March 16, 2023March 16, 2023 الفصل الخامس والعشرون. لعنة زينب تسمرت زينب في مكانها، خائفةً ترتجف من هول ما تراه عيناها، ترتجف، جسدها ينتفض، وكأن مسٌّ شيطانيٌ اجتاحها، شيءٌ يسري داخلها، احمرّت عيناها، تفجرّت عروقَ وجهها. بعيداً جداً للوراء على خط الزمن الوهمي، قبل مائة عام. الموقع، جنوبَ مصر، مركز مدينة البداري، على ضفافِ نهر النيل، ما بين محافظتي أسيوط وسوهاج، حيث ضربت مصر القديمة جذورها في التاريخ، الذي لن ينساها مهما طال الزمان، حضارة الفراعنة كانت ها هنا، يقول أهلها، أن من بينهم، نسل الفراعنة المتبقين على وجه البسيطة، إشاعات يتداولها الناس، عن مجلسٍ سري من الحكماء، يعلمون سراً لا يعلمه أحدٌ غيرهم، يتوارثونه عبر الأجيال، جيلٌ يسلم جيل، سر الدفينة، حيث تقع أسرار مصر القديمة كلها، أو هكذا يدّعون. أسيوط، كان يطلق عليها اسم “سوت” المشتق من كلمة “سأوت” وتعني “حارس” باللغة الهيروغليفية، أي حارس الحدود لمصر العليا عندما انضمت إلى طيبة، عاصمة البلاد، في نضالها ضد الهكسوس الغزاة. أما مركز البداري، أو مدينة البداري، فهو أحد مراكز محافظة اسيوط وأكبرها مساحة، يضم 36 قرية، وموطنَ واحدةٍ من أقدم حضارات التاريخ، حضارة البداري 3200 قبل الميلاد، والتي تعتبر أولَ دليلٍ على نمو الزراعة في مصر وشمال أفريقيا، منذ 7000 عام. آمن قدماء البدارين بالبعث (الحياةُ الثانية بعد الموت)، دفنوا موتاهم في الصحراء ورأس الميت في اتجاه الجنوب، ينظر إلى الغرب، ملفوفاَ بالحصير، تصحبه حيواناته الأليفة، أو تماثيلٌ لحيواناتٍ أو نساءٍ أو طيور. بعد دخول الديانات السماوية إلى أرض مصر، اندثرت تلك الخزعبلات القديمة، أو على الأقل بصورتها المباشرة، فالعادات والتقاليد، تبقى دوماً سبيلَ الخزعبلات للتحاليل والبقاء. توارث بعض البدارين عادات أجدادهم القدماء، من لا يستحق البعث، يستحق الفناء، والأرواح الشريرة لا بد أن تفنى، إلى الأبد. العام 1910 للميلاد، صبيةٌ يافعة في العاشرةِ من عمرها، ترتجف خوفاً، أحاط بها رجالٌ بلباس أهل جنوب مصر “الصعيد” التقليدي، ملامحهم قاسية، ترعد حناجرهم، وتزبد أفواههم بغضب، يرددون كلماتٍ مرعبة، الملعونة، تخلصوا منها! لم تهتز شواربهم الغليظة، ولا لحاهم، وهم يجبرون طفلةً في العاشرةِ من عمرها، على رؤية أختها ورفيقة صباها، بالكاد تكبرها ببضعِ أعوام، يمسكها الأب بقوة، يثبتها من كتفيها، تصرخ بأعلى صوتها، تبكي رعباً وخوفاً، أمام فرنٍ طينيٍ قديم، ببابٍ حديديٍ أسود، يُغلق ويوضع عليه قضيبٌ من الحديد، يستحيل فتحه إلا من الخارج. ارتجفت زينب، جسدها ينتفض، وكأن مساً شيطانياً اجتاحها، شيءٌ يسري داخلها، احمرّت عيناها، تفجرت عروق وجهها، وهي ترى أختها تُرمى داخل الفرن حية، ويُغلق الباب. علت صرخاتها، تحترق ببطء، تتلوى داخل الفرن، تقرع الباب الحديد من الداخل، تتوسل، تتألم، ثم خيم صمتٌ مهيب، تبعه هبة ريحٍ قوية، طيور تطير متخبطة في كل اتجاه، ثم دوت من الفرن صرخةٌ أخيرة، وصل صداها مقابر قدماء البدارين، ثم صمتت الفتاة، إلى الأبد. لا تسلمي نفسك للشيطان، إياك أن ينال منك، حتى لا يكون مصيرك كمصيرها، لقد بقي هذا السر دفيناً عبر آلاف السنين، ولن يفضحه شيءٌ بعد اليوم، ولا بعد الآلاف منها. ليلةٌ تتلو ليلة، حرصت الأم على تذكير زينب بالمصير المحتوم، إن بدى عليها تلك العلامات، التي لا يعلمها ولا يراها إلا حكماء الطائفة، العالمين بخفايا