March 16, 2023March 16, 2023 الفصل العشرون. الطائفة النقية مات الجلاد، مات حافظ الأسد، فالموت مصير محتوم، يغفل عنه كل المجرمون حتى يأتيهم بغتةً، ليذكرهم ومن خلفهم، أنهم مجردُ بشر، ينامون، يأكلون، يشربون، ويموتون. وبالطبع يتكاثرون، فقد ترك الجلاد خلفه جلاداً أخر، ابنه بشار الأسد، الذي تزعم سوريا عقب موت أبيه عام 2000م. أربعة سنوات مرت على كاتب التقارير، مخلصٌ في عمله، سعيدُ به، وبحياته، غرق خلالها أكثر في شهوةِ القوة والنفوذ، ولذة الليالي الحمراء، وملاهي الرقص والكثير من النساء، بات في العشرين من عمره، طالباً في جامعة تشرين، تخصص الصحافة والإعلام، ذا نفوذٍ وقوةٍ لا يعلم أحدٌ مصدرها، ورغم اجتهاده، في كتابة التقارير، إلا أن باسل لم يضطر يوماً لتهديدِ أستاذٍ جامعيٍ لإجباره على منحه علامة الامتياز! فهو صاحبُ كاريزما، سلطة، وقوة، شك جميع أساتذته بوجود شيءٍ غامضٍ حوله، وهذه وحدها كافية لأن يحصل على علامة الامتياز، وينتظره مستقبلٌ واعدٌ في الإعلام. فهنا، يكفي أن تحاكي أسلوب حياة الأشخاص المهمين، لتصبح منهم.. الغموض، التحدث قليلاً، النظر للأخرين بازدراء، التكبر والتعجرف على الجميع، كلها تقول إنك شخصٌ ذو أهمية، حتى لو لم تكن كذلك، فإن نجحت في رسمِ هذه الهالة حولك، سيحترمك الجميع، ويهابونك، بما فيهم الأساتذة، وذلك من بابِ عدم المجازفة، فمن ذا الذي يريد أن يزعج شخصاً يبدو ذو أهمية، ويخاطر بإساءة التقدير، ليظهر العكس الذي سيكلفه الكثير. وشخصٌ مهم لا تعني مهماً بذاته، بل ربما أباه، أو ابن عمه، أو قريبه من جده الخامس، أو حتى قريبُ رجلٍ غني ذو نفوذ. وبالطبع، وليد لديه ورقةٌ رابحة، تجعل هالته استثنائية، وواقعية أكثر، لهجته، فقرى جبل الأكراد الحدودية مع جبال العلوية، يتقن أهلها تماماً اللهجة العلوية، ويمكنهم التحدث بها بطلاقة، ويعرفون أسلوب حياتهم، وبعض معتقداتهم العامة، وأسماء قراهم، ولن يتمكن أي سوريٍ أخر من اكتشافهم، فإن أرادوا أن يبدو كالعلوية، فلن يمنعهم شيء. لعل اللهجة العلوية وحدها، كافية لينال أعلى الدرجات في الجامعة، وليتودد له أستاذته أحياناً، ويتوقف الجميع عن السؤال عن أي شيءٍ حوله. أما هو، فسؤالٌ واحدٌ توقف منذ زمن عن البحث عن إجابته، أين أبي؟ فقد سأم الجواب المعتاد، لا أحد يعلم، علاقاتنا غير كافية، نحاولُ بلا فائدة. رغم أن باسل يراقب بصورةٍ دوريةٍ منتظمة، فقد انتقل إلى المزرعة، بات مشرفاً على إدارة المساجين في بعض العنابر، وبالطبع راقب الأب بشكل خاص، وأولاه اهتماماً بالغاً، وكم زادت سعادته وهو يراه يزداد شراً وكرهاً، لجميع البشر، حتى بات الأمير والقائد الشيخ الخالد للجماعة، أو الطائفة، أو التنظيم، سمه كما تشاء. ولدعمه كان لابد له أن يعلم أسراراً لا يعلمها الجميع، ويفعل أموراً لا يستطيع غيره فعلها، فتم استدعاء الأب عند كل مشكلة تحدث في العنابر، وكل صدامٍ أو تمردٍ من المساجين على وضع ما، بصفته شيخ العنابر، وكبيرَ القوم، وسيدهم، لتتفاوض إدارة السجن معه، وتتفق على سبلِ إنهاء الخلاف والنزاع القائم، ليعود الأمن والاستقرار إلى مجتمعهم المصغر. والشيخ حكيمٌ، داهية، فلم يعد يوماً من الاجتماع إلا وقد حقق مكاسبَ كبيرة، وامتيازاتٍ جديدة للعنابر وقاطنيها، أو هكذا أراد مشرفو المزرعة أن يبدو، فقدموا له كل ما طلبه، ليعود القائد منتصراً بعد جولته تلك، ويعلو شأنه أكثر وأكثر. أما الأسرار، فكانت تأتيه على شكل تأثر بعض السجانين بأفكاره، يريدون طريق الإله، الذي لا يعرفه إلا الشيخ القائد، فيسربون له بعض الأخبار من حينٍ إلى أخر، انتبه يا زعيم، ستحدث مداهمةً على العنبر رقم كذا، في يوم كذا، لتفتيشٍ مفاجئ. يا له من داهية!! قال الأتباع، لقد تمكن من استقطاب عدٍد من جنود النظام نفسه، وجندهم للعمل لصالحنا، ليقوموا بتنبيهنا وتلبيةِ طلباتنا. وبالطبع، أحد أهم هذه الطلبات، هي الكتب المنحرفة، التي تؤسس لطوائفٍ دينيةٍ لا تمت بصلةٍ للدين، القديم منها والجديد، التي تقتل فيهم أكثر بقايا إنسانيتهم، وتنمي بذرة الغلو والتطرف فيهم، فكان يحميها من خلال معرفة أوقات المداهمات المفاجئة للتفتيش، ويطلب غيرها ليحضرها له أتباعه من السجانين. وهذا كله والأب مقتنعٌ تماماً، أنه مباركٌ من الإله، له رهبةٌ في نفوس الجميع، لا يمكن لأحدٍ الوقوف في وجهه، متجاهلاً، متناسياً، أنه مجردُ سجين، في سجن، في أكثر دول العالم قمعاً للحريات، لا يملك من أمره شيئاً، إلا برغبة السجان. أتباعه باتوا يرونه كذلك، بات شيخَ الطائفة، الذي يعلم ما لا يعلموه، ويرى ما لا يروه، ويسمع ما لا يسمعوه، لابد من طاعته، وإتباع أوامره، بلا نقاشٍ، ولا جدال. انتدب مجلسَ شورى خاصاً لطائفته، فهو يقدس الآراء، ويعلم أهمية المشاركة وتبادل الأفكار، وليكون المجلسُ على قدرٍ من المسؤولية، والحِكمة، والقدرة على التعامل مع الأحداث، اختار جميع اعضائه بنفسه، من أفضل اتباعه، وأكثرهم طاعة، وخضوعاً، وتأثراً به. أما الطائفة فلا بد أن تكون نقية، جماعةٌ واحدة خاليةً من الشوائب، طرد منها من يراه غير آهلاً ليكون بها، واستقطب لها من يراه مؤهلاً لهذا الشرف العظيم. تهافت المساجين من جميع العنابر إليه، ومن نال هذا الشرف فقد اصطفاه الله. وفي مرحلةٍ ما، لا يعد السجين يتذكر، هل أراد الانتساب لها لما لديها من امتيازات، ومأكولاتٍ، ومشروبات، لا يجدها في أي عنابر أخرى! أم أنه حقاً أراد إتباع فكرها؟! فما هو مهمٌ أن هذه الطائفة، لديها زعيم، ولديها مجلس شورى، قادرٌ على إحداث الفوضى في السجن متى أراد، في سبيل المزيد من الامتيازات. وبطريقةٍ ما فإن السجانون يهابون أتباعها، ويخافون منهم، وبشكل خاص ذلك القائد، ويريدون تلبية أية طلباتٍ لهم في سبيل ارضائهم. طائفتهم تمددت، وتوسعت، إلى خارج السجن، فقد كتب الشيخ القائد الكتب، المليئة بأفكاره، واستغل أتباعه من السجانين لتهريبها إلى العالم الخارجي، لتجد طريقها بسلامٍ إلى بعض المكتبات، التي يديرها أتباعٍ له، يوزعونها خفيةً، لمن يأتيهم طالباً لها، والذي لابد أن يكون لديه تزكيةً من شخصٍ ما، وكلمةَ سرٍ متفقٍ عليها سلفاً. وإحدى هذه المكتبات، تقع في زاويةٍ صغيرة في سوق الحميدية، وواحد من كتبها غُلف بغلافٍ كُتب عليه، ألف ليلة وليلة، وواحد من أهم أدواته خارج السجن، الشيخ سليمان، كان سجاناً وجلاداً يوما، قبل أن يجدَ درب الحق والخلاص، الذي حرره من عبودية الحزب والسيد الرئيس، إلى عبودية الطائفة والشيخ القائد، جنده للعمل لصالحه، وبات السجان شيخاً من شيوخهم، يده وعينه خارج السجن. أحكم فريق المزرعة قبضته على الطائفة… فهذه العنابر بحكم اللا موجودة، كان لديهم الكثير من الوقت، لتجربة الكثير من الأفكار، بلا مضايقاتٍ حقوقية، ولا محاكمات، ولا أمل للمساجين بالخلاص. عام 2003م، سقط النظام العراقي بقيادة صدام حسين على إثر الاحتلال الأمريكي للعراق، المنطقة تشتعل، وسوريا في بؤرة الإعصار وكذلك إيران. حركاتُ مقاومةٍ متعددة، كلها من أبناء الطائفة السنية في العراق، تقاتل المحتل، جميع دول الجوار يبحثون عن موضعِ قدمٍ لهم هناك، سوريا قلقةٌ من امتداد الأحداث لها، وزعزعة استقرارها، وإيران تدعمها وتراها حليفاً إستراتيجياً لا يمكنُ المخاطرةُ به. لا يمكنهم انتظار النتائج، فلا أحدَ يعلم شكل النظام الجديد الذي سيغدو عليه الحال إن تمكنت المقاومة العراقية السنية من فرض نفسها على الأرض، وحتى إن تمكن الأمريكان من فرض سيطرتهم الكاملة والقضاء على جميع حركات المقاومة. فالقادم مبهم، والجلوس وترك الساحة لخيارين لا ثالثَ لهما، مهلكةً للنظام السوري. فالخيار الأول هو انتصار المقاومة، وولادة نظامٍ سنيٍ جديد غير نظام صدام حسين، لا يُعرف شكله وطبيعته، والذي قد يكون معادياً لها يهدد مصالحها واستقرارها. والثاني، إحكام أمريكا سيطرتها على العراق، وعندها فلا يعلم إلا الله ما تنوي فعله لاحقاً. لا بد من التدخل، وإيجاد موضعِ قدمٍ لهم هناك، ولخبطة الأوراق. أما الخطة معدةً وجاهزةً سلفاً، فرغم أن المزرعة تم العمل عليها لسنواتٍ من أجل استخدامها داخلياً في حالةِ نشوب ثورةٍ جديدة على النظام، إلا أن الوضع في العراق، بات يستدعي استخدام هذه الورقة. فتح النظام أبواب سجونه لبعض التكفيرين، وأطلق سراحهم، وفتح أبواب الحدود مع العراق على مصراعيها، لينتقل كل من خرج من صيدنايا إلى هناك، وأتباع الطائفة في كل مكان. أما الشيخ القائد، فقد أدار العملية من مهجعه في السجن، بواسطة أدواته، وأهمها الشيخ سليمان، الذي استقبل الخارجين، وأرسلهم فوراً إلى العراق، وهناك، شيخٌ أخر، يستقبلهم وينظمهم في معسكراتٍ، لتأسيس أولِ جماعةٍ مسلحة تتبع للطائفة النقية، ستكون موضعَ قدمٍ للنظام السوري، يلخبط بها الأوراق، ويحاول من خلالها فرضَ خيارٍ ثالث، يخدمه ويخدم مصالحه. وسرعان ما وجدت أمريكا نفسها، مُطالِبةً بعقد تفاهمات واتصالات مع النظام السوري والإيراني بما يخص الشأن العراقي. فوجودهم أصبح واقعاً لا مناصَ منه، ليس فقط من خلال الطائفة الشيعية الكبيرة المتواجدة في العراق، بل من خلال جماعةٍ سنية كذلك، تعتبر الأكثر تطرفاً، تمكنت من فرض نفسها على الأرض من خلال تمويلها بالكثير من الأموال، ومدها بالسلاح، وأتباعٌ لا رحمةً ولا إنسانيةً فيهم، يبيحون لأنفسهم فعل كل شيء، في سبيل توسع جماعتهم، وسيطرتها على المشهد. هذه الجماعة، جعلت الشارع العراقي، نسخةً كربونيةً مكبرة عن سجن صيدنايا، وسرعان ما بدأت الطائفة بتكفير الشعب كله، بما فيهم الشعب السني، وباقي المجموعات المسلحة المقاتلة للمحتل، وقاتلتهم، وأنهت وجود الجميع، لتكون المجموعة المسلحة الوحيدة التي تقاوم الاحتلال… بعد ثلاثةِ أعومٍ من الاحتلال الأمريكي للعراق، كانت المقاومة العراقية قد انتهت بالكامل، ليس على يد الجيش الأمريكي، بل على يد الجماعة الواحدة، والطائفة النقية، والتي سرعان ما انحسرت وتقوقعت على نفسها، استعدادا لمواجهةٍ جديدة، مع كل من يتجرأ من أبناء الطائفة السنية على تحدي نفوذها، وملكوتها، الذي لم يعد له وجودٌ إلا عبر الإعلام، والإنترنت، وعمليات الاغتيال. طائفةٌ تكن الولاء لفكر الشيخ القائد، وتُدار من مهجعٍ صغيرٍ في سجن صيدنايا. وتحت ذريعة الوضع الأمني الخاص بالقائد، لا يمكنه الظهور إعلامياً، لا بالصوت ولا الصورة، ومكان وجوده معلومٌ فقط لثلاثةٍ من قيادات الصف الأول، أحدهم الشيخ سليمان بالطبع، الذين يرفضون التحدث عن مكانه، حتى لا تطاله يد الأعداء. أصبح الشيخ القائد في سردابٍ لا يعرف أحدٌ له عنوان، إلا الثلاثة، وتواصله مع العالم يتم من خلال رسائلٍ يكتبها وتنشرها الجماعة عبر الإنترنت، وإن ظهر لسببٍ ما بصوته، يتم تشويش الصوت لعدم التعرف عليه. والتواصل بينه وبين الشيخ سليمان، يتم من خلال سجانين، يتبعون فكره بالطبع. وهذا كله تحت إشرافٍ مباشر، من فريق المزرعة، وواحدٌ من أمهر الضباط، أو بات هكذا مؤخراً. المقدم باسل Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print The Sect – Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل السادس. البقرة كاتبة التقارير March 16, 2023March 16, 2023 -الحمد لله، قطاف هذا العام وفير، ولدي بعض المال، فلابد من الاستثمار -ما الذي تنوين… Read More الفصل الحادي عشر. بائع التمر الهندي March 16, 2023March 16, 2023 سوق العنابة، واحدٌ من أشهر الأسواق الشعبية في مدينة اللاذقية، معظم تجاره وزبائنه من أبناء… Read More الفصل السابع. مهمة اعتقال March 16, 2023March 16, 2023 في مبنى فرع المخابرات الجوية في اللاذقية، أغلق الرائد باسل سماعةَ الهاتف، أمسك هاتفاً أخر،… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل السادس. البقرة كاتبة التقارير March 16, 2023March 16, 2023 -الحمد لله، قطاف هذا العام وفير، ولدي بعض المال، فلابد من الاستثمار -ما الذي تنوين… Read More
الفصل الحادي عشر. بائع التمر الهندي March 16, 2023March 16, 2023 سوق العنابة، واحدٌ من أشهر الأسواق الشعبية في مدينة اللاذقية، معظم تجاره وزبائنه من أبناء… Read More
الفصل السابع. مهمة اعتقال March 16, 2023March 16, 2023 في مبنى فرع المخابرات الجوية في اللاذقية، أغلق الرائد باسل سماعةَ الهاتف، أمسك هاتفاً أخر،… Read More