April 26, 2023April 29, 2023 الفصل الثالث عشر. الرداحة تتمشى في حديقة القصر، مختالة، سيدة على الجميع، سبعة أعوام مرت، أربع منها منذ توفيت السيدة كريمة، على إثر وعكة صحية، حلت مكانها، باتت السيدة الأولى، بعد أن تزوجت عائشة من ابن عمها، وانتقلت للعيش في الإسكندرية. محمود انتقل إلى القاهرة؛ لإكمال دراسته الجامعية. تحققت نبوءة حتشبسوت، ستكونين سيدة القصر، باتت ثقة زينب بها كبيرة، فهي لن تخذلها أبداً، لا بد من الاستماع لنصائحها، وستكون على ما يرام. عاد عبد الحق والمبعوث إلى إسطنبول بعد مقتل الشيخ عمر، في محاولة للتواصل مع الأمير سليمان، لم تمهلهم حركة الاتحاد فرصة، ألقوا القبض عليهم، عذبوهم، أنكروا معرفته بأي ملفات وأسرار، حتى أعدموهم بعد رفضهم الإفصاح بشيء مما يعلمونه، في محكمة هزلية سريعة، تم إغلاق مبنى الزاوية الصوفية في الأوسكودار، صُودر وهُجر تماماً، وطويت صفحة دراويش يلدز، إلى حين. عاشوا عثمانيين عظماء، وماتوا على ما عاشوا عليه. طويت كذلك صفحة الأمير سليمان، في أوكرانيا، مختفياً عن الأنظار، لا أحد يعلم مكانه، يعيش بقوت يومه، متزوج، نَسي من يكون، ونساه الجميع. حسن، منشغل بالعمل والتجارة، وكذلك بالصلاة، والقرآن، عابد زاهد، هذا طبعه، لكنه بات ملتزماً دينياً أكثر من ذي قبل، ليس بسبب ما جرى في الأعوام السابقة من مستجدات فقط، لكن لسبب آخر، فالقرب من الإله، قد يكون فرصته الأخيرة، للنجاة ممن يرى نفسه إله آخر. حرص على إنفاذ وصية أمه قدر المستطاع، إلا أن زينب لم تفعل، قبل عامين، في عامها السادس عشر، وفي عامه الثالث والعشرين، بلغ الشوق مداه في صدر حتشبسوت، لم تعد تطيق صبراً، رغم إصراره حينها على انتظار أن تتم الثامنة عشر، قبل الدخول بها، إلا أنه في ليلة، وجدها تقف أمامه، عارية تماماً بلا ثياب، تطلب زوجها، تقدم نفسها له يفعل بها ما يشاء، رهن إشارته، ورهن رغباته. لم يطق صبراً كذلك، ومنذ ذلك اليوم، اكتشف أن زينب، جعلته ينسى النساء بعدها، تفعل أشياء، تحرك مشاعره، تمتعه، تنسيه هموم الدنيا، فقط إن أرادت ذلك. ليست جميلة، وفي عائلته ومن حوله الكثير من الحسناوات، إلا أن هذا لم يكن عائقاً في وجه حب حقيقي سكن قلبه لها، وكلما انتقد أحد مستوى جمالها على مسامعه، كان رده شاعرياً، خذوا عيني وانظروا لزينب بها، سترونها أجمل فتاة في العالم. هذا قبل تلك الليلة، لم تكن جميلة، لكن بطريقة مثيرة للغرابة، بعد ليلته الأولى معها، بدأت تتألق جاذبية، يوماً بعد يوم! شهد جميع من رآها لها بذلك. هي زينب نفسها، ولكن شيئاً في وجهها، جسدها، يتغير! بطريقة مثيرة للدهشة، أصبحت جذابة على غير المعتاد! عيناها، شعرها، جسدها، كأن في داخلها روح أنثى متقدة، كانت حبيسة لآلاف السنيين، جمعت محاسن الإناث كلها، وتحررت في تلك الليلة. لسان حاله يقول، يا من عبتم عليها جمالها من قبل، عليكم أن تروها في غرفة النوم، فخذاها الأسمران الممتلئان الناعمان، نهداها المشدودان الصغيران، شعرها المموج الطويل، يتمايل وخصرها النحيل بين ستائر الحرير، ببدلة