April 26, 2023April 29, 2023 الفصل الثامن. خلية أسيوط في صالة اجتماعات أسفل القصر، جلست السيدة كريمة مع أربعة رجال من أبناء عمومتها، بالإضافة لابنها حسن، ليس اجتماعاً عائلياً، بل اجتماع عمل سري، فقد وصل قبل ليلة مبعوث الشيخ عمر إلى مصر، يحمل أخباراً هامة. أطلقوا على أنفسهم اسم خلية أسيوط، التابعة لجهاز يلدز للاستخبارات، فكما يبدو أن انشغالهم في التجارة، وابتعادهم عن السياسة، لم ينسهم الدماء العثمانية التي تسري في عروقهم، فالخلافة والإمبراطورية، أهم من التجارة، والمال، وكل شيء آخر. حافظ الأمير إسماعيل على تواصله بإسطنبول، وحافظ أبناءه وأحفاده من بعده على هذا، بحجة التجارة، وعلى مدار السنيين، بقيت هذه العائلة، تكن الولاء كله للخلافة العثمانية، تمدهم بمعلومات عن الأوضاع في مصر والسودان، مستغلة موقعها الاستراتيجي في جنوب مصر، ومع تأسيس جهاز يلدز، بحث الشيخ عمر بين أوراقهم على من يمكنهم الثقة بهم في مصر، وكان نسل الأمير، خيارهم المثالي. وقع الاختيار على زوج السيدة كريمة، وبعد موته، انتقلت قيادة الخلية لها، حازمة بطبعها، كتومة، قامت مع زوجها بتأسيس الخلية، واختارت بنفسها أكثر من يمكنها الثقة بهم، سرعان ما لمع بريقهم، فالعمل المنظم، أثمر معلومات تفصيلية موثقة، قُدمت للسلطان عبد الحميد الثاني، في ظل الوضع الصعب الذي تعاني منه الإمبراطورية. ليلة الأمس، وصل مبعوث الشيخ عمر، يحمل أخباراً، وتعليمات. السيدة كريمة: مرحباً بك، أتمنى أن تكون نلت قسطاً من الراحة بعد رحلتك الطويلة. -شكراً سيدتي، لقد فعلت. -هل وصلت البضائع؟ -نعم، كلها في المخازن، لا تقلقي، ما كنت لأتِ إليكم بلا حجة مقنعة وذريعة واضحة، جئت لكم ببضائع وسأتقاضى ثمنها، كما جرت العادة. أضاف: هل المتواجدون جميعهم هم المخول لهم حضور الاجتماع؟ -نعم ولكن أولا لابد من إجراءات التحقق الروتينية. قاطعها حسن: لقد فعلت ذلك بنفسي يا أمي، أنه مبعوث الشيخ، ولديه الختم، والدلالات اللازمة كاملة. -نعم، ولكن لا بد من تكرارها من جديد في وجودي. يظهر الآن سبب اختيارها من الشيخ عمر، فهذا الحزم في مكانه، رغم أن ابنها تحقق من المبعوث بنفسه، إلا أن هذه المرأة لا تثق بأحد كما يبدو، لا بد من التحقق، خصوصاً أن هذا المبعوث مختلف عن الذي اعتادوا قدومه سابقاً. انحنى المبعوث وخلع نعله، أحنى رأسه احتراماً لها، عذراً سيدتي، ثم رفع باطن قدمه على منضدة أمامه، نظرت لها نظرة عميقة، النقش السري للمبعوثين مرسوم بشكل صحيح على باطن القدم. السيدة كريمة: هل لديك عود ثقاب؟ أخرج الرجل من جيب سترته علبة كبريت كبيرة، أمسك عود ثقاب طوله 8 سم، قام بإشعاله، ثم نفخ عليه ثلاث مرات. انتهت إجراءات التحقق، أثبت الرجل هويته. السيدة كريمة: شكرا لك، ما الذي دفعهم لإرسال شخص جديد؟ -لقد لقي سلفي مصرعه، قُتل في إسطنبول، تعرضنا للخيانة، جنود من جمعية الاتحاد اقتحموا مقر عملنا، أرادوا اعتقال الشيخ عمر أو قتله، اشتبك بعضنا مع المقتحمين، أخروا تقدمهم إلى حين تمكن البقية من الفرار، وكان سلفي ممن قاتلوا ونالوا الشهادة في ذلك اليوم. -رحمه الله، وتقبله في جنات عدن، هل الشيخ بخير؟ -نعم، ولكن لم يعد للجهاز وجود، ليس بصورته التي عرفتيها سابقاً، نحن الآن مطاردون، والشيخ في مكان آمن نسبياً. -في إسطنبول؟ -نعم سيدتي، في مقرنا السري. -أين الرسالة؟ -ليست رسالة، بل أخبار… تردد للحظة، ثم قال: خسرنا، لكننا لن نستسلم، لدينا خطة لاستعادة السلطان، والدولة، بحاجة للوقت الكافي، وللموارد المالية اللازمة. -لا مشكلة بالأموال، يمكننا تمويلكم بكل ما يلزمكم منها. قاطع حسن حديثهم، وبحماسة الشباب، يتلفت إليهم: ماذا؟ هل هذا كل ما يمكننا فعله؟ تقديم المال وفقط؟ المبعوث: وهل بإمكانك أن تقدم شيئاً آخر يا سيدي؟ السيدة كريمة: على هونك يا حسن، لا بد أن هناك ما يمكننا فعله، لكن لنتبع التعليمات حالياً. موجهة كلامها للمبعوث: هل بقي شيء آخر؟ -نعم سيدتي، سيحضر قريباً السيد عبد الحق، واحد من أمهر رجالنا، سيقود العملية برمتها، بمجرد وصوله سيطلعنا جميعاً على التفاصيل. -عن أي عملية تتحدث؟ -لا أعلم، كل الذي قيل لي أن أرتب لوصوله، وأبلغكم بذلك. في المساء، وصل إلى الزاوية في إسطنبول الأمير سليمان، متنكراً بزي درويش صوفي، اجتماع سري آخر، بعيداً جداً عن أسيوط. الشيخ: أهلا بك يا سمو الأمير، لقد تم إجراء الترتيبات كاملة. الأمير: أهلا بك يا شيخ، أطلعني عليها. -بعد أيام سيسافر السيد عبد الحق إلى مصر، سيلتحق بخلية استخباراتية تتبع لنا، سيقوم بالإشراف على عملها، وتوسعته، بغطاء التجارة، هدفهم الأول هو تأمين الدعم اللوجستي، والمالي، الذي نحتاجه، بالإضافة إلى أننا سنقوم بإخراج أرشيف يلدز وتأمينه هناك، فلم يعد في مأمن هنا، أما أنت يا سمو الأمير، فلا بد أن تبقى مقرباً من القصر قدر المستطاع في هذا الوقت. -أرشيف يلدز؟ -إنه أرشيف بعض القضايا الهامة التي كنا نعمل عليها، أحضرته معي، ما كنت لأسمح بسقوطه بيد العدو. تردد للحظات، يود قول شيء، عقد حاجبيه، يفكر بعمق، قال: تحديداً قضية واحدة هي الأكثر أهمية بينها كلها، نود الحرص على أن يستمر العمل عليها، على الأقل إن لم نتمكن نحن من مواصلته، فالاحتفاظ بأرشيفها في مكان آمن. التفت إلى عبد الحق: السيد عبد الحق هو المسؤول عنها، سلامته، وسلامة القضية، أهم عندي من أي شيء آخر، حتى أكثر أهمية من سلامة السلطان نفسه، ما جرى في تركيا يا سمو الأمير لم يكن عملاً عفوياً، بل مخطط مدروس، لدينا إشارات على أن مقراً سرياً يتبع لجهة ما موجود في جزيرة مالطا، لا نعرف بعد من هم تحديداً، كان لهم دور بارز في الأحداث، كل الذي نعرفه عنهم أنهم قد يكونون سلف فرسان المعبد، لديهم سر خطير، يتكتمون عليه، ونريد معرفته. الأمير: تقصد أن جمعية الاتحاد العثماني، لها مقر سري في مالطا؟ الشيخ: قبل أعوام كنا نظن هذا، عندما وصلنا لأول معلومة عنهم، لكن سرعان ما تيقنا أن لا علاقة مباشرة تربط بينهم وبين الجمعية، لكنها نتائج عملهم. -كيف؟ لا علاقة تربط بينهم، لكنها نتائج عملهم! وضّحْ مقصدك. -هنا يكمن اللغز الدائر حولهم، لا نعرف، في هذه الملفات يوجد معلومات قدمها لنا بعض رجالنا، نستنتج منها أن هذا الجهاز قد صَنع جمعية الاتحاد، دون أن يتورط على نحو مباشر في هذا. -هل تقصد أنهم أداروهم من خلف ستار؟! تردد الشيخ للحظات، لا يريد أن يبدو كالمجنون فيما سيقوله، عض شفتيه، قال: لا يا سمو الأمير، لديهم شيء نجهله، يُمكنهم من تغيير….. صمت… -ما بك أكمل؟ -يُمكنهم من تغيير الزمن ربما، لا أعلم! تلفت الأمير حوله، متعجباً ما سمع: تغيير الزمن؟! هل أنت جاد يا شيخ؟! أين رجالك الذين قدموا لك هذه المعلومات، أحضر أحدهم نسمع منه. -كلهم قتلوا يا سيدي، في مالطا وهنا، لم يبقَ منهم أحد على قيد الحياة، إلا السيد عبد الحق، لعلك علمت الآن لما يجب حمايته، وحماية أرشيف الملفات، فقد بذل أخلص رجالي دماءهم لأجل ما فيها. هز رأسه، حركة امتعاض بفمه، لم يعجبه ما سمعه، قال: حسناً يا شيخ، دعنا من هذا الأمر، يبدو أنه خزعبلات، لا أكثر. التفت إلى عبد الحق: اعتذر لك، لا أقصد الإهانة، فكل الذي يهمني الآن هو تركيا، ومستقبلها. أضاف: من القائمين على الخلية في مصر؟ الشيخ: أبناء عمومتك يا سيدي، في أسيوط. ابتسم: أبناء عمومتي؟! فكرت بالهرب إليهم عندما عُزل السلطان، لكن لم أتواصل معهم من قبل، لا أعرف عنهم شيئاً، وها أنت تقول لي أنهم جزء من جهاز السلطان الاستخباراتي وأنا آخر من يعلم! أدخل الأمير يده أسفل سترته، أخرج مغلف أوراق مختوم بالشمع الأحمر، قال: خذ هذا يا شيخ، نسخة من جميع الأوراق والوثائق التي تثبت هويتي، أود الاحتفاظ بها في الأرشيف كذلك. الشيخ: ما حاجتك لفعل هذا؟ الأمير: ربما سنكون جميعنا جزءاً منه قريباً، لبِّ لي هذه الرغبة، لا أشعر أنني سوف أحيا طويلاً، فجمعية الاتحاد تراقبني، جواسيسهم حولي طوال الوقت، غير مطمئنين لي، أشعر أن حياتي لن تكون طويلة كفاية، لكن لو نجونا من هذا الوقت العصيب، وتزوجت وأنجبت أطفالا، أود أن يصل هذا المغلف لهم، ليعلموا من كان أبوهم. أخذ الشيخ المغلف من يديه، أرفق معه ورقة كتب عليها، “الأوراق الثبوتية الخاصة بالأمير سليمان، الأمير المتمرد”، وضع المغلف، والورقة، في مغلف آخر، وختمه بختم دراويش يلدز. كتب على المغلف الجديد “خاص، لورثة الأمير المنسي” Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Zainab’s Curse - Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل التاسع عشر. المهمة المقدسة April 26, 2023April 29, 2023 حي باب الشعرية، منطقة الفجالة، في مدينة القاهرة، بالقرب من ميدان رمسيس، وصفت بمنطقة المثقفين،… Read More الفصل السادس عشر. لا بد من المحاولة April 26, 2023April 29, 2023 كالمجنونة تدور في أرجاء الغرفة، تشد شعرها، تقبض راحتا يدها، تصك أسنانها، تصرخ، ستنفجر في… Read More الفصل الخامس. نسل الأمراء April 26, 2023April 29, 2023 لاقت مصر عبر التاريخ أهمية بالغة، فلم تكن حضارة الفراعنة إلا نتاج طبيعياً لموقعها الجغرافي… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل التاسع عشر. المهمة المقدسة April 26, 2023April 29, 2023 حي باب الشعرية، منطقة الفجالة، في مدينة القاهرة، بالقرب من ميدان رمسيس، وصفت بمنطقة المثقفين،… Read More
الفصل السادس عشر. لا بد من المحاولة April 26, 2023April 29, 2023 كالمجنونة تدور في أرجاء الغرفة، تشد شعرها، تقبض راحتا يدها، تصك أسنانها، تصرخ، ستنفجر في… Read More
الفصل الخامس. نسل الأمراء April 26, 2023April 29, 2023 لاقت مصر عبر التاريخ أهمية بالغة، فلم تكن حضارة الفراعنة إلا نتاج طبيعياً لموقعها الجغرافي… Read More