March 16, 2023March 16, 2023 الفصل السابع عشر. تشابُه أسماء ممسكاً سكينَ التقطيعِ بيده، تمنى لو أنه يمسكها بيده اليمنى، فهو أعسر، ولديه مسدسٌ صغيرٌ على حزامه في جانبه الأيسر، فكر سريعاً، إرمي السكين واستسلم، حرر يدك اليسرى منها، ثم بحركةٍ خاطفة اسحب المسدس، انبطح على الأرض، وأطلق النار، فالفتى حديثُ عهدٍ بالأسلحة، يداه ترتجفان، لن يكون أسرع منك. رفع يداه ببطء، رمى السكين، وقعت على حجر، رن صوتُ ارتطامها بالحجر، ثم هديرٌ خلف ظهره، شيءٌ يركض بسرعة، وخنخنة توقف لها قلبه رعباً. رفع رأسه وجحظت عيناه، نظر إلى الخلف، خنزيرٌ بريٌ يركض بكاملِ سرعته وقوته نحوه مباشرةً، ضربته ستكسر أضلعه، يتبعها النهش والتقطيع، وقبل أن يصل إليه ببضعة أمتار، دوت صوت البندقية، وكأن الزمن توقف مكانه، يكاد يقسم أن الرصاصة ألقت عليه التحية وهي تمر بجوارِ رأسه قبل أن تستقر في رأس الخنزير. حِكمة البائع، إن قمت بعمل فافعله على أكمل وجه، طوال يومين، علّم الفتى الرماية أفضل ما أمكنه، وها هي تؤتي ثمارها، فقد أنقذ للتو حياته. إذا حل شبح الموت، حل الخوفُ معه… لابد على باسل اتخاذ خطوةٍ جادة نحو إعادة الفتى، وإنهاء هذه المهمة بأسرع ما يمكنه، ولكن عليه إرغام وليد على الخروج من قوقعته الأمنية، لو يتجرأ ويقول له سبب هربه هنا، عليه أن يجعله يتحدث، وعندها يمكنه إقناعه بالعودة.. بعد الاطمئنان على بعضهم، والتقاط الأنفاس.. بادره الحديث: وليد، أظن أن علينا العودة، فالمنطقة كما يبدو غير آمنة -هذه أولُ مرةٍ أرى فيها خنزيراً برياً هنا، لا بد أنه تتبع رائحة الطعام، ولكن لا يمكنني العودة -لمَ، ما الذي يمنعك، تحدث بصراحة لقد أنقذت حياتي للتو ولك دينٌ في رقبتي لم يكن بحاجةٍ ليسمع هذا حتى يعطيه الثقة، فكم هو غريبٌ طبع البشر، فإنقاذه حياةَ باسل، له ذات التأثير على ثقة وليد به، تماماً كما لو أن باسل هو من أنقذ حياته. فعندما ينقذ أحد حياة شخص ما، يرى أن الثاني بات مديناً له بحياته، وبالتالي يستحيل أخلاقياً أن يخونه، ويمكنه الوثوق به، تماماً كما لو أن الثاني هو من أنقذ حياته، فسيصبح الأول مديناً له، ومن بابٍ أولى فإن عليه الثقة به، والنتيجة واحدة، مستوىً عالٍ من الثقة. وهذا ما حدث لوليد توه، أنقذ حياة باسل، وبالتالي تكسرت جميع الحواجز، بلا استثناء، لا شعورياً بات يرى أن باسل مديناً له بحياته، وبالتالي لن يخونه، وبالتالي فإنه لن يؤذيه لا محالة، ويمكنه منحه الثقة. تردد الفتى للحظات، قبل أن يحدثه في شيءٍ كهذا لابد له أولاً من الاطمئنان بشأن أمرٍ أشغله منذ لحظة التقيا. وليد: بصراحة أود الاستفسار منك بخصوصِ أمر نظر إلى البقرة، عاد وتردد، ثم تشجع: البقرة، منذ أول مرةٍ أتيت بها لم تبدي تجاهك أية ريبة، فهي بالعادة تبتعد عن الغرباء، لا تبقى بجوارهم إن اقتربوا منها، ولكنها بدت وكأنها معتادة عليك، هل يمكنك تفسير هذا؟ أخفى باسل صدمته من دقةِ ملاحظة الفتى خلف ضحكةٍ مصطنعة، وفي الحقيقة فقد أصيب بالذهول، لم يفكر في هذا قط، ولم يخطر على باله حتى، معقول! نعم منطقي، البقرة بقيت معي وقتاً كافياً حتى تعتد وجودي بجوارها، لم تبدِ أي ردةِ فعل، قال باسل في نفسه. أجاب: أعتذر على ضحكتي هذه، ولكنني لم أتمالك نفسي، لا أعرف السبب، بصدق لا أعرف، هذه أولُ مرة أعلم أن البقر قد يفعل أمراً كهذا، اسمعني جيداً، رغم أني ابن قرية، ولكن لم أعش في القرى من قبل، فحياتي كلها في المدينة، لا أعلم شيء عمَ تقوله. رغم شكوك وليد، إلا أن الجواب كافٍ له، فقد وقع في الفخ سلفاً، بات الآن يحبه، وتوطدت علاقتهما، تماماً كما حدث عندما تذوق باسل العصير، وأعجبه، بات يضع المبررات الكافية ليقنع نفسه أن البائع يهتم بالتعقيم بشكلٍ أو بأخر، وهذا ما حدث تواً، فرغم الشكوك، إلا أنه قرر تصديق الجوابِ ببساطة، فأكثر شيءٍ يمكن للبشر التورط به، هو المشاعر، وخاصة مشاعر الحب والثقة، لا يمكنهم الانسحاب منها بسهولة، تعميهم تماماً. -حسناً، سأخبرك بالأمر، أبي معتقلٌ سياسي، منذ وقتٍ طويل، ويبدو أن هناك من يكرهني كفايةً حتى يقدم شكوىً في حقي لا أعلم ماهي، ولكني مظلوم، ولهذا هربت عندما علمت أن الشرطة تبحث عني. -من تظنه فعل هذا؟ -ليتني أعلم، ولكنني هربت عندما رأيت الشرطة تقتحم منزلنا. أبدى باسل اهتماماً مصطنعاً بكلامه، وبحزمٍ أجابه: اسمع يا وليد، لقد أنقذت حياتي للتو، وأنت تعلم سلفاً أنني علوي، ولكنك قد لا تعلم أن لدي أقاربٌ نافذين في الشرطة، لن أترك من جهدي جهد حتى أتبين ما حدث ولن يصيبك أي مكروهٍ، هذا وعد مني. تردد وليد للحظات، ثم قال: ولكن عندما أتت الشرطة كان معهم سيارات مدنية، مثل تلك التي تعرفها… -تقصد المخابرات الجوية؟ -نعم ربما، لا أدرى رائع، قال باسل في نفسه، هذا هو وقت الضربة الحاسمة… -غريبٌ هذا حقاً، هل معقول أن تكون أنت ذلك الفتى المقصود بالشائعات؟! -أي شائعات -قبل خروجي للصيد، ذهبت إلى قريتنا، سمعتهم يتحدثون نقلاً عن عناصر في الفرع، أن خطأً وقع به عناصر المخابرات الجوية في أحد القرى في جبل الأكراد، حيث كانوا على وشك اعتقال فتى في السادس عشر من عمره بسبب تشابُه أسماء! رقصت عينا وليد لهذه الأخبار: معقول؟ هل هذا ممكن؟! -هل تم اعتقال أحدٍ من أقاربك بعد هربك؟ -لا، ليس لدي إلا أمي وقد ذهبت ليلاً لأطمئن عليها، راقبتها من بعيد، هي في المنزل، وكل شيءٍ كان طبيعياً! ضحك باسل: تباً يا وليد، انه انت، لابد إنه أنت المقصودُ بالشائعات، فكيف تكون أمك في المنزل وأنت هارب… تقدم منه وغمزه: أنت تعلم كما أعلم، أنهم كانوا ليعتقلوا أمك للضغط عليك للعودة. -صحيح، هل تظنني في مأمنٍ من الاعتقال؟ -حسناً، دعنا لا نتعجل، سنذهب إلى مقربةٍ من القرية، لتترصد أي شخصٍ من الأهالي، وتسأله عن الأوضاع، وسأراقبكم من بعيد، إن لاحظت وجود أي مشكلة، فعد إليّ فوراً، ولا تقلق، لا بد أن نجد حلاً. قُبيل مغيب الشمس، كان الاثنان على بعد 500 متر من القرية، بقربِ طريقٍ ترابي يستخدمه المزارعون. اختبأ باسل بين الأشجار، وذهب وليد إلى الطريق، دقائقٌ ومر اثنان من الأهالي، ما أن شاهدوا وليد من بعيد، حتى نادوا عليه بصوت مرتفع… -ها، أنت، أمك تكاد تصاب بالجنون خوفاً عليك، لمَ هربت؟ لقد كان تشابه أسماء، فلست أنت من يطاردون. Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print The Sect – Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل الحادي عشر. بائع التمر الهندي March 16, 2023March 16, 2023 سوق العنابة، واحدٌ من أشهر الأسواق الشعبية في مدينة اللاذقية، معظم تجاره وزبائنه من أبناء… Read More الفصل السادس عشر. التعدين والاستخلاص March 16, 2023March 16, 2023 رجلٌ يمضي في حال سبيله بين أزقة الشام القديم، أوقفه رجلان بلباسٍ مدني، قال أحدهم… Read More كلمة الكاتب March 16, 2023March 16, 2023 هذه روايتي المنشورة الثانية، بعد رواية اللحظة صفر، وكما حدث في سابقتها، لا أعلم من… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل الحادي عشر. بائع التمر الهندي March 16, 2023March 16, 2023 سوق العنابة، واحدٌ من أشهر الأسواق الشعبية في مدينة اللاذقية، معظم تجاره وزبائنه من أبناء… Read More
الفصل السادس عشر. التعدين والاستخلاص March 16, 2023March 16, 2023 رجلٌ يمضي في حال سبيله بين أزقة الشام القديم، أوقفه رجلان بلباسٍ مدني، قال أحدهم… Read More
كلمة الكاتب March 16, 2023March 16, 2023 هذه روايتي المنشورة الثانية، بعد رواية اللحظة صفر، وكما حدث في سابقتها، لا أعلم من… Read More