March 16, 2023March 16, 2023 الفصل السادس عشر. التعدين والاستخلاص رجلٌ يمضي في حال سبيله بين أزقة الشام القديم، أوقفه رجلان بلباسٍ مدني، قال أحدهم متحدثاً بلهجةٍ علويةٍ واضحة. -ها أنت توقف ارتعدت أوصال الرجل، أحس بشيءٍ سيء على وشك الحدوث. تقدما منه، ودون أي كلمة أمسك أحدهم الكتاب من يده، فيما وقف الثاني مفتول العضلات خلفه مباشرة. لم يتجرأ على سؤالهم من أنتم، لعله الأمل، فلا يريد السؤال حتى لا يسمع الجواب الذي لا يتمناه. لم ينظر حتى إلى غلاف الرواية المكتوب عليها ألف ليلة وليلة، بل فتحها مباشرة، ألقى نظرةً خاطفةً عليه، ثم أغلقه من جديد، ابتسم ونظر ببرود في عيني الرجل مباشرة، ودون أن يتفوه بحرفٍ واحد، هز له برأسه أن امضِ معنا..أمسك الرجل الثاني بذراعه بقوة، وكالنعجة المساقة إلى مذبحها، مضى معهم دون أن يجادلهم حتى، دون أن يسألهم أي شيء، ودون أن يحاول الهرب، صدره يرتجف خوفاً، أغمض عينيه حين رأى الباب الجانبي للحافلة الصغيرة السوداء، بزجاجها المضلل بالأسود يُفتح، في داخله رجلان آخران، ثم فتحهما واستجمع شتات نفسه، وتسمر في مكانه، الرجل الثاني يدفعه في حين نزل الاثنان من الحافلة وتجمهروا حوله. -من أنتم؟ ماذا تريدون مني؟ -المخابرات الجوية، اصعد وإلا ……. “إلا” يا له من حرفٍ يختصر الكثير، ففي دولة التشبيح فإن “إلا” تعني أكثر كثيراً من كونها حرف استثناء، فما بعدها هو ما سيقرر طريقة العذاب وجنسه، الشبح على الدولاب، اقتلاع الأظافر، الإغراق، الدفن حياً، الصعق بالكهرباء، الجلد، الكوي بالنار، ….، أو ربما كلها مجتمعة. وعندما تسمع هذا الحرف يخرج من شفتان تنطقان اللهجة العلوية، فعليك أن تطيع، وإلا قد يكون مصيرك وخيماً. صعد الرجل في الحافلة، عصبوا عينيه ووضعوا القيود في يديه، وانطلقت في طريقها مسرعة، إلى فرع المخابرات الجوية. تباً لي، ما كان يتوجب الثقة بصاحب المكتبة، بالتأكيد هو، فالشيخ سليمان فوق الشبهات، أرسلني وهو لا يعلم شيئاً عن خيانةِ صاحب المكتبة، حدّث الرجل نفسه وهو يسمع صوت العناصر حوله في الحافلة، يتشدقون بالحديث عن أساليب التعذيب التي تنتظره. في الفرع، نال نصيبه من الضرب والاهانة والسب، إلى حين وصل إلى مكتب التحقيق. المحقق: ما اسمك -عمران -ما هو مذهبك؟ -سني -هل أنت تكفيري؟ -لا يا سيدي -ولمَ تشتري هذا الكتاب المليء بأفكار التكفير؟ -هذه رواية ألف ليلةٍ وليلة يا سيدي، ما هو وجه التكفير فيها؟ دوت لطمة على وجهه، تلاها صوت المحقق بضحكة استهزاء: أنا لا أتحدث عن الغلاف يا ملعون، بل عن الصفحات التي تحت الغلاف، الكتاب الحقيقي الذي وضع عليه غلاف مزيف، فلا تكذب. عمران: سيدي لا أعلم عما تتحدث! لقد اشتريت كتاب ألف ليلة وليلة، ولم أفتحه بعد. دوت لطمةً ثانية: يا لعين، قلت لك لا تكذب، هل تظن أننا لا نعلم شيء عن علاقتك بسليمان؟! أغمض الرجل عينيه، قُضي الأمر، انتهت حياتي لا محالة، على الأقل بشكلها الذي كان قبل برهةٍ من الزمن. لم يكن تحقيقاً، بل كميناً معداً سلفاً، وانتهى سريعاً بعد تلك اللطمة، وتم إدخاله الزنازين، استعداداً لترحيله إلى سجن صيدنايا، وهناك هو من يقرر مصيره بيديه، إما يدخل زنازين الموت، والعذاب، والجوع والعطش، التي يدخلها عامة السوريون، أو يدخل تلك الزنازين بما فيها من امتيازاتٍ خاصة، حيث سيجد كتابه المنشود وعشرات الكتب الأخرى الأكثر غلواً وتكفيراً منه، بل وسيجد معها أستاذة مختصين بها يتعلم على أيديهم، ويتعمق في أصول التكفير وضوابطه. وربما بعد بضع