رقص زرقاء قصيرة، وكل شيء آخر تفعله. تعجب كثيراً كيف لهذه الفتاة أن تأتي من الصعيد، فهاهنا، النساء تنافس الرجال في خشونتهم، لا يعرفون طباع الإناث، تلك التي تجعل الرجل متعلقاً بها، يطلبها، تثير جنونه نحوها. لكن لعل السنوات التي قضتها زينب في القصر، كانت كفيلة بتغيير طبعاها، فقد تعلمت كيف تكون أنثى، هذا تفسيره الوحيد، تفسير منطقي، نظراً إلى البيئة التي أتت منها. أكثر ذكاء من أي امرأة، فهي تعلم جيداً، كيف تجعل الرجل يسعى لها ويطاردها، تفعل أشياء تجعله كالمخمور وليس بمخمور، في داخلها روح تتألق أنوثة، أشبعته جنسياً، وروحياً، أحبها، وأحب البقاء قربها، فجمال المرأة ليس في وجهها فقط، كما قالت حتشبسوت تماماً، طالما كان جمالها في عقلها، وما يمكنها فعله، وزينب، عرفت كيف تجعله يحبها، وينتظر الليل شوقاً، لتكون بين أحضانه، تفعل له كثيراً من الأشياء، لا تخطر على بال الشيطان نفسه. أحبت أن ترتدي بدلة رقص زرقاء قصيرة مثيرة، غيرت ديكور الغرفة؛ لتبدو غرفة نوم فرعونية، شرفة مفتوحة، يتلاعب نسيم الهواء بستائرها الحرير، وعلى أضواء الشموع، تمايل خصرها النحيل، صدر واسع، نهدان مشدودان، شعر أسود مموج طويل، فخذان ناعمان، رقصت له كما رقصت حتشبسوت لزوجها، قبل الآلاف السنيين. طوال ثمانية أعوام، منذ أول يوم التقاها، كانت زينب، مهذبة، ودودة، محبة، متفانية، مطيعة، لا هم لها إلا إرضاء زوجها، وراحته، وفي تلك الليلة، أثبتت بالإضافة لهذا، أنها فتاة لعوب شقية، شبقة، لا تشبع منه، ولا تدعك يشبع منها. في الحقيقة، هذا نصفها الأول، فهي ليست دائماً هكذا! فلهذه الزوجة وجه آخر! ستعيش حياتك محاولاً تجنبه، والهرب منه، ستفعل أي شيء، في سبيل ألا تراه. رجل مهذب، متعلم، حافظ للقرآن، على خلق عظيم، أرستقراطي من نسل الأمراء، غني متواضع، وسيم في زهرة شبابه، يُشع تألقاً، ومستقبل واعد في انتظاره، هكذا كان من المفترض! يقض مضجع نومه كل صباح، صوت صراخ امرأة، سليطة اللسان، تتلفظ بأبشع الشتائم والنعوت، بطريقة سوقية، بلا حياء، ولا خجل، ولا أي اعتبار لحرمة أو كرامة إنسان. يستغفر الله، يدعوه أن يهديها، يلملم شتات أعصابه وكرامته، ثم يتوضأ ويهم في صلاته. فما إن ماتت الأم، وسافر عائشة ومحمود، حتى أحكمت زينب قبضها على القصر، بكل ما فيه، وبعد سلبها قلبه، وعقله، ظهر لها وجه آخر كان يجهله، بات الجميع عبيداً عندها، عاملتهم باحتقار، استعبدتهم، شتمتهم بأبشع الألفاظ، تلك التي يتحرج أقذر البشر، وأكثرهم دناءة، على التلفظ بها. باتت حياته كلها تتمحور حولها، في المساء، زوجة مطيعة محبة متفانية، وكأنها جارية يملكها من العصور الغابرة، وفي الصباح يجري هنا وهناك؛ لإصلاح ما تفسده، وللتستر على فضائحها، فكم مرة ضربت خادماً أو خادمة بشيء ثقيل أو حاد، وتسببت لهم بزيف استوجب التدخل الطبي لعلاجه، تعاملهم بقسوة، تهينهم، لا تتورع عن تذكيرهم دوماً، بأنهم خدمها، عبيد عندها. كاذبة، مخادعة، تتهم الخدم بما ليس فيهم، كم من خادمة اتهمتها بشرفها، وبوجود علاقة بينها وبين خادم آخر، تكسر الأشياء وتتهم الآخرين بذلك، تؤلف القصص الكاذبة عليهم، تجعلهم طوال الوقت تحت مجهر الاتهام. في بعض الأحيان صدقها، لكن سرعان ما اكتشف أنها تتلاعب، تكذب، مخادعة، لا مصداقية لما تقوله، ومعظم قصصها، تأليف من وحي خيالها، خصوصاً تلك التي تتعلق بشرف الخادمات، كلها أكاذيب، لديها مشكلة مع الخدم، تحب اتهام الآخرين بقضايا جنسية، بل وتهينهم بألفاظ تحط من قدرهم. ليس غريباً أن تسمعها تهين خادمة، كأن تقول لها، يا عاهرة، تقيمين علاقة مع الخادم الفلاني، وإن حاولت المسكينة الدفاع عن نفسها، تنهال عليها زينب بالضرب المبرح، بالسوط أحيانا، أو بأي شيء تقع يداها عليه، مسببة لها جروح غائرة. حاول معها كثيراً، يا زينب لا تفعلي هذا، ترفعي عن جعل قضايا الخدم محور حياتك، هم موجودون لراحتنا، وليس لتكدير حياتنا، إن لم يكن لأجل هؤلاء المساكين، ولا لأجلي هيبتي، فلا تفعليه لأجل نفسك، لا يليق بسيدة مثلك، أن تفعل ما تفعلين، أو أن تتلفظ بما تتلفظين! في البداية، كانت تتقبل منه النقد، تستمع له، تحاول التعلم والتغيير من طباعها، إلا أنه مؤخراً، لم يعد حسن نفسه استثناء، فصوتها المرتفع المثير للاستفزاز، لسانها الحاد كسياط من القاذورات، لم تعد تكبح جماحه عنه، باتت تستخدمه سلاح ضده، بدأت تعتاد شتمه، ونعته بمختلف الألفاظ التي تنتقص من قدره! كالشيطان، متجبرة، مُستبدة، ظالمة، حاقدة، لا خلاص منها إلا بمسايرتها، وتلبية جميع رغباتها؛ لتجنب لحظات غضبها، تلك اللحظات التي سوف تنتهي بمن هو أمامها بفضيحة مدوية بعد سيل من الشتائم. وعلى النقيض تماماً، ما أن يحل المساء، وتختلي به في الغرفة، حتى تعود زينب التي يريدها، ويحبها، زوجة مثالية، حوار راقٍ، عشاء فاخر، سهرة من المرح والحب، تنتهي بالطبع، بفرعونية لعوب شقية، تتقلب بين ذراعيه على السرير. تنصت له بذكاء، فإن طلب منها الصلاة، فعلت، وإن طلب منها حفظ شيء من القرآن الكريم، حفظته، وإن طلب منها مشاركته في جلسة علمية، فَعلت. لكن هذا كله لم يبدل من طباعها في شيء، فالدين، الصلاة، الصيام، بالنسبة لها، مجرد أدوات للسيطرة عليه، فهو ملتزم دينياً، ولا بد من مجاراته في هذا الجانب خصوصاً، منافقة لا تتوانى عن استخدام كل الأساليب المباحة وغير المباحة، في سبيل السيطرة. قالت له عائشة في آخر زيارة لها، يا حسن، إنها رداحة، كتلك التي تسمع عنها في الأحياء الشعبية في القاهرة، سليطة اللسان ولا تخجل من الصراخ في الأماكن العامة بالألفاظ والصفات الجارحة السوقية. وعندما تردح لشخص ما في الشارع، فإنها تُغرقه في سيل من السباب والصفات التي تنتقص منه، مما يؤدي إلى تجمع المارة حوله، والهدف هو تحقيره وفضحه. وزينب تفعل معك هذا، تجعلك دوماً خائفاً منها، ولا همّ لك إلا تلبية رغباتها، فنحن عائلة مرموقة، كريمة، مهذبون، أرستقراطيون، وهي تبتزك بهذا الأسلوب، لسان حالها يقول، إن لم تفعل كل ما أريد، فسوف أفضحك أمام الناس جميعاً، ولا مشكلة عندها في هذا، فلا تظنها تفكر مثلي ومثلك، هي لا تخجل من أن تفضح نفسها بهذه الطريقة أمام الخدم والناس جميعهم، وتبدو كالمرأة السوقية الدنيئة، فهي بلا أخلاق، ولا حياء، ولا تربية، أما نحن، فلا نقبل على أنفسنا هذا. رداحة يا حسن، إنها رداحة بالمعنى الحرفي للكلمة، عليك أن تفهم وتعي هذا. أما هو، فإنه يعلم هذا سلفاً، فعلى مدى عامين، منذ تلك الليلة، بدأت زينب تتغير أكثر، وكلما اعتادت على المكان أكثر، وتمكنت فيه أكثر، زاد طغيانها، إلا أنه قد أغراه الأمل، فقد كانت تستمع لكلامه، تتعهد له دوماً بالتغيير، تلتزم لبضعة أيام فقط، قبل أن ينقلب حالها مجددا. وكلما ضاق بها الخناق، تمسكنت، وبكت، وذكرته بما عانته في صغرها، ماضيها، والفرن. لقد عانيت كثيراً، أحرقوا أختي أمام عيني، قُتل أخي، طاردوني، أرادوا تزويجي ذلك العجوز أو حرقي، أنت لا تشعر بما أشعر به، بلا شفقة، ولا رحمة. سرعان ما تُستثار عاطفته، وشهامته، يصفح عنها، ويسايرها، عل الله يهديها. أراد أن تكون زوجته الصغيرة، متميزة، حَرص على إحضار أمهر الأستاذة لها؛ لتعليمها وتثقيفها، علمها القرآن، وأصول الدين، حاول أن يجعل منها سيدة مرموقة، إلا أنها ماكرة خبيثة، تستغل طيبة قلبه، ففي لحظات، تبدو كأنها نبع من الحنان والطمأنينة، تحبه، ترعاه، تطيعه، ضعيفة مسكينة، ما زال الفرن يطاردها في مخيلتها، لم تنس بعد ما حل بأخيها وأختها، تنظر له نظرات مكسورة، كتلك النظرات حين كانت في سلة التين، تبكي، تجلس وحيدة خائفة، تنتظره للاعتذار. ولكن إن عارضها في أمر! ولم تفلح كل حيلها هذه، ينقلب حالها، لتصبح تلك الرداحة قليلة الحياء! ضعيف، على غير المتوقع، رجل مسالم، طيب القلب، حنون وشاعر، يمكنها التلاعب به كما تشاء، فمشاعره، فروسيته، نبله، نقطة ضعفه القاتلة، ما أن تنتهي نوبة الغضب، وينتهي الجنون من حوله في كل مكان، حتى ينقلب حالها رأس على عقب، تعود زينب الطفلة المسكينة، الضعيفة، عندها يرى وكأن الدنيا كلها أزهرت، وبات كل شيء حوله جميلاً على غير المعتاد. منطقي تماماً، فقد جعلت من لحظات سكونها، وكأنها العيد، جعلت منه وكل من لها سلطة عليهم، يعيشون في جحيمها، وعندما تبتسم، تبدو هذه الابتسامة وكأنها نهاية العذاب، كأنهم خرجوا توهم من جهنم، غير مهم إن كانوا ذاهبين إلى الجنة أم لا، فأي شيء آخر مقارنة بالجحيم، هو النعيم. فكر كثيراً في حالتها، لعلها مريضة نفسياً جراء ما جرى معها، ونبله حال في مرات كثيرة بينه وبين فراقها، لكن سرعان ما فهم، ليست حالة نفسية! بل طبع متأصل بها، إنها خبيثة جداً، لا تفعل ما تفعل بلا إدراك منها، بل إنها واعية تماماً، ومدركة لكل تصرفاتها، ولكل أفعالها، تعلم متى تكون زينب المحبة، الكريمة، ومتى تكون تلك المرأة السوقية، التي تستخدم صوتها سلاحاً لتحصل على كل ما تريد، تلك التي تضعك أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الفضيحة أمام الخدم والناس، أو الطاعة والصمت على تجاوزاتها. ترفض الاعتراف بخطئها، مهما كان واضحاً جلياً، ومؤخراً باتت ترفض حتى الاستماع، فإن حاول مواجهتها بما فعلته، أغلقت أذانها، وبدأت بالصراخ، أصمت، لا أريد أن أسمع شيئاً، ثم تبدأ وصلة من الشتائم والإهانة، تنتهي به على سجادة الصلاة، يتعبد الله، يتوسل فرجاً قريباً، وخلاص من هذا الحال، وبعد ساعات، ينتهي الحال بها فرعونية في غرفة النوم. فكر كثيراً بتلك الأحلام القديمة، الخلافة العثمانية، الاحتلال البريطاني، عودة مصر عثمانية! زواجه منها! قال عبد الحق أن هذا الزواج في مصلحتهم، ولكن لم يحصلوا على الوقت الكافي لفعل أي شيء! وبدلاً من أن يكون أهل القرية عوناً له، باتوا عوناً لزينب فقط. فقد أنفقت عليهم الكثير من الأموال، أصبحوا عشيرتها التي لن تخذلها، والمشكلة، أنها لا تهتم لشيء ذي قيمة، فكل اهتماماتها منصبة على الخدم، السلطة، الإحساس بالقوة والجبروت، أنفقت الكثير من الأموال، ليس على المحتاجين، بل على من لا يحتاجها، الأقوياء، مقابل شراء الولاءات، لأجل أن يسميها الناس، بالسيدة النبيلة، المرأة القوية، ويتوددون لها، ويشبعون هوسها وجنون عظمتها. عَظُم طغيانها، فقد شدت عضدها بقبائل وعشائر من القرى المجاورة، جندت بعض الخارجين عن القانون لخدمتها، بات يخشاها الجميع، حتى مجلس الحكماء، خصوصاً بعد أن وجدوا العجوز الحكيم، محترقاً في فرن طيني. لم يثبت من القاتل، ولكن جميع شكوكهم تدور حول سيدة القصر! اختفى العجوز قبل أشهر، من منزله خارج القرية، وبعد أسابيع، وجدوا خاتمه من باب الصدفة، داخل فرن طيني، وحوله جثة متفحمة. فرن طيني، لم توقد به النار منذ وقت طويل، منذ أن التهمت ألسنة لهبه، جسد فاطمة. ثار غضبه يومها، جن جنونه، اعترفي يا زينب، هل لكِ علاقة بالأمر؟! لم تعترف بشيء، بل بكت بضعف، أرجوك، لا تُذكرني بذلك يا حسن، وسرعان ما انتهى النقاش، كانا في غرفة النوم، وكانت الشموع مشتعلة. -ماذا تريدني أن أفعل لك اليوم يا مولاي؟ قالت وخصرها يتمايل بين ستائر الحرير، ببدلة الرقص الزرقاء. -كل ما عليكِ فعله هو الاقتراب هنا، إلى هذا السرير، فإني لا أطيق صبراً، هلمي إلى… خلعت بدلتها، عارية تماماً، قوامها رشيق مشدود كأنها تمثال من الشمع، صعدت فوقه، يداها تقبض على شعر صدره، شعرها غطى نصف وجهها، ممسكاً فخذاها، يهزها بقوة، مغمضة عينيها، تتأوه نشوة. صرخت في وجهه: انعتني بالعاهرة، الجارية. -عاهرتي وجاريتي أنتِ يا زينب. -بل حتشبسوت، ناديني حتشبسوت. لم يفعل، صرخت بغضب، عضت شفتيها، كررت: حتشبسوت يا حسن، أرجوك، أتوسل إليك. -حتشبسوت، آه كم أنتِ عاهرة بذيئة لا تكتفي من الجماع. سرعان ما بدأ يلاحظ، لو نادها بهذا الاسم تحديداً، حتشبسوت، تفجرت أنوثتها أكثر، بشكل لا يصدق، ترتفع حرارتها أكثر من ذي قبل، بكثير، تفقد أعصابها، تكاد تنفجر شهوة فوقه. ظن الأمر لأول وهلة، أن الاسم يتواكب مع ديكور الغرفة الفرعوني من حولهم، مما يثيرها أكثر، لكن سرعان ما بدأ يلاحظ، لو نادها حتشبسوت، في أثناء علاقتهما الجنسية، قبل وصولها لمرحلة النشوة بقليل، وفي أثناء بداية ارتعاش جسدها، فإن شيئاً في ملامح وجهها يتغير، يبدو كأنه خليط من وجه زينب ووجه امرأة أخرى، امرأة لا يعرفها، حسناء فائقة الجمال. كأن روحاً فاتنة تسكنها، امرأة أخرى جميلة على غير المألوف داخلها، لا يظهر شيء من ملامح وجهها، إلا في تلك اللحظات، لحظات أوج النشوة، حين تفقد زينب السيطرة على نفسها تماماً، أو ربما، حين تفقد حتشبسوت السيطرة. -لمَ يحدث هذا؟ أشعر حينها كأنني أجامع امرأة أخرى! -لا أعلم يا حبيبي، لعله أثر النشوة، ألا تلاحظ أنني أزداد جاذبية وجمالاً منذ تزوجتك؟ شيء غير طبيعي فيها، بات يدرك هذا، تذكر ما قالته عائشة قديماً، الحديث عن اللعنة، هل من المعقول أن تكون لعنة سكنت زينب بالفعل؟! رفض يومها التصديق، وكان يرفض ذلك، حتى وقت قريب. إلا أنه مؤخراً، بات يدرك، أن شيئاً آخر يسكن زينب، لا محالة! لكن من هي زوجته الحبيبة، ومن هي الجبارة المُتسلطة بينهما؟! سرعان ما بدأ يعتاد وجود حتشبسوت في غرفة النوم، بل ويطلبها، يريدها. ملاك متزوج من شيطان. حاولت جعله طاغية، وفشلت، حاول إصلاح حالها، وفشل! ما زالا يتصارعان. لم ينجح في قتل الشيطان فيها، ولم تنجح في قتل الملاك فيه. شيء واحد بقي حبيس صدرها، حقيقة حتشبسوت، أصرت على أنه اسم تحبه، ولا وجود لأي امرأة ثانية تسكنها، وشيء كذلك بقي حبيس صدره، لم يبح لها يوماً عنه، سرداب سري أسفل القصر، وخزنة سرية محكمة الإغلاق، تحتوي حزمة أوراق، كانت على الأقل في يوم من الأيام بالغة الحساسية والسرية. وما لا يعلمه، أنها ما زالت حتى اليوم، مطلب رئيسي، لجهة سرية، في جزيرة مالطا. جهة سرية، تمنت أن تكون ورقة واحدة منها تحديداً، قد احترقت في نار أو غرقت في نهر! أي شيء، إلا أن تكون ما زالت محفوظة في مكان ما، بانتظار وقوعها بيد شخص ما، يوما ما، وقتئذ قد تتبدل الكثير من الحسابات. Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Zainab’s Curse - Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل السابع والثلاثون. لستُ وهم خيالك April 26, 2023April 29, 2023 في حي “أوسكودار” في إسطنبول، بناء قديم وبطابقين، أُغلق ببابٍ حديدي أسود زُخرف بالخط العثماني… Read More الفصل التاسع عشر. المهمة المقدسة April 26, 2023April 29, 2023 حي باب الشعرية، منطقة الفجالة، في مدينة القاهرة، بالقرب من ميدان رمسيس، وصفت بمنطقة المثقفين،… Read More الفصل السادس والثلاثون. حب في الجحيم April 26, 2023April 29, 2023 أعوام مرت على هذا الحال، ما الحياة إلا جحيم مُغلف بقشرة من النعيم، كل ما… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل السابع والثلاثون. لستُ وهم خيالك April 26, 2023April 29, 2023 في حي “أوسكودار” في إسطنبول، بناء قديم وبطابقين، أُغلق ببابٍ حديدي أسود زُخرف بالخط العثماني… Read More
الفصل التاسع عشر. المهمة المقدسة April 26, 2023April 29, 2023 حي باب الشعرية، منطقة الفجالة، في مدينة القاهرة، بالقرب من ميدان رمسيس، وصفت بمنطقة المثقفين،… Read More
الفصل السادس والثلاثون. حب في الجحيم April 26, 2023April 29, 2023 أعوام مرت على هذا الحال، ما الحياة إلا جحيم مُغلف بقشرة من النعيم، كل ما… Read More