March 16, 2023March 16, 2023 الفصل الخامس. مكرمة القائد في دولة الجلاد، فالوزرة تز وزر الأخرى، وبخطيئة الأب، لا بد أن تدفع العائلة كلها الثمن. -عليك أن تكوني ممتنة لنا يا امرأة، لأننا لم نعتقلك معه، وابنك، وجميعَ أفراد عائلتك. هكذا رد عليها الضابط المسؤول في فرع المخابرات الجوية في مدينة اللاذقية، بعد عام من الاعتقال، عندما ذهبت لا لتسأل عن زوجها سؤال قد يلحقها به، بل لتقدم طلب استرحام، ورجاء، علهم يرفعون اسمها عن القائمة السوداء، فتجد لها وظيفة تعيل بها ابنها الوحيد، أو فاعل خير يساعدهم، لم يحصل خيره على الموافقات الأمنية اللازمة لإعالتهم. ورغم هذا، فلم تعد خالية الوفاض، فبعد أشهر من الدراسات والمباحثات في فروع أمن الدولة، صدر القرار أخيراً، وحلت عدالة الجلاد، على شكل برقية استلمتها في مكتب البريد.. “إلى زوجة الخائن …. نود إعلامكم أننا قمنا بدراسة طلبك المقدم لنا في تاريخ 19 نيسان 1981م، ورحمة من القائد المناضل بحالك وحال غلامك، وبمكرمة استثنائية منه لا ينالها عوائل الخونة عادةً، إلا أن قائد الوطن، وحاميه من فلول الاستعمار، وحصنه المنيع في وجه المؤامرات وسارقو الأوطان، قد اتخذ أطال الله بقاءه قراراً بخصوص أرضكم المصادرة على إثر خيانة زوجك في وقتٍ سابق من العام 1980م، وقد تقرر السماح لك بحراثتها، وسقايتها، وجني محصولها، وإعالة أنفسكم من ريعها، مع منعكم من بيعها أو غيرها من ممتلكاتكم المصادرة، إلى حين صدور مرسومٍ أخر بشأنها وشأنكم” طوال أعوامٍ تلتها، عكفت الأم على رعاية الأرض والغلام، مخلصة بطبعها، تعلقت بالأمل، ورغم صغر سنها، إلا أنها رفضت الزواج، وبقيت تنتظر عودته، قالوا لها لا تتعلقي بالمستحيل، فلن يعود، فكل من ألقي القبض عليهم في تلك الأيام، دخلوا زنازين الموت في سجن صيدنايا، لم يعد منهم أحد. إلا أنها فضلت الانتظار، لعل معجزةً تقع، أو لعل الله يستجب يوماً دعاءها. ملتزمةً دينياً، حرصت على تربية وليد على قدر المسموح به من التربية الدينية في دولة الدكتاتور، استغلت سقف المسموح كله، الذي بالكاد كان كافياً لتحفيظه شيئاً من القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، وبعض تعاليم الدين الأساسية. قالت له مراراً وتكراراً، أنت لست بحاجةٍ للعديد من الكتب، كل ما تحتاجه بين يديك، هذا القرآن هو ما نزل به جبريل على نبي الله محمد، وستجد به ضالتك دوماً لا محالة. كل ما تخشاه هو أن يصدر من الغلام المتمرد بطبعه، شيئاً في مدرسته، يثير الريبة حوله، مثل أن يرفض الهتاف للزعيم المناضل، أو أن لا ينشد نشيد الخضوع الصباحي للحزب الحاكم، أو حتى ينسى بضع كلماته، مما يجعلها في موضع الاتهام بالتقصير في دورها التربوي المنزلي، وواجباتها الوطنية في تحفيظ الغلام مبادئ الوطن، وقواعد المواطنة، ومما يتسبب بسحب مكرمة القائد الخاصة، لتجد نفسها وابنها في الشارع بلا مأوى، وربما أكثرَ من هذا. فحرصت على تذكيره كل يومٍ، بالهتافات والأناشيد، وكل ما يلزمه ليبقى على قيد الحياة في دولة الدكتاتور. وكلما سأل عن أبيه، نهرته وحذرته من ضرورة عدم التحدث عنه أمام أحد، صغيراً كان أم كبيراً، صديقاً أم عدواً، طالباً أم معلماً، فالجدران في دولتنا لها آذان تسمع، وأيد تكتب التقارير الأمنية. وغلامٌ مثلك، بتاريخ أبيك في العصيان والتمرد، عليه أن يتجنب الحديث في كل ما يزعج القائد، وطائفته، وحاشيته. كبر وليد وإعتاد الجلوس في أرضهم وحيداً، تحت شجرة التوت المتنازع عليها، يفكر في مصير أبيه وذنبه الذي اقترفه، ينظر إلى ثمار الشجرة فوقه، ويتساءل لمَ يمنعني العجوز