الفصل الثاني عشر. سقوط الإمبراطورية

في عام 1913 ميلادياً، تمكنت جمعية الاتحاد العثماني من تولي السلطة في تركيا بالكامل، وتأسيس حكومة الحزب الواحد.

تبدلت شعاراتها بالكامل، فمن تطوير الإمبراطورية العثمانية وفق أسس حديثة، إلى شعارات قومية عنصرية، نحو تتريك الدولة، انزلقت الحركة نحو التعصب للقومية التركية، ومحاربة حتى اللغة التركية، حيث طالبوا بتنقيتها من جميع المصطلحات العربية، وإلغاء الأحرف العثمانية منها.

وما إن تمكنت من الدولة، حتى غيرت اسمها في عام 1915 ميلادياً، من جميعة الاتحاد العثماني، إلى جمعية الاتحاد والترقي.

شطبوا من اسمهم كلمة العثماني، وكل ما يشير للعثمنة، فلم يعد الوقت وقت شعارات يخدعون بها عوام الناس؛ ليحركوهم ضد السلطان، والإمبراطورية، بل بات بمقدورهم كشف حقيقتهم.

ثم سرعان ما قدمت جمعية الاتحاد والترقي نفسها بوجهها الحقيقي الكامل، في عام 1916 ميلادي، نقطة تحول أيديولوجي هامة، أعلنت الحركة عن تبنيها رسمياً، للعلمانية بالتشريعات والقوانين، وألغت على إثر ذلك الدين الإسلامي والقرآن الكريم، والتشريعات الإسلامية، من الدولة.

خريف عام 1916 ميلادياً، الحرب العالمية الأولى مندلعة منذ عامين، أربعون ألفاً من قوات الجيش العثماني، مسلمون أتراك وعرب وكرد وغيرهم، يقاتلون على جبهة أوكرانيا ضد الجيش الروسي، بعد تحالف الدولة العثمانية مع دول المحور بقيادة ألمