March 16, 2023March 16, 2023 الفصل السادس. البقرة كاتبة التقارير -الحمد لله، قطاف هذا العام وفير، ولدي بعض المال، فلابد من الاستثمار -ما الذي تنوين فعله؟ -سوف أشتري بقرة، أحلبها صباحاً، ويرعاها وليد بعد المدرسة، علها تعيننا على مصاعب الحياة -وهل يكفي ما لديك من مال ثمناً لها يا أم وليد؟ -لا أظن ذلك يا عزيزتي، ولكن يمكن تقسيط ما يتبقى من ثمنها على دفعات في جبال الأكراد، فطقوس شرب المتة تكاد تكون مقدسة، نبتة تستورد من أمريكا الجنوبية، أول من أدخلها هم أبناء الطائفة العلوية، واشتهروا بها، ثم سرعان ما انتشرت في سوريا كلها، وحتى خارجها أيضاً. نوعٌ من الأعشاب الورقية، توضع في قاع كأسٍ من الفخار أو الزجاج، ثم يصب فوقها الماء الفاتر، ثم يضاف ملعقةً من السكر فوق الماء، وتشرب بقصبة معدنية صُنعت خصيصاً للسماح لمنقوع المتة بالعبور منها دون الأوراق، وما أن تنتهي من شرب المنقوع، حتى تضيف الماء الفاتر من جديد، من دون استبدال الأوراق، وتبقى تعيد هذه العملية، إلى أن تطفو الأوراق على سطح الماء، معلنةً انفراط عقد تماسكها، وانتهاء صلاحيتها، لتستبدلها بأوراقٍ جديدة، وهكذا. وفي الجلسة الواحدة، قد تشرب عشراً أو عشرين كأساً منها، هذا إن كنت على عجلةٍ من أمرك، ومع هوس الرشاقة، بدأ البعض يستبدل السكر بالعسل، وبعضهم يشربها سادةً بلا سكر. في إحدى جلسات المتة الصباحية، تحدثت الأم عن نواياها الاستثمارية لجارتها، والتي شجعتها بدورها، فوليد في عامه الرابع عشر الآن، اشتد عوده، وقوي ساعده، وبات بمقدوره المشاركة في جني المال لهذه العائلة، وبالطبع هذا أفضل له وللأم، من عمله في صَنعة ما، قد يتعرض بها للإصابة أو التنمر أو الاستغلال، وبما أن بعض المال متوفر، فلمَ لا، لتشتري البقرة، فهي استثمارٌ ناجح لن يفشل، طالما أنك تطعميها، فسوف تدر لك الحليب، ولن تخذلك أبداً. في كل يوم بعد انتهاء المدرسة، يهرع وليد إلى البقرة، وعلى غير المتوقع، يبدو سعيداً جداً، فرح بهذا الضيف الجديد على العائلة، يفك وثاقها من الزريبة، ويمشي بها إلى الحقول، وكأنه دليلٌ سياحي يقود ضيفاً مهماً في جولةٍ بين الجبال والسهول. باتت بقرةً مدللة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فكل يوم كان يرعاها في حقلٍ جديد، ليريها ويرى معها تفاصيل المنطقة، والجبال، وجمالها الخلاب، ودلالها هذا ترجمته بحليب وافر، أسعد الأم، وجنى لها بعض المال الإضافي. ومع مرور الأيام، أصبح وليد خبيراً بطرق الجبال الوعرة، وبتلك الطرق المخفية بين غابات الأشجار، أصبح بمقدوره قطع المسافة بينها بوقت أسرع، بل ودون أن يلاحظه أحد، اكتشف طرق في الغابات الكثيفة لم يكتشفها أحدٌ قبله، فإن دخل بين الأشجار، صار كالشبح، لا يمكن رؤيته، أو حتى توقع المكان الذي سوف يأتي منه، زادت خبرته بحياة البرية، وطرق النجاة فيها. وطوال سنتين، تحدث للبقرة عن طموحاته وأحلامه، وبالطبع عن أبيه… شتم القائد وحزبه وطائفته وحاشيته، وفاض لسانه بغيضٍ مكبوت في قلبه منذ نعومة أظافره، بل إنه تحدث لها عن نواياه الانقلابية، وترتيباته لاستعادة سوريا من قبضتهم، وتحريض الناس على الثورة على الدكتاتور. وفي بعض الأحيان كانت تتحرك البقرة بصورة غريبة، أو تنطح الحبل، أو تهز رأسها، مما كان يعتبره علامةَ اعتراضٍ على ما يقوله، فيغير في الخطة سريعاً، بما يتناسب مع شريكة النضال والكفاح. ومن فرط ثقته بها، شاركها خطته العسكرية السرية، تلك التي رسمها ذات ليلةٍ قبل نومه، لاقتحام سجن صيدنايا وتحرير أبيه، الذي ربما ما زال على قيد الحياة. فالبقرة تسمع ولا تتكلم، والجدران لها أذان، ولكن لم يخبره أحدٌ شيء عن الأشجار. وفي ليلةٍ ربيعية هادئة، بدأت البقرة تخور كما لم تفعل من قبل -ما بها؟ قالت الأم متعجبة -لا أعلم، دعيني أذهب إليها، لعلها اشتاقت لي قال وليد ممازحاً، وبضحكةٍ لطالما أزاحت هموم الحياة عن قلبها، غادر الباب نحو الزريبة، التي لا تبعد أكثر من 50 متراً، موقعها إستراتيجيٌ تماماً، فخلف الزريبة رجمٌ من الصخور، خلفه مباشرة، منحدرٌ جبلي، ثم وداي سحيق وغابات على مد البصر. مسح بيده على رأسها: ما بك يا عزيزتي؟ ما الذي يخيفك.. لحظاتٍ، وعلت صوت مكابح سيارات مسرعة، تتوقف على باب منزلهم، ترجل منها العديد من الرجال، وبلا أي مقدمات اقتحموا الباحة. عرفهم فوراً، لا مجال للشك، إنهم عناصر المخابرات الجوية، فمن في سوريا قد يهتم لشأنه غيرهم؟! ومن يستخدم أسلوب العصابات هذا في الاعتقال والاختطاف سواهم؟ خرجت الأم مذعورة، ووقف الجيران يراقبون بفضولٍ ما يحدث، أحد العناصر دفعها بعيداً واقتحم المنزل، وأخر صرخ في وجهها، أين أبنك يا لعينة؟ تسمر وليد في مكانه، مذهولاً مما يراه، ومن هول فكرةٍ برقت في رأسه، نظر إلى البقرة، إلى عيناها مباشرة، بنظراتٍ من الذهول: تباً لك، كيف فعلتها؟ كيف علموا بما دار بيننا؟! صوت أحد العناصر ينادي ويأشر بيده نحو الزريبة، ها هو، هناك، اشحطوه…لم يكد ينتهي من كلمة “اشحطوه”، حتى أطلق الفتى لساقيه الريح، قفز باتجاه رجم الصخور، ثم اختفى عن الأنظار. ركض نحو الوادي السحيق، تتسارع دقات قلبه بجنون، تعثر أكثرَ من مرة على المنحدر، نهض وأكمل طريقه، لا يردد الا جملةً واحدة -تباً لك من بقرة، تباً لك من خائنة، نقاشة تقارير Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print The Sect – Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل الرابع والعشرون. الحلم المتجدد March 16, 2023March 16, 2023 في أحد الفنادق الرخيصة، في منطقة السلطان أحمد في مدينة إسطنبول، جلس بيبرس على كرسي… Read More الفصل الثاني. الغصن March 16, 2023March 16, 2023 عصاً رفيعة من الخيزران، تنهال عليه جلداً، يدٌ خشنة تثبته بإحكام، يلتف حول نفسه محاولاً… Read More الفصل السادس عشر. التعدين والاستخلاص March 16, 2023March 16, 2023 رجلٌ يمضي في حال سبيله بين أزقة الشام القديم، أوقفه رجلان بلباسٍ مدني، قال أحدهم… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل الرابع والعشرون. الحلم المتجدد March 16, 2023March 16, 2023 في أحد الفنادق الرخيصة، في منطقة السلطان أحمد في مدينة إسطنبول، جلس بيبرس على كرسي… Read More
الفصل الثاني. الغصن March 16, 2023March 16, 2023 عصاً رفيعة من الخيزران، تنهال عليه جلداً، يدٌ خشنة تثبته بإحكام، يلتف حول نفسه محاولاً… Read More
الفصل السادس عشر. التعدين والاستخلاص March 16, 2023March 16, 2023 رجلٌ يمضي في حال سبيله بين أزقة الشام القديم، أوقفه رجلان بلباسٍ مدني، قال أحدهم… Read More