وأسرار مدافن القدماء، فيقررون من يحيا، ومن يموت. ذنبها، أنها رفضت، فتاة في الرابعة عشر من عمرها، قادها حظها العاثر، وجمالها، إلى أن يشتهيها عجوزٌ في السبعين من عمره. قالت لا، لن أتزوج هذا العجوز، حتى إن كان من الحكماء. أجبروها على الزواج، وفي ليلة الزفاف هربت، لساعاتٍ فقط، قبل أن تعود مقيدة بالحبال. ثم يرى بها شيخ الطائفة علاماتُ لعنة توارثتها الأجيال، روح شريرة تسكنها، تجرأت على الرفض والهرب، لعنةٌ لا بد من حرقها، فالشيطان قد يفضح أسرار المقابر على لسانها. احترقت الفتاة، وانطفئت النار عن عظامها، ولم تنطفئ شهوة العجوز، لا بد من إشباعها، وتعويضه عن تلك الملعونة، ومن ذا الذي قد يحل محلها، إلا أختها زينب. طفلةٌ في العاشرة، ينقصها الشجاعة للهرب، ولكن شيئاً تغير في ذلك اليوم، وكأن هالةَ مع تلك الصرخة غادرت جسد أختها لتسكن روحها، باتت قوية على غير العادة، شيءٌ في داخلها يدفعها للتمرد، إتخذت القرار، استجمعت كل قوتها، وفي ليلة الزفاف، أطلقت لساقيها الريح. ركضت طوال الليلة بلا هدى، تطاردها المشاعل والعار، ويطاردها الفرن، وفي الصباح، وجدت نفسها مغشيٌ عليها بجوار ساقيةَ ماءٍ صغيرة. فتحت عيناها على يد تمسح وجهها بالماء، ما أن انقشعت الغشاوة عنهما، حتى تراءى لها وجهٌ مستدير كالقمر، شعر بني، عينان زرقاوان، أبيضٌ كالثلج، شابٌ يافع بالكاد أتم السابعة عشر من عمره، ليس من هذه البلاد، رغم أنه تحدث بلهجةٍ مصريةٍ مدنية واضحة، ما بك يا فتاة، من أين أتيتي؟ تلعثمت، قلبها يخفق بقوة، تذكرت من هي، ومن أين أتت، قفزت برعب، تتلفت حولها خوفاً. فهم الشاب على الفور، هاربةً بالتأكيد، وفي هذه القرى، لا تهرب الفتيات إلا من الموت، وإلى الموت غالباً. حملها وأسرع بها إلى داخل حنطور الخيل، سلةٌ كبيرة مليئةٌ بالتمر، أفرغها ووضع الفتاة داخلها، وأنطلق مسرعاً، هارباً بها بعيداً. شابٌ من أصولٍ تركية، من نسل أمراء الحرب العثمانيين. شاءت الأقدار أن يكون ها هنا اليوم، لإنقاذ زينب. أو ربما لإنقاذ اللعنة من الفناء! أو ربما، ليكتب أول حرفٍ، من قصةٍ بدأت أحداثها، وتبدأ وتنتهي، في كل لحظة…. اللحظة بيبرس Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print The Sect – Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل الثامن عشر. المزرعة March 16, 2023March 16, 2023 -قلت لك يا عزيزي، لا تتعجل بالحكم عليه -صدقت يا يوسف، ليس هذا فقط، فلن… Read More الفصل التاسع. المنزل الآمن March 16, 2023March 16, 2023 في حي أبو رمانة الراقي في دمشق، بيتٌ كبيرٌ مستقلٌ من طابقين، سوره العالي جعل… Read More الفصل الحادي عشر. بائع التمر الهندي March 16, 2023March 16, 2023 سوق العنابة، واحدٌ من أشهر الأسواق الشعبية في مدينة اللاذقية، معظم تجاره وزبائنه من أبناء… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل الثامن عشر. المزرعة March 16, 2023March 16, 2023 -قلت لك يا عزيزي، لا تتعجل بالحكم عليه -صدقت يا يوسف، ليس هذا فقط، فلن… Read More
الفصل التاسع. المنزل الآمن March 16, 2023March 16, 2023 في حي أبو رمانة الراقي في دمشق، بيتٌ كبيرٌ مستقلٌ من طابقين، سوره العالي جعل… Read More
الفصل الحادي عشر. بائع التمر الهندي March 16, 2023March 16, 2023 سوق العنابة، واحدٌ من أشهر الأسواق الشعبية في مدينة اللاذقية، معظم تجاره وزبائنه من أبناء… Read More