April 26, 2023April 29, 2023 الفصل الثالث والثلاثون. الجواسيس الصغار -انتظري قليلاً، ستبدأ الكلام بصوت مسموع، بدأ وجهها يصبح أكثر حُمْرَة. -أنا خائفة يا بيبرس، لا أريد رؤية هذا. -لا تخافي يا سولماز، راقبتها على نحو متكرر، لا شيء يدعو للخوف، طالما أنها لا ترانا. الساعة العاشرة مساء، أطمئنت ألارا عليهم، غطوا في النوم، أغلقت باب غرفتهم خلفها، ذهبت إلى غرفتها، أغلقت بابها جزئياً، شيء صغير منه بقي مفتوح، فهي في البيت وحدها، برفقة الأطفال، لا بد من سماع أي صوت قد يصدر خارجاً. ما أن اطمئنوا إلى أنها في غرفتها، حتى تسللوا إلى الصالة، فاليوم أول مهمة جاسوسية لهم، استكشاف حتشبسوت، سيجعلها بيبرس تتعرف عليها للمرة الأولى. ألارا مفترشة السرير، تتابع التلفاز، ولا تتابعه، مذيع الأخبار يقرأ النشرة لنفسه، في حين هي ساكنة على السرير، تدور عيناها في سقف الغرفة، تزمهم حيناً، تعقد حاجبيها حيناً آخر، كأنها تستمع لأحدهم باهتمام بالغ. بيبرس يعلم، تُكلم حتشبسوت، في بعض الأحيان، حين يحتدم النقاش بينهم، تبدأ الأم تتحدث بصوت عال مسموع، بل وتتشاجر معها أحيانا، إن كانت مطمئنة أن لا أحد في المنزل، وتظن مروان نائماً. الأم بصوت مرتفع: لا بد من وجود طريقة ما، حتى إن لزم الأمر لَعْني بذات الطريقة التي لعُنتي بها منذ آلاف السنيين. صمتت. -لا أمانع ذلك، لا أرى معاناة في حياتك، ها أنتِ تنتقلين من شخص إلى آخر، ما العذاب في هذا؟! صمتت. بغضب: بوحي لي بالطلاسم، إنها من حقي، طالما أبقيتها طي الكتمان، لن تخدعيني كما خدعتِ أمي. صمتت. احمر وجهها أكثر، بصوت حشرجة: توقفي يا ألارا، قلت لكِ أكثر من مرة، توقفي عن الحديث حول الطلاسم، إنها خطيرة جداً، لا يمكنني البوح بها، ليست لعبة تتسلين بها كالأطفال. بيبرس يهمس: هذه هي، هذه حتشبسوت. تشجنت أصابعها، برقت عيناها، تتنفس بصعوبة: سحقاً لكِ حتشبسوت، أقسم أنكِ ستموتين معي، سأنهي وجودك في هذه الدنيا، إلى الجحيم الأبدي، نار تحرقك، تشوي عظامك، إن لم تبوحي بها. -صممت. -أعلم ما يدور في ذهنك، تظنين الأمل في نوبيا، تودين الانتقال لها، لا تظني أنني ساذجة غبية، لقد نظرتي في عينيها نظرة فاحصة، إنها مناسبة للانتقال، تغير حالك منذ تلك اللحظة. صمتت. تدفقت دماء الخوف، ما إن سمعت اسمها، أغلقت فمها بيدها، تنظر إلى بيبرس، وينظر لها بذهول. -في المستشفى، ربتِي على كتفها، قلتِي لها، سأحرص على أن تكوني بخير. صمتت. -بالمناسبة وتودين ذلك، وهذا لن يحدث، لا يمكنك فعلها ما لم أقم بتجهيزها بنفسي، تريدين الانتقال بأمان، لا حل إلا الطلاسم، أو الموت معي في النهاية. صمتت. بدأ جسد نوبيا يرتجف، أشار لها بيبرس بأصبعه، اصمتي، يجب ألا تشعر بوجودنا هنا، سحبها من يدها، عائد بها دون إثارة أي ضجيج، إلى غرفتهم. نجحت مهمتهم الأولى، تمكنوا من جمع معلومات قيمة للغاية، وجديدة، والأهم أنها من نوع المعلومات التي قد تنقذ حياة إنسان، نوبيا، وتُفشل عملاً إجرامياً جارياً التخطيط له، لا يوجد معلومات بقدر أهمية هذا النوع. سولماز: خائفة أنا، ماذا يعني هذا الانتقال؟ بيبرس: ربما كما حدث لجدتي زينب، قلت لكِ، كانت حتشبسوت شخصية جدتي الثانية، وانتقلت إلى أمي. -لمَ لا تنتقل إليك إذاً؟ -لا أعلم، ألم تسميعها تقول نوبيا مناسبة، ربما أنني غير مناسب لها. -لا أريد البقاء هنا يا بيبرس، خائفة. اقترب منها، أمسك يدها، لا تخافي، لقد وعدت الخال فؤاد أن أكون جوارك، لن أسمح لأي مكروه يصيبك. بدت مرتاحة أكثر، سولماز، بفضول الأطفال: ما هي الطلاسم؟ بيبرٍس: ليس أول مرة أسمعهم يتحدثون عنها، يبدو أنها كلمات سحرية، من يعرفها سيمتلك قوة خارقة، تمكنه فعل كل ما يشاء، إلا أن حتشبسوت ترفض تعليم أمي إياها، طالما يتشاجران لهذا. بحماسة، أعجبها ما سمعت: قوة خارقة؟ هل أنت جاد! قوة تمكنني من فعل كل ما أتمناه؟! هز رأسه: نعم، يبدو الأمر هكذا. صمتت، شردت بخيالها، تُفكر، فالقوة، الخوارق، طالما دغدغت مشاعر البشر، منذ نعومة أظافرهم. أطفال يتخيلون أنهم خارقون، يطيرون هنا وهناك، يفعلون أشياء يعجز أقرانهم عن فعلها، استثنائيون، غير اعتياديين، حالمون، ويا لها من سطوة تلك، سطوة الأحلام. قليلون هم، من يعيشون أحلامهم واقع أمام أعينهم، وكثيرون هم، من تموت أحلامهم معهم، كانت وبقيت، مجرد أوهام. نظرت الفتاة إليه نظرة مريبة، ملؤها الغموض، الإثارة، والكثير من الفضول، زَمّت عينيها، قالت: أمك رفضت السماح للقوة بالانتقال لي، تريد الطلاسم مقابل هذا. نظر إليها، عيناها تلمع ببريق الفضول، أجاب: نعم، تساومها، لكن…. يُفكر في شيء ما، فكرة في رأسه، أكمل كلامه: لكن هذه أول مرة يكون بيدها شيء يتعلق بحياة حتشبسوت! -ماذا تعني؟ وضح يا بيبرس. -سمعتها سابقاً تساومها على أمور كثيرة، فأمي عنيدة تمنع عنها كثيراً مما تُحب وتطلب، مقابل الطلاسم، وحتشبسوت ترفض. نظر إليها بحماسة: إلا أن هذه المرة مُختلفة، فما لدى أمي هو حياة حتشبسوت، وموتها، لديها ورقة مساومة قوية. طوال أيام تلتها، اعتاد الجاسوسان الصغيران مراقبة ألارا وحتشبسوت، لم يعد الأمر مخيفاً لها كما كان، بل بات فضول جاسوسة، تخطو أولى خطواتها، في طريق شائك خطير، لا يمضي به، إلا الاستثنائيون فقط. سمعوا الكثير من حواراتهم، وشجارهم، بعضها كانت عادية، لم يفهموا منها شيئاً، وبعضها مليء بالغموض والألغاز، وحتى الهلوسات، وكثير منها عن الموت، والحياة بعده، وفي بعض الأحيان كانت خارج حدود الأدب، تحدثوا عن سردار، بدلة الرقص الزرقاء القصيرة التي رفضت ألارا لباسها منذ يوم عرسها، حاولت حتشبسوت جعلها أنثى، إلا أنها، ورغم جمال ألارا، قد فشلت. -ما قصة بدلة الرقص يا بيبرس؟ احمر وجهه، بخجل أجاب: لديها في خزانتها بدلة رقص، ترفض لبسها. أضاف: تشاجروا ذات ليلة، حتشبسوت تريد منها الرقص لأبي، إلا أن أمي ترفض. احمر وجه سولماز: بسذاجة الأطفال سألت: ولمَ ترفض ذلك؟ بيبرس: يبدو أنها لا تجيد الرقص. ضحك، شيء يريد قوله، تردّد، احمر وجهه أكثر. -ما بكَ؟ تكلّم. -ليس فقط الرقص، كثير من الأمور تريد حتشبسوت لأمي أن تتعلمها وتفعلها، إلا أنها ترفض دائماً. شتان بين زينب وبينها، فإن ألارا متزمتة عنيدة عصبية لا يمكن التفاهم معها، وفي حين كانت حتشبسوت لعنة زينب، بات الأمر وكأن ألارا لعنة على حتشبسوت، سجنتها في سجن من الرفض والغباء واللامبالاة والرعونة العمياء. وهذا أكثر ما يقلق ألارا، حتشبسوت تترقب شوقاً لحظة انتقالها إلى غيرها، وهو ما لم تسمح به أبداً، ما لم تبح لها بالطلاسم، تلك التي ستجعل من ألارا خالدة، للأبد. قبل نومها، كررت سولماز كل ما سمعته في حواراتهم، استخلصت منه نتائج، وتخيلت كثيراً منها، تذكرته، حاولت تجسيده واقعاً أمامها. بيبرس سعيد للغاية، ليس لوجود سولماز فقط، بل لسبب آخر كذلك، طوال شهرين في أنقرة، لم تضربه أمه ولا مرة، توقف العذاب، حتى التعنيف، بات مقبولاً نوعاً ما. ألارا حريصة على الظهور بمظهر الأم المثالية، تصحبهم كل يوم تقريباً، إلى أماكن لعب للأطفال، مراكز التسوق، المطاعم، اختفى ذلك الشيطان داخلها، لم يبقَ إلا الأم الحنونة. بعد شهرين، ترفق قلب جهاز أمن الدولة، والقصر الرئاسي، وكل مسؤولي مصر، بحالة الفتاة، وصلت موافقة إلى مقر السفارة المصرية في أنقرة، يسمحون بموجبها منح جواز سفر لنوبيا. سيذهبون إلى مصر، ثم إلى الكويت، زيارة الأردن كذلك، حيث يمكنهم العيش كعائلة واحدة. ولكن ليس تركيا، قُطعت علاقتهم ببلاد العثمانيين للأبد. تمنى الفتى، أن تكون أمّه دوماً، كما كانت في أنقرة لعلّ وجود نوبيا قد بدّل الأحوال. لمَ لا؟! فكل شيء متوقّع. Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Zainab’s Curse - Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل الرابع والعشرون. المصائب لا تأتي فرادى April 26, 2023April 29, 2023 أفكار متقاربة، بين سردار والأب، فخطيب ابنته رجل شهم كذلك، من ضحايا العسكر، مثله تماماً،… Read More الفصل الخامس. نسل الأمراء April 26, 2023April 29, 2023 لاقت مصر عبر التاريخ أهمية بالغة، فلم تكن حضارة الفراعنة إلا نتاج طبيعياً لموقعها الجغرافي… Read More من رواية اللحظة بيبرس. المقر ألفا April 29, 2023April 29, 2023 أقلعت الطّائرة من دبي إلى وسط البحر الأبيض المتوسّط، حيث مدينة “فاليتا”، عاصمة دولة مالطا…. Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل الرابع والعشرون. المصائب لا تأتي فرادى April 26, 2023April 29, 2023 أفكار متقاربة، بين سردار والأب، فخطيب ابنته رجل شهم كذلك، من ضحايا العسكر، مثله تماماً،… Read More
الفصل الخامس. نسل الأمراء April 26, 2023April 29, 2023 لاقت مصر عبر التاريخ أهمية بالغة، فلم تكن حضارة الفراعنة إلا نتاج طبيعياً لموقعها الجغرافي… Read More
من رواية اللحظة بيبرس. المقر ألفا April 29, 2023April 29, 2023 أقلعت الطّائرة من دبي إلى وسط البحر الأبيض المتوسّط، حيث مدينة “فاليتا”، عاصمة دولة مالطا…. Read More