الأرض.. لذة إنقاذ الحياة، ولذة سلبها. ما الذي يدفع السفاح لقتل الأبرياء واحداً تلو الأخر، السبب على الرغم من كونهِ مثيراً للاشمئزاز، إلا أنه هكذا بالفعل، فالقتل وسلب الأرواح له حلاوةٌ في النفس، رغم بشاعة الفكرة، إلا أن القتل نوعٌ من الإدمان، ففي أول مرة، يؤنبه ضميره جداً، وقد يرى الكوابيس ليلاً، ويبكي وحيداً، ولكن سرعان ما يعتاد الأمر، ويطلبه، وأسرع من هذا يكتشف أن له لذة من نوعٍ خاص، وأنه بات مدمناً عليها، لا يمكنه التخلي عنها. وهكذا الظلم، والاضطهاد، وحتى الانتقام، فهو يشبع في النفس البشرية نزعةَ شرٍ شيطانية، تصل أوجها عندما يسلب الحياة. وبالمثل، انقاذ الأرواح، وفعل الخير، له حلاوةٌ، فهكذا يُصنع الأبطال، ينقذون شخصاً ما، من بابِ الصدفة ربما، ثم ثانِ، ثم يجدون أنهم أصبحوا مدمنين على البطولة، يريدون المزيد، حتى إن كلفهم هذا حياتهم. فهو يُشبع في النفس نزعةً ملائكية، تدفعهم لفعل الخير للأخرين، تبلغ ذروتها عند انقاذ حياةِ أحدهم. ملاكٌ وشيطان يعيش في داخلِ كل فردٍ منا، ولك حرية اختيار نوع الإدمان. وباسل يعلم تماماً ما يريد لوليد أن يدمن عليه، وليشعر بحلاوة الظلم، والانتقام، لا بد أن يرى العجوز بالحال التي يريدها. في صباح اليوم التالي وقف وليد يراقب العجوز مكبلاً بالأصفاد، يقتاده عددٌ من عناصر المخابرات الجوية، إلى سيارة الاعتقال، لم يغنه ولده عن مصيره شيء. يا لها من قوةٍ هذه، التي تمنحه القدرة على اعتقال عجوزٍ يعمل ولده لدى رجلٍ مهم في المخابرات الجوية، نفس الجهاز الذي يقتاده الآن، ذليلاً مهاناً. تفجر الشيطان داخله، تفجر قوةً ونفوذاً Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print The Sect – Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل الرابع والعشرون. الحلم المتجدد March 16, 2023March 16, 2023 في أحد الفنادق الرخيصة، في منطقة السلطان أحمد في مدينة إسطنبول، جلس بيبرس على كرسي… Read More الفصل الواحد والعشرون. الطائفة الإلكترونية March 16, 2023March 16, 2023 استمع وليد بكل حماسةٍ للكلمة الصوتية الجديدة للشيخ القائد، لقد تم بثها قبل قليلٍ عبر… Read More الفصل الثالث والعشرون. فجرٌ جديد March 16, 2023March 16, 2023 نعم، لا يهم ما كنت عليه، وما أنت عليه اليوم… فالمهم هو ما ستكون عليه… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل الرابع والعشرون. الحلم المتجدد March 16, 2023March 16, 2023 في أحد الفنادق الرخيصة، في منطقة السلطان أحمد في مدينة إسطنبول، جلس بيبرس على كرسي… Read More
الفصل الواحد والعشرون. الطائفة الإلكترونية March 16, 2023March 16, 2023 استمع وليد بكل حماسةٍ للكلمة الصوتية الجديدة للشيخ القائد، لقد تم بثها قبل قليلٍ عبر… Read More
الفصل الثالث والعشرون. فجرٌ جديد March 16, 2023March 16, 2023 نعم، لا يهم ما كنت عليه، وما أنت عليه اليوم… فالمهم هو ما ستكون عليه… Read More