عنها؟! وسرعان ما فهم السبب، فجبال الأكراد تشتهر بأشجار التفاح، نادرةً هي أشجار الخوخ والتوت. وأرضهم على خلاف جميع الأراضي من حولها، تحتوي بعض منها، ورغم أن بإمكانه أكل التوت من أي شجرةٍ أخرى، إلا أن كل ممنوعٍ مرغوب، خصوصاً على صبي فضولي متمرد مثله. ولكن مازالت تنقصه الشجاعة، فنظرات ذلك العجوز له كلما رآه جالساً تحت الشجرة، تقول له إياك ثم إياك أن تفكر، أو تتجرأ على مد يدك لثمرةٍ واحدة من ثمارها. وكما أن الوحدة والفراغ تدفع العقل للتفكر في أدق التفاصيل في كل شيء، فإنه فكر بأمور لا يتوجب عليه التفكير فيها. فكر مثلاً في دولة لا يحكمها الجلاد، لكل ولد بها أب، ولكل أب أرض يزرعها ويحصدها، ويعود مساءً إلى بيته ليجد أطفاله في انتظاره، يلفهم ويحتضنهم، ويناموا ليلتهم في أمانٍ مطمئنين على أن غداً، سيكون كما كان اليوم او أفضل. دق جرس المدرسة معلناً نهاية اليوم الدراسي خرج برفقة اثنان من أصدقائه وفي طريق العودة إلى المنزل، بائعٌ متجول يبيع الخوخ والتوت وفواكه أخرى. ففي هذا الموسم من الصيف، يبدأ المزارعين بقطف ثمار بعض أشجار الفاكهة الموسمية، قبل الشتاء، حيث سوف يحل موسم التفاح، وعرس قطافه. قال أحدهم: خوخ، هيا، سأشتري لكم على حسابي ما نأكله في طريق عودتنا. رد الاخر مستهزئاً: تشتري؟ إن كرمنا في الطريق، فيه شجرة خوخ ٍكبيرة، ما أن نصل سأجعلكم تقطفون منها بقدر ما تريدون. فرد عليه: حسناً لنشتري بعض التوت إذاً. تدخل وليد بحماسة الطفل: ما بكم؟ تشتروا التوت وأنتم معي؟ ألا تعلمون أن هذا ما تشتهر به أرضنا؟! في الكرم، ضاقت عليهم الأشجار بما رحبت، من بينها جميعاً، لم يصعد الغلامان إلا تلك الشجرة المتنازع عليها، أما الثالث، المُضيف المتمرد، فمنعه شيءٌ من الكبرياء، والشهامة، ورجولة طفلٍ بالكاد أتم عامه العاشر، من أن يمنعهم عنها. -لمَ لم تأخذهم لشجرةٍ أخرى يا وليد؟ سألت الأم، وهو مفترش حجرها، تطبب ما تركت عصا العجوز على ظهره من جراح. ببراءة الطفل أجاب: ظننته لن يغضب إن لم يتسلقوا ذلك الغصن يا أمي. -وهل فعلوا؟ -لا -حتى لو لم يفعلوا، كان عليك منعهم منذ البداية، ففي كرمنا العديد من الأشجار، دع شجرة العجوز وشأنها. صمت الغلام، ما أن سمعها تسميها بشجرة العجوز …. لم يشأ إثارة غضبها، أو استفزازها. ردد بصمت هتاف الوطن، “معاً إلى الأبد، يا حافظ الأسد” وغط في نوم عميق Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print The Sect – Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الإهداء March 16, 2023March 16, 2023 إلى جميع قُراء رواية اللحظة صفر، لأجل كل كلمة جميلة سمعتها، وكل دعم تلقيته، وكل… Read More الفصل الثامن. مفاجئة غير متوقعة March 16, 2023March 16, 2023 استشاط الرائد باسل غضباً، يصرخ عبر جهاز اللاسلكي، ويشتم فريق الاعتقال: كيف هرب منكم؟ تباً… Read More الفصل الأول. هروب جماعي March 16, 2023March 16, 2023 بالكاد تمكن من تذوقها، ولسببٍ لا يعلمه بصق ما في فمه منها، فما أن سمع… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الإهداء March 16, 2023March 16, 2023 إلى جميع قُراء رواية اللحظة صفر، لأجل كل كلمة جميلة سمعتها، وكل دعم تلقيته، وكل… Read More
الفصل الثامن. مفاجئة غير متوقعة March 16, 2023March 16, 2023 استشاط الرائد باسل غضباً، يصرخ عبر جهاز اللاسلكي، ويشتم فريق الاعتقال: كيف هرب منكم؟ تباً… Read More
الفصل الأول. هروب جماعي March 16, 2023March 16, 2023 بالكاد تمكن من تذوقها، ولسببٍ لا يعلمه بصق ما في فمه منها، فما أن سمع… Read More