April 26, 2023April 29, 2023 الفصل الأول. الفرن تسمرت زينب في مكانها خائفةً ترتجف من هول ما تراه عيناها، ترتجف جسدها ينتفض، كأن مسّاً شيطانيّاً اجتاحها، شيءٌ يسري داخلها، احمرّت عيناها، تفجرّت عروقُ وجهها. الموقع جنوبُ مِصرَ، مركز مدينة “البداري” على ضفافِ نهر النيل، ما بين محافظتي أسيوط وسوهاج، حيث ضربت مصر القديمة جذورها في التاريخ، الذي لن ينساها مهما طال الزمان، حضارة الفراعنة كانت ها هنا، يقول أهلها: إن من بينهم نسل الفراعنة المتبقين على وجه البسيطة، إشاعات يتداولها الناس، عن مجلسٍ سري من الحكماء، يعلمون سراً لا يعلمه أحدٌ غيرهم، يتوارثونه عبر الأجيال، جيلٌ يسلم جيل، سر الدفينة، حيث تقع أسرار مصر القديمة كلها، أو هكذا يدّعون. أسيوط، كان يطلق عليها اسم “سوت” المشتق من كلمة “سأوت” وتعني “حارس” باللغة الهيروغليفية، أي حارس الحدود لمصرَ العليا عندما انضمت إلى “طيبة” عاصمة البلاد في نضالها ضد الهكسوس الغزاة. أما مركز البداري، أو مدينة البداري، فهو أحد مراكز محافظة أسيوط وأكبرها مساحة، يضم ستّة وثلاثين قرية، وموطنُ واحدةٍ من أقدم حضارات التاريخ، حضارة البداري 3200 قبل الميلاد، والتي تعتبر أولَ دليلٍ على نمو الزراعة في مصر وشمال أفريقيا، منذ 7000 عام. آمن قدماء البدارين بالبعث (الحياةُ الثانية بعد الموت)، دفنوا موتاهم في الصحراء ورأس الميت في اتجاه الجنوب، ينظر إلى الغرب، ملفوفاَ بالحصير، تصحبه حيواناته الأليفة، أو تماثيلٌ لحيواناتٍ أو نساءٍ أو طيور. بعد دخول الديانات السماوية إلى أرض مصر، اندثرت تلك الخزعبلات القديمة، أو على الأقل بصورتها المباشرة فالعادات والتقاليد تبقى دوماً سبيلَ الخزعبلات للتحاليل والبقاء. توارث بعض البدارين عادات أجدادهم القدماء، من لا يستحق البعث يستحق الفناء، والأرواح الشريرة لا بد أن تفنى للأبد. العام 1910 للميلاد صبيةٌ يافعة في العاشرةِ من عمرها، ترتجف خوفاً، أحاط بها رجالٌ بلباس أهل جنوب مصر “الصعيد” التقليدي، ملامحهم قاسية، ترعد حناجرهم تزبد أفواههم بغضب يرددون كلماتٍ مرعبةً ” الملعونة ” تخلصوا منها! لم تهتز شواربهم الغليظة، ولا لحاهم، وهم يجبرون طفلةً في العاشرةِ من عمرها، على رؤية أختها ورفيقة صباها، بالكاد تكبرها ببضعة أعوام، يمسكها الأب بقوة، يثبتها من كتفيها، تصرخ بأعلى صوتها، تبكي رعباً خوفاً، أمام فرنٍ طينيٍ قديم، ببابٍ حديديٍ أسود، يُغلق ويوضع عليه قضيبٌ من الحديد، يستحيل فتحه إلا من الخارج. ارتجفت زينب جسدها ينتفض كأن مساً شيطانياً اجتاحها، شيءٌ يسري داخلها، احمرّت عيناها، تفجّرت عروق وجهها وهي ترى أختها فاطمة تُرمى داخل الفرن حية، ويُغلق الباب. تعالت صرخاتها، تحترق ببطء، تتلوى داخل الفرن، تقرع الباب الحديد من الداخل، تتوسل تتألم ثم خيم صمتٌ مهيب، تبعه هبت ريحٍ قوية، طيور تطير متخبطة في كل اتجاه ثم دوت من الفرن صرخةٌ أخيرة، وصل صداها مقابر قدماء البدارين، ثم صمتت الفتاة للأبد. لا تسلمي نفسك للشيطان، إياك أن ينال منكِ، حتى لا يكون مصيرك كمصيرها، لقد بقي هذا السر دفيناً عبر آلاف السنين، ولن يفضحه شيءٌ بعد اليوم، ولا بعد الآلاف منها. ليلةٌ تتلو ليلة، حرصت الأم على تذكير زينب بالمصير المحتوم، إن ظهر عليها تلك العلامات، التي لا يعلمها ولا يراها إلا حكماء الطائفة، العالمون بخفايا وأسرار مدافن القدماء فيقررون من يحيا ومن يموت. خطيئة فاطمة، أنها رفضت، قررت التمرد، فتاة في الرابعة عشر من عمرها، قادها حظها العاثر وجمالها إلى أن يشتهيها عجوزٌ في السبعين من عمره. قالت: لا لن أتزوج هذا العجوز، حتى إن كان من الحكماء. أجبروها على الزواج وفي ليلة الزفاف هربت لساعاتٍ فقط، قبل أن تعود مقيدة بالحبال. ثم يرى بها الشيخ الحكيم علاماتُ لعنة توارثتها الأجيال، روح شريرة تسكنها، تجرأت على الرفض والهرب، لعنةٌ لا بد من حرقها فالشيطان قد يفضح أسرار المقابر على لسانها. احترقت الفتاة، وانطفأت النار عن عظامها، ولم تنطفئ شهوة العجوز، لا بد من إشباعها، وتعويضه عن تلك الملعونة، من ذا الذي قد يحل محلها إلا أختها زينب! طفلةٌ في العاشرة، ينقصها الشجاعة للهرب، لكن شيئاً تغير في ذلك اليوم، كأن هالةَ مع تلك الصرخة غادرت جسد أختها لتسكن روحها، باتت قوية على غير المعتاد، شيءٌ في داخلها يدفعها للتمرد، اتخذت القرار، استجمعت كل قوتها، وفي ليلة الزفاف، أطلقت لساقيها الريح. ركضت طوال الليلة بلا هدى، تطاردها المشاعل والعار يطاردها الفرن، وفي الصباح وجدت نفسها مغشياً عليها بجوار ساقيةَ ماءٍ صغيرة. فتحت عينيها على يد تمسح وجهها بالماء، ما أن انقشعت الغشاوة عنهما، حتى تراءى لها وجهٌ مستدير كالقمر، شعر بني عينان زرقاوان ناصع كالثلج، شابٌ يافع بالكاد أتم السابعة عشر من عمره، ليس من هذه البلاد، رغم أنه تحدث بلهجةٍ مصريةٍ مدنية واضحة، ما بك يا فتاة! من أين أتيتي؟ تلعثمت قلبها خفق بقوة، تذكرت من هي؟ ومن أين أتت، قفزت برعب، تتلفت حولها خوفاً. فهم الشاب في الحال، هاربةٌ بالتأكيد، وفي هذه القرى لا تهرب الفتيات إلا من الموت إلى الموت غالباً. حملها أسرع بها إلى داخل حنطور الخيل، سلةٌ كبيرة مليئةٌ بالتمر، أفرغها ووضع الفتاة داخلها، انطلق مسرعاً هارباً بها بعيداً. شابٌ من أصولٍ تركية، من نسل أمراء الحرب العثمانيين. شاءت الأقدار أن يكون ها هنا اليوم، لإنقاذ زينب. أو ربما لإنقاذ اللعنة من الفناء! أو ربما ليكتب أول حرفٍ، من قصةٍ بدأت أحداثها، تبدأ لتنتهي، في كل لحظة… Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Zainab’s Curse - Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل الثلاثون. كلمة بين شفتيه April 26, 2023April 29, 2023 صيف العام 1989 ميلادي مروان في عامه التاسع ألارا في عامها الثامن والثلاثين حين أتت… Read More الفصل الخامس والعشرون. موعد مع الشيطان April 26, 2023April 29, 2023 طوال عام كامل، لم تهدأ المشاحنات والمشاجرات بينها وبين ألارا، ليس لأجل اختلاء سردار بها… Read More الفصل الثالث عشر. الرداحة April 26, 2023April 29, 2023 تتمشى في حديقة القصر، مختالة، سيدة على الجميع، سبعة أعوام مرت، أربع منها منذ توفيت… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل الثلاثون. كلمة بين شفتيه April 26, 2023April 29, 2023 صيف العام 1989 ميلادي مروان في عامه التاسع ألارا في عامها الثامن والثلاثين حين أتت… Read More
الفصل الخامس والعشرون. موعد مع الشيطان April 26, 2023April 29, 2023 طوال عام كامل، لم تهدأ المشاحنات والمشاجرات بينها وبين ألارا، ليس لأجل اختلاء سردار بها… Read More
الفصل الثالث عشر. الرداحة April 26, 2023April 29, 2023 تتمشى في حديقة القصر، مختالة، سيدة على الجميع، سبعة أعوام مرت، أربع منها منذ توفيت… Read More