سنيين، يتمكن من اجتياز الاختبارات، ليصبح شيخاً من مشايخ طائفة التكفير، وسيداً من السادة، أو ربما ينتهي به المطاف عائداً إلى زنازين الموت، أو حتى في حفرة حرقٍ جماعية، ولكن مستقبله واعد، هكذا يبدو، لقد راقبه عملاء المخابرات طويلاً، فيه بذرةٌ تحتاج لمن يسقيها ويرعاها، ويتأملون أن يكون مفيداً يوماً ما. في عُرف المخابرات الجوية، تسمى هذه العملية بعملية التعدين، حيث يتم فيها البحث عمن لديهم بوادر استعداد لسلكِ مسلكٍ دينيٍ منحرف، كالغلو، والتكفير، تماماً كما يبحث المعدنين عن الذهب في باطن الأرض. ثم يتم الإيقاع بهم بكمينٍ محكم كأن يستدرجوه عبر عملائهم لشراء كتابٍ ممنوع يؤصل لهذا الفكر، وبعد إلقاء القبض عليه متلبساً، تنتهي العملية، لتبدأ مرحلتها الثانية، الاستخلاص. حيث لابد بها من استخلاص الذهب من داخله، وتنقيته من الشوائب العالقة فيه، والذهب هنا هو الفكر التكفيري المنحرف، والشوائب هو الضمير وبقايا الإنسانية فيه. لقد تعلموا هذا الدرس قبل ستةَ عشرَ عاماً، حين انتفض الشعب السوري في وجوههم، ثورة حماة، ورغم قلة البيانات الموجودة بين عامة الناس ووسائل الإعلام عن تلك الثورة، نتيجة الطوق من السرية الذي تم فرضه على ما حدث، إلا أن بعض الشهادات، والروايات، وجدت سبيلها إلى العلن. تحدثت القصص عن فضائعٍ ارتكبها النظام في حقِ الشعب السوري، لا يمكن لبشرٍ تخيلها، وتشوهت صورة هذا النظام في نظر المجتمع الدولي، هذا فقط من الفتات، فماذا سيحدث إن تكررت هذه الحادثة مرة أخرى، فهل يمكنهم عندها إخفاء الحقيقة؟! ليس هذا فقط أكثرُ ما يقلقهم، فإن أصواتاً داخل الطائفة العلوية نفسها، أبدت انزعاجاً، وخوفاً، من مغبة هذه المجازر، التي قد تفتح عليهم بابٌ من انتقام لن يُغلق إلا وقد فنيت طائفتهم كلها عن الوجود. فهم يعيشون في هذه الأرض منذ أكثرَ من ألفِ عام دون أن يمسهم أحدٌ بأذى، وهذه الحادثة هي الأولى من نوعها، التي تتورط بها الطائفة في مجزرةٍ جماعية بهذا الحجم، بشكل مباشر، لا متسترة خلف استعمار، ولا ستار. فكان لا بد من حلٍ جذري.. حلٌ يجعل من أي ثورةٍ قادمة مصدرُ رعبٍ للشعب السوري، وللمجتمع الدولي حلٌ يسمح لهم تكرار ما فعلوه في حماة، بلا حسيبٍ ولا رقيب Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print The Sect – Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل الثاني عشر. استراتيجية التوريط March 16, 2023March 16, 2023 لم يعتد عقل باسل على هذه الألغاز، وضع سماعة الهاتف على الطاولة بعد أن استأذن… Read More الفصل التاسع عشر. التجنيد March 16, 2023March 16, 2023 -كيف هي علاقتك مع وليد الآن؟ -جيدة يا سيدي، ألتقيه كلَ أسبوعٍ تقريباً، منذ أشهر،… Read More الفصل التاسع. المنزل الآمن March 16, 2023March 16, 2023 في حي أبو رمانة الراقي في دمشق، بيتٌ كبيرٌ مستقلٌ من طابقين، سوره العالي جعل… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل الثاني عشر. استراتيجية التوريط March 16, 2023March 16, 2023 لم يعتد عقل باسل على هذه الألغاز، وضع سماعة الهاتف على الطاولة بعد أن استأذن… Read More
الفصل التاسع عشر. التجنيد March 16, 2023March 16, 2023 -كيف هي علاقتك مع وليد الآن؟ -جيدة يا سيدي، ألتقيه كلَ أسبوعٍ تقريباً، منذ أشهر،… Read More
الفصل التاسع. المنزل الآمن March 16, 2023March 16, 2023 في حي أبو رمانة الراقي في دمشق، بيتٌ كبيرٌ مستقلٌ من طابقين، سوره العالي جعل… Read More