March 16, 2023March 16, 2023 المقدمة كثيرٌ من القُراء يتجاهلون مقدمة أي روايةٍ أو كتاب، ومن أهم الأسباب التي تدفعهم لذلك هو السرد والتكرار، ومحاولة الكاتب تلخيصَ أفكار الرواية كلها في عددٍ من الصفحات مع الحفاظ على التشويق في محتواها، مما يتسبب بحالة من الضياع الفكري التام بين الكلمات. ورغم أن كثير من مقدمات الكتب التي تجاوزوها تستحق منهم وقتاً كافياً لقراءتها بتمعن، إلا ان هذه القناعة قد غلبتهم، ففاتهم الكثير. وبالنسبة لي، فإن أجمل ما قيل في أراء قُراء رواية اللحظة صفر، قول كثير منهم، “هذه أول مرة في حياتي أقرأ المقدمة كاملة”، بل وبعضهم قال، قرأتها أكثرَ من مرة. برأيي فإن السبب هو الصدق، فإن مشاعر الكاتب تنتقل بطريقة ما عبر الأحرف أثناء كتابته للكلمات، نعم هي تنتقل بالمعنى الحرفي، فكلمة قبل أخرى قد تقلب الموازين، وتجعل القارئ يقلب الصفحة متجاوزاً إياها، فحرصت على أن يكون أول ما أكتبه دائماً، هو المقدمة، مع جهلي التام بمَ ستكون عليه الرواية وأحداثها، وبلا تعديلات جوهرية لاحقة. فإن كنت ستقرأ المقدمة، فأنت تقرأ معها مشاعري في ذات اللحظة الزمنية التي أنت بها، لا فرق بيننا، ففي حين كتابة هذه الكلمات، فإنني أجهل تماماً كما تجهل أنت أحداث الرواية. -لذا يا عزيزي لا تتجاوز الكلمات التالية المختصرة، حاول ألا تفعل- حسناً، ربما أنت لم تقرأ مقدمة رواية اللحظة صفر، ولكنك بت تقول، لعلي أنا الوحيد الذي لم يفعل، أو أني من القلة الذين لم يفعلون، صحيح؟ وربما تسأل صديقاً قرأ الرواية، فيقول، وأنا كذلك تجاوزت المقدمة، وعندها ستقول، ربما فقط نحن الاثنان لم نقرأها، أو لعل هذا الروائي المغمور، يكذب ببساطة. بينما يبقى من السهل جداً التيقن من صدق الأمر، في حال سؤال عددٍ أكبر من القُراء. ولكن ماذا لو أخبرتك الآن، أن تلك المقدمة، فيها شيفرة سرية، من السهل حلها مع بعض التركيز، وبعضهم قد يحلها من باب الصدفة. شيفرة من ذاك النوع الذي إن فككت كلماتها، أو أخذت أول حرفٍ من كل كلمة ثم أدخلته في عملية ما، أو جمعت عدد الأحرف وقسمته على عدد الصفحات، وأمورٍ كهذه، في النهاية ستكتشف “كوداً خاصاً”، ذُكر مثال عليه في الرواية نفسها، وإن حللته فستعرف سراً خطيراً جداً، لا يعرفه إلا عدداً محدوداً من البشر في هذا العالم. وخطورة هذا السر، غير عادية، من يعرفه فلن تكون حياته بعده كما كانت سابقه، وإن فُضح أمرُ معرفته له، فستطارده جهةٌ ما، للتخلص منه، ربما ذلك المقر السري الذي تمت الإشارة إليه باسم المقر ألفا في مالطا. هل بدأت تفكر بصدقِ جواب صديقك الذي قال لك قبل قليل أنه لم يقرأها؟ اوه، صحيح، لعله قرأها وعرف السر، ولكنه يكذب، ربما غيرَ واثقٍ بي. وهو كذلك، قد يظن أنك قرأتها، ولكنك تكذب، وأنك غير واثقٍ به. فالآن اختلف الأمر، فقد بات هناك تبعات وعواقب تترتب على قراءة مقدمة الرواية التي تورطتم في قراءتها سلفاً، ورغم أنكم قد تكونوا تجاهلتم المقدمة، ولا تعلموا أي أسرار، ولم تكتشفوا أي شيفرات، إلا أن هذه اللعنة قد حلت عليكم وانتهى. فلو كنتم تعيشون في بلدٍ ونظامٍ قمعي، لا يحب الكثيرُ من القيل والقال، ولا يحب إزعاج نفسه بالبحث والتحري، وجلسات التحقيق والمراقبة الروتينية المملة لأي نظام دكتاتوري يسعى للإنجاز والارتقاء بالبلد والمواطن دون أن يشغلَ نفسه في أمورٍ جانبيةٍ صغيرة، فسيعتقلكم جميعاً، من يعرف السر ومن لا يعرفه، من قرأ المقدمة ومن لم يقرأها، سيعتقلكم على الهوية، والهوية هنا هي قراءة تلك الرواية، أو حتى اقتناءها. الآن بات كلاكما تخشان عواقبَ هذه المعرفة، فإن تسرب خبر كون أحدٍ ما أصبح جزء منها، فقد يقع في وضعٍ لا يحمد عقباه، ولهذا لن يثق أحدكم بالأخر، ومع أنكم قد لا تكونوا قرأتم المقدمة حقاً، إلا أن أياً منكم لن يصدق الثاني، وسيظن أن صاحبه يكذب. يا صديقي، مبروك.. لقد أنهيت لتوك درسك الأول في فنون توظيف الجماعات، والطوائف، بل والمجتمعات. درسك الأول، في طريق لعله أقصر مما تتوقع، في السبل العملية لصناعة القطيع الوظيفي، بعيداً عن الفلسفة والتعقيد، وبعيداً عن دهاليز المصطلحات الرنانة. لحظة، قبل أن أنتهي، أود التأكيد على أن ما كتبته عن مقدمة رواية اللحظة صفر، صحيحٌ تماماً. ولقد صدقت فيما قلته أن كثيرين قالوا إنهم قرأوا المقدمة، وبعضهم أكثرَ من مرة. فعد واقرأها إن لم تفعل، لا تتجاوزها يا عزيزي 🙂 هل تسأل نفسك الآن، ماذا يقصد بقوله “صحيحٌ تماماً”، هل يقصد ما كتبه عن الشيفرة، أم ما كتبه عن قُراء المقدمة؟! لمَ لم يوضح؟ هي واضحة بالنسبة له بالتأكيد، ولكنها غير مفهومة، تحمل وجهان، فربما يقصد هذا وربما ذاك!! تباً له، لو لم يضع النقطة بعد قوله “صحيحٌ تماماً” ثم تبعها بكتابة “فلقد” بدلاً من “ولقد”، لكانت الجملة متصلة، ولكانت هكذا، “صحيح تماماً فلقد صدقت فيما قلته”، وعندها فالمعنى واضح، فهو يقصد قراءة الناس للمقدمة، وليس الشيفرة! اوه، مبروك.. لقد تعلمت للتو درسك الثاني، فالجمل حمالة الأوجه، تلك التي يمكن فهمها بأكثر من طريقة، أخطر كثيراً مما تتخيله، وخطورتها تكمن في أن كل طرفٍ سيفهمها على هواه، فإن لبيت فيها حاجة لطرفان متنازعان، فسيفهم كل منهما ما يناسب غايته، وسيكون القائل دوماً صديقاً مخلصاً للاثنين. وعندما تسوء الأحوال، ويعاتبه أحدهم، لمَ قلت هذا، سيكون جوابه أن العيب ليس فيما قاله، بل في سوء فهمه له. لذلك عليك أن تتعلم درسك الثالث، لا تتبرع من تلقاء نفسك في فهم جملة حمالة أوجه، بل ضع قائلها امام الأمر الواقع، وضح، ثم وضح، ثم وضح، او اغرب عن وجهي، ولا تتلاعب بعقلي. يمكنني التوقف هنا، ولكني أود أن أضيف أن المجنون داخلي، مهووسٌ كفاية في هذا الوقت بكتابة القصص، ولكنه عبر دهرٍ من الزمن، كان مهووسٌ بغيرها، ولعله كان مهووساً بمعرفة الأسرار، من يعلم؟! ورغم ذلك سأوضح، فما كنت أقصده هو قُراء الرواية، وليس الشيفرة، فالشيفرة ضربٌ من الخيال، لا وجودَ لها في المقدمة، فما هي إلا وهم، وخيالاتِ حالم. أتمنى بصدق أن تكون قد صدقتني، فأنا لم أخفى أي شيفراتٍ ولا أسرار.. رغم أنك غالباً لم تفعل، أو ما زالت الفكرة تدغدغ مشاعرك 🙂 مبروك.. لقد تعلمت درسك الرابع، والأهم، والأخطر.. فإن تم حقنك بفكرةٍ ما، ووضعت في رأسك، فلن يتم إزالتها بسهولة، خصوصاً إن أحببتها، حتى إن قام الفاعل نفسه بنفيها. فالفكرة ليست قطعةً نقدية يمكن سحبها من بين يديك، وليست منزلاً يمكن مصادرته، ولا سيارةً يمكن سرقتها. فيا عزيزي، إن قررت يوماً ما، أن تزرع فكرة في عقل شخص ما، فانتبه جيداً لئلا تنقلب عليك تبعاتها، لأنه لن يكون بمقدورك إيقافها. أخيراً، أقول بصدق، ما قصدته هو قُراء الرواية، فلا وجود لأي أسرارٍ في المقدمة… نعم، أقسم على ذلك، لا وجود لأي أسرارٍ…… في المقدمة. Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print The Sect – Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الإهداء March 16, 2023March 16, 2023 إلى جميع قُراء رواية اللحظة صفر، لأجل كل كلمة جميلة سمعتها، وكل دعم تلقيته، وكل… Read More الفصل الرابع عشر. إستراتيجية الاستحمار March 16, 2023March 16, 2023 سوق الحميدية، أشهرُ أسواقِ دمشق والشرقِ كله على الاطلاق، يقعُ في قلبِ دمشق القديمة، بناءٌ… Read More الفصل الثاني والعشرون. التجنيد العكسي March 16, 2023March 16, 2023 الرسالة لا تحتوي إلا على رابطٍ إلكتروني، بلا تردد ضغط على العنوان. ظهرت صفحةٌ إلكترونية… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الإهداء March 16, 2023March 16, 2023 إلى جميع قُراء رواية اللحظة صفر، لأجل كل كلمة جميلة سمعتها، وكل دعم تلقيته، وكل… Read More
الفصل الرابع عشر. إستراتيجية الاستحمار March 16, 2023March 16, 2023 سوق الحميدية، أشهرُ أسواقِ دمشق والشرقِ كله على الاطلاق، يقعُ في قلبِ دمشق القديمة، بناءٌ… Read More
الفصل الثاني والعشرون. التجنيد العكسي March 16, 2023March 16, 2023 الرسالة لا تحتوي إلا على رابطٍ إلكتروني، بلا تردد ضغط على العنوان. ظهرت صفحةٌ إلكترونية… Read More