April 26, 2023April 29, 2023 الفصل الثاني. السرداب -لا تخاف، تشجع وادخل، فالحبل متين -أرجوك أبي، إني خائف -قلت لك لا تخف يا مصطفى، ادخل ولا تثير غضبي عليك يا ولدي تذرف عيناه الدموع، يتصبب جبينه عرقاً، ينظر إلى المدخل المظلم تارة، ثم إلى أبيه تارة أخرى، باتت ملامحه قاسية أكثر من ذي قبل، حاجباه غليظين، عيناه ضيقتان جشعتان، بشرته سمراء، شفتاه سوداوتان، يعض بأسنان صفراء مفرقة عليهما، يدفع الغلام إلى الداخل، تشجع يا جبان، ادخل. تمسك بجلابية أبيه، احتضن قدميه، محاولة أخيرة علّه يستثير شيئاً من بقايا أب في قلبه أو بقايا إنسان على الأقل. -لمَ أنا؟ أرسل أخي هريدي مكاني. -أنت صغير جسدك النحيل الهزيل هذا قد حان أوانه، لن يتسع هذا الممر الضيق لغيرك، لا تخف، أعدك لن يحدث أي مكروه. ينظر إلى عيني أمه مستنجداً، جالسة في زاوية الغرفة، تحتضن أخته زينب، تضمها بقوة، فاطمة بجوارها، تبكي بصمت أخاها الخائف، الأب يلف الحبل على قدميه بإحكام، ثم يحمله ويضع رأسه في مرر ضيق بالكاد يتسع له، ويدفعه إلى الداخل. -تقدم يا مصطفى، تمسك بالمصباح جيداً، أخبرني ما ترى على الجدران، صف لي كل شيء. في قرى أسيوط كثير من الناس مهوسون بالمدافن الفرعونية، وما تخفيه من كنوز، وكل ما يلزم لينقلب الحال بين ليلة وضحاها من الفقر إلى الثراء، أن تجد بطريقة أو بأخرى إحدى هذه المدافن. وبصورة مثيرة للغرابة، بعض الناس يقضون حياتهم يبحثون عن الكنوز بعيداً، في حين أنها تحت أقدامهم مباشرة. قبل ساعة، ظهيرة يوم 19-4-1910 ميلادي، مصطفى البالغ من العمر ثمانية أعوام، مستلقٍ على الأرض بسلام، يلعب بحصان خشبي صغير، في حين تلعب زينب وفاطمة ببضع حجارة لعبة شعبية “السبع حصوات” الأم تشبك قميصاً تشقق للمرة العاشرة، الأب يدخن الشيشة في حين يتفقد هريدي حظيرة الماشية في الغرفة الخلفية. ثم على حين غرة، نادى بصوت متلهف: أبي، أبي، ….. -ما بك!؟ -تعال بسرعة ذهب الأب إلى الحظيرة، لا يفصل بينها وبين الغرفة إلا جدار وباب خشبي ثم خيم صمت مطبق على المكان. هريدي: ما هذا؟ هل هي مغارة؟ -متى ظهرت؟ -الآن، بلا سابق إنذار، انهار التراب بجوار الجدار، وظهرت أسفل منه هذه الحفرة! نظر إلى أبيه نظرة ملؤها الغموض: هل هذا …. -اسكت، دعني أتأكد أولا. أحضر معولاً، بدأ يحفر أسفل الجدار محاولاً عدم إثارة أي ضوضاء، ثم فجأة صوت فاطمة تصرخ من الغرفة. أسرعا إليها، ليجدا أن حفرة أكبر قد انهارت في الطرف الآخر للجدار، كاشفة ستر سرداب مظلم ضيق، وفي صعيد مصر، فهذا السرداب، قد يعني أكثر كثيراً من مجرد كنز مدفون في نهايته. -اخرسي، إياك أن يسمعك أحد. أغلقت فاطمة فمها بيدها، أغلقت الأم بيدها فم زينب، فلا بد من السرية، لو سمع الجيران وتسرب الخبر، قد يُسجن الأب، وتصادر الحكومة المنزل والمنازل حوله، فهنا هذه السراديب قد تدل على مقابر أثرية، إرث تاريخي للدولة، ومن حقها. اتخذ الأب القرار سريعاً، السرداب ضيق بالكاد يتسع لمصطفى سنربط قدميه بحبل ونعطيه مصباحاً يزحف داخله يصف لنا ما يراه فلو كان ثمة نقوش في الداخل فلا مجال للشك، مدفن فرعوني أو لعله مقبرة بدارية وفي كلتا الحالتين سنودع الفقر للأبد. الأم: يا صالح، ألا يجب أن تستشير مجلس الحكماء؟ هم أمناء سر الدفينة ولن يظلموك في نصيبك من الكنز. الأب: ليس الآن، دعينا نتأكد مما يحتويه أولاً. -ماذا لو كان هذا المدفن ملعوناً! وحلت علينا لعنته، هم فقط من يمكنهم التعامل مع لعنات القدماء. -لن نفتح المدفن إن وجد، أريد معرفة النقوش على السرداب الداخلي فقط وما في نهايته. نظر إلى مصطفى: اسمع يا بني صف لي كل ما تراه وإذا وصلت إلى حائط مسدود أو باب، عليك حفظ الرسوم عليه عن ظهر قلب. الفتى يبكي خوفاً، وترتعد قدماه ويداه، الأب يدفعه بقوة إلى داخل السرداب. بدأ يزحف في ممر ضيق، بالكاد يتنفس: أبي أرى نقوش غريبة الشكل هنا، هنا كذلك، وهناك… -حسناً أكمل يا بني، ادخل أكثر. ضاق نفسه، لا يمكنه المواصلة، لم يعد يرى شيئاً، الغبار في كل مكان، بالكاد ابتعد عشرين متراً، شفتاه تنطقان بكلمة واحدة “اسحبني، اسحبني” يتنفس بصوت مرتفع، عيناه تذرف الدموع، شفتاه ترتجفان “اسحبني أبي اسحبني” ما لبث أن دوت صرخة، وبدأ الحبل يفلت من بين يديه، الغلام يسقط للأسفل بسرعة، حاول تثبيته، ساعدني يا هريدي، يحاولان سحبه ثم دوت صرخة أعلى من التي سبقتها، اندفع الاثنان نحو الخلف سقطا أرضاً. نهض الأب، وبدأ يسحب الحبل، خفيفاً لا وزن له سرعان ما انتهى السحب سقط الغلام في بئر عميق أو ما شابه، شيء ما قطع الحبل عن قدميه لم يستوعب عقله بعد ما يجري، حين بدأت الأرض تُخسف فوق الجدار، ثم انهار السرداب كله تاركاً خلفه حفرة وردماً فوقها. سقطت فاطمة مغشياً عليها، هرعت زينب إليها، الأم المكلومة تضرب وجهها بيديها، وتحف التراب على رأسها تصرخ بأعلى صوتها بحرقة دامية… مصطفى… مصطفى… ولدي. سرعان ما هرع الجيران إليهم، سرعان ما فهموا ما جرى، يا لك من غبي يا حاج صالح كيف ترسل ابنك إلى الداخل هكذا؟! ما بك يا رجل؟! نادى أحدهم استدعوا أحدا من مجلس الحكماء سريعاً، علنا ننقذ الغلام. بعد نصف ساعة، وصل الحكيم، رجل في السبعين من عمره، نظر إلى النساء والرجل، بنبرة صارمة أمرهم: “اخرجوا جميعاً، لا يبقى هنا إلا من شهد على الحادثة إياكم ثم إياكم أن يتفوه أحد منكم بحرف واحد، حياته ستكون الثمن”. الأب: نحتاجهم، نحن بحاجة الرجال جميعهم لإنقاذ مصطفى، دعنا نكمل عملية الحفر. نظر الحكيم إلى الجدار المنهار: هل سمعت له صوتاً بعد سقوطه؟ -لا، انهار كل شيء فوقه. -قال شيء عما رآه؟ -نعم قال: إنه يرى نقوشاً غريبة. -وصف شيئاً منها؟ -لا فقط هذا ثم بدأ ينادي اسحبني، بالكاد بدأت سحبه حين انقطع الحبل وكأنه سقط في بئر عميق، ثم خُسفت الأرض وانهار الجدار. -لا شيء آخر؟ أطبق الأب شفتيه، شيء يريد قوله، متردداً يخشى أمراً ما. زم الحكيم عينيه، بنظرة مريبة، قال: تحدث يا صالح، لا تخف، ما الذي حدث بعد انهيار الجدار؟ -سمعنا صرخة غريبة، لا أعلم هل هي صرخة مصطفى أم ما تكون، لم يبد كأنه صوته، ثم شعرت بتيار هواء يخرج من السرداب ثم…… برقت عينا العجوز: أكمل. نظر الأب إلى فاطمة، تجلس بجوار أمها رأسها على كتفها منهارة تماماً، قبل برهة كان مغشياً عليها قال: ثم سقطت ابنتي أرضا. الحكيم: هل فقدت وعيها؟ -نعم. بحزم قال: لا تتفوهوا بحرف واحد، ولا تخبروا أهل القرية بهذا، أبقوه طي الكتمان حتى أدرس الموقف. الأب مرتبك، أمر يخشاه، قال: ومصطفى؟ ما الذي سيحل به؟ -مصابك عظيم، لن يحيا بعد كل الذي انهار فوقه، والله وحده يعلم أين سقط، المهم الآن هو ألا تعلم الحكومة بما جرى، لا بد من إنقاذكم. نظر إلى فاطمة: خصوصاً ابنتك، فكر بها الآن! الأم: ولدي، لا تتركوا ولدي. الحكيم بنبرة حازمة، كرر ما قاله للأب: رحم الله ولدك يا حاجة لا بد أن تفكري بعائلتك الآن، خصوصاً ابنتك هذه. التصقت فاطمة بأمها أكثر، تخشى شيئاً تجهله، في حين سلم الأب أمره، لا بد من إنقاذ العائلة، رحم الله مصطفى. في هذه البلاد. الحكماء يعلمون كل شيء يعلمون أسراراً لا يعلمها غيرهم، وقد لا تعدوا هذه الأسرار أكثر من كونها خزعبلات لا أساس لها، بلا منطق لكنها تعطيهم هالة من الوقار وقدر اً من السلطة، والمال، لا يملكه غيرهم. لن يجادلهم أحد، في شيء يطلبونه أبداً، خصوصاً أنهم فقط، من يعلمون كيف يتعاملون مع لعنات القدماء، الذين كانوا يحفظون مدافنهم وكنوزهم ويلعنوها بشكل ما، ليحموها من اللصوص، واحدة من أكثر اللعنات قوة، هي أن يذبحوا حيواناً ما، في مراسم وطقوس خاصة، وأكثرها خطورة وجنوناً، تلك اللعنة التي عليك ألا تحاول الاقتراب منها، مهما كانت المغريات، لعنة وجدت على إثر ذبح إنسان على باب المدفن. علم الأب هذا، والأم كذلك، شكوك تدور حول لعنة بقيت دفينة الآلاف السنيين، خرجت لتوها من السرداب لتستقر في فاطمة، وفي حال حدث هذا، فلن تنتهي اللعنة إلا بطريقتين لا ثالث لهما. الطريقة الأولى، عبر الحكيم، الذي يملك القوة والخبرة الكافية لطرد اللعنة من الفتاة الطريقة الثانية ” الفرن “. Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Zainab’s Curse - Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل السابع عشر. دماء فرعونية April 26, 2023April 29, 2023 -أخيراً يا زينب، نجحتِ في إنجاب طفلتي. -طفلتنا يا حتشبسوت. -بل طفلتي، لا تغضبي يا… Read More الفصل الأول. الفرن April 26, 2023April 29, 2023 تسمرت زينب في مكانها خائفةً ترتجف من هول ما تراه عيناها، ترتجف جسدها ينتفض، كأن… Read More الفصل الثالث والعشرون. التركماني النبيل April 26, 2023April 29, 2023 الموت، معضلة شائكة، لا نعلم متى يأتي وكيف، وفي بعض الأحيان لا نعلم لماذا، صدمة… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل السابع عشر. دماء فرعونية April 26, 2023April 29, 2023 -أخيراً يا زينب، نجحتِ في إنجاب طفلتي. -طفلتنا يا حتشبسوت. -بل طفلتي، لا تغضبي يا… Read More
الفصل الأول. الفرن April 26, 2023April 29, 2023 تسمرت زينب في مكانها خائفةً ترتجف من هول ما تراه عيناها، ترتجف جسدها ينتفض، كأن… Read More
الفصل الثالث والعشرون. التركماني النبيل April 26, 2023April 29, 2023 الموت، معضلة شائكة، لا نعلم متى يأتي وكيف، وفي بعض الأحيان لا نعلم لماذا، صدمة… Read More