March 16, 2023March 16, 2023 الفصل الخامس عشر. لستُ وحيداً تناول الاثنان طعامَ الغداء، وبدأوا بشرب المته، فهذا المشروب يذيب الحواجز سريعاً، ويدفع الجميع للحديث، حول أي شيءٍ يمكنهم الحديث عنه. عرفوا عن بعضهم كثيراً من الأمور، إلا أن الاثنين كتم كل منهما سره الخاص، فلا هذا أخبره عن أبيه المعتقل منذ سنوات، ولا ذاك أخبره عن كونه ضابطاً في المخابرات. بقي الرائد يبحث عن علاماتٍ تميزه عن بقية البشر، في كل كلمةٍ قالها وفي كل حركةٍ تحركها، فلا بد أن فيه شيئاً جعله ينال هذا القدر من الاهتمام في نظر رئيس الفرع وأولئك الغرباء. إلا أنه لم يجد أي شيءٍ مميز، مجردَ فتىً بسيط في مقتبل العمر، قد يملك شيئاً من الفطنة والذكاء، لكن ليس للدرجة التي تجعله يلقى هذا الاهتمام الخاص من المخابرات الجوية. وهل أصلاَ في سوريا ينال أحدٌ اهتمام الفرع لذكاءٍ أو فطنة!! فالاهتمام يكون لمنصبه، أو لعائلته، أو لرصيده البنكي. انتهوا من جلستهم وهمّ باسل في الذهاب في حالِ سبيله -وأنت؟ ألن تعود إلى قريتك؟ بالكاد تتمكن من الوصول قبل حلول الظلام -لا لن أعود الليلة -لمَ؟ -أحب البرية، اعتدت واعتادت البقرة عليّ أن أرعاها لأيام -حقاً! هذا غريب، وماذا تفعل وحيداً -لستُ وحيداً، فمعي أصدقاءٌ كثر تعجب باسل من رد الفتى: غريبٌ حقاً، لا أرى أحداً إلا أنت! -بل معي، انظر حولك، فالغابة مليئة بالأصدقاء، ولو بقيت تتحدث إليهم، وتتعلم منهم سنوات، فلن تكتفي، ففي كل مكانٍ في هذه البرية هناك أشياءٌ جديدة يمكنك تعلمها، والتعلم منها، ستشغل وقتك، وتؤنس وحشتك، وتكون لك خير رفيق. -هل تقصد الحيوانات؟ -ليس بالضرورة، بل الشجر والحجر كذلك، حتى البرية نفسها، إن بقيت فيها وقتاً طويلاً، ستشعر أن فيها روحاً يمكنك التحدث إليها، مشكلتها فقط أنها تجيب بلغةٍ أخرى غير التي نفهم، عليك أن تتعلمها وعندها ستدرك مقصدي. أضاف: أتعجب كيف لصيادٍ مثلك خبيرٌ في البراري ألا يدرك هذا! كيف كنت تنوي قضاء لياليك الطويلة وحيداً هنا؟! تلعثم باسل، لم يعلم ما يجيب، استجمع شتات أفكاره ثم قال: أتأمل في السماء، لكنك الآن علمتني شيئاً جديداً، ففي حين أقضي وقتي متأملاً القمر، والنجوم، فقد فاتني أن كثير من الأشياء حولي تستحق مني إعارتها بعض الانتباه. التفت حوله ثم أضاف: ما رأيك أن ترافقني؟ علنا نؤنس بعضنا، ونتعلم شيئاً جديداً. تردد وليد للحظات، ثم قَبِلَ عرضه، فلمَ لا، فلو أراد هذا العلوي بي شراً، لكنت ميتاً الآن أو مقيداً إلى شجرة. إلا أن شيئاً واحداً كان مازال يشغله بشأن هذا الغريب! باسل: حسناً لنبدأ بما أتيت من أجله، هيا نبحث عن طريدةٍ نصطادها، هل تعرف كيف تستخدم البندقية؟ -لا، لم يسبق لي هذا -حسناً دعني أعلمك بدأ يعلمه استخدام البندقية، دربه على إطلاق النار، استعداداً لصيده الأول، الذي شاءت الأقدارُ أن يكون غداً، فقد حلّ الظلام، وحان وقت إعداد العشاء قبل شربِ المته من جديد. سريعاً تكسّرت الحواجزُ بينهم، فبلا علمٍ منهما، كان كلاهما بحاجةِ بعضهما البعض. باسل كان بحاجته ليخرجه من مكتبه العاجي، قضيةٌ غامضة طالما نشدها، تكسرُ ذلك الروتين السخيف من العمل على قضايا باهتة، وآفاقٍ جديدة يشعر بها في انتظاره. أما وليد، فقد كانت حاجته له أعظمُ وأعمق، فطالما تمنى وهو في البرية أن يكون له أباً، أو أخاً يكبره، يشعل معه النار، يشاركه الطعام، يخاف معه وعليه، ويحميه في ليالي البرية الموحشة. تلك الليلة، نام وليد في الخيمة، ونام باسل مفترشاً الأرض، ملتحفاً السماء. نظر إلى القمر، لم يتأمل النجوم من قبل، قال لوليد أنه قضى وقته يتأمل السماء ونسي كثيراً من الأشياء حوله، وفي الحقيقة لطالما قضى لياله في شقته بين كؤوس الخمر ودخان السجائر وأحضان الفتيات، نعم لقد فاتني الكثير، ليس من حولي فقط، بل حتى في السماء، وفي كل مكانٍ أخر. تنهد بمرارة، أغمض عينيه، نسمات الهواء تداعب شعره ووجهه، ابتسم، كم هي جميلة حياة البرية، كم هو جميل الليل هنا، بلا أضواءٍ ولا صخب، أحب مهمته، فهذه المهمة تغير شيئاً فيه، أنقذته بطريقةٍ ما من كابوس الروتين القاتل، والحياةِ بلا هدفٍ، ولا غايةٍ واضحة. في اليوم التالي، قرروا أن يكون معسكرهم بجوار النبع حيث هم، فلا داعي لتغيير هذا المكان المثالي، لنمضي للصيد، ولتبقى البقرة ترعى وتشرب، وبعد ساعات من الجري تارةً، والاختباء والترصد تارةً أخرى، تمكن وليد اخيراً من صيده الأول، غزالٌ صغير. عادوا إلى المعسكر حاملين صيدهم. أو بصورةٍ أكثرَ دقة، يحمله باسل على ظهره، فوليد لا يمكنه حمل شيء، كيف يفعل هذا وهو يرفض أن يترك هذه البندقية، لم يقبل حتى وضعها على ظهره، بات كالطفل ممسكاً لعبةً بين يديه، يبحث عن أي شيءٍ ليطلق النار عليه. في المعسكر وافق وليد أخيراً أن يضعَ البندقية جانبه، ليشعل النار ويعد أواني الطهي. بينما ابتعد باسل عن المعسكر قرابة ال 200 متر، ثم بدأ بتقطيع الصيد، فلا بد من فعل هذا بعيداً عن مكان مبيتهم. وبينما هو منشغلٌ بالتقطيع، نظر إلى وليد، يقف على بعد 30 متراً، يصوب البندقية نحوه، ويداه ترتجفان Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print The Sect – Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل السادس. البقرة كاتبة التقارير March 16, 2023March 16, 2023 -الحمد لله، قطاف هذا العام وفير، ولدي بعض المال، فلابد من الاستثمار -ما الذي تنوين… Read More The Sect – Arabic Online حول الرواية والحقوق March 16, 2023April 26, 2023 الطائفة أحمد أ. الخليل تدقيق وترجمة أسيل أ. مخيمر الذئب يأكل شارد الغنم وفي القطيع… Read More فهرس المحتويات March 16, 2023March 16, 2023 الإهداء كلمة الكاتب المقدمة الفصل الأول. هروب جماعي الفصل الثاني. الغصن الفصل الثالث. الدكتاتور الفصل… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل السادس. البقرة كاتبة التقارير March 16, 2023March 16, 2023 -الحمد لله، قطاف هذا العام وفير، ولدي بعض المال، فلابد من الاستثمار -ما الذي تنوين… Read More
The Sect – Arabic Online حول الرواية والحقوق March 16, 2023April 26, 2023 الطائفة أحمد أ. الخليل تدقيق وترجمة أسيل أ. مخيمر الذئب يأكل شارد الغنم وفي القطيع… Read More
فهرس المحتويات March 16, 2023March 16, 2023 الإهداء كلمة الكاتب المقدمة الفصل الأول. هروب جماعي الفصل الثاني. الغصن الفصل الثالث. الدكتاتور الفصل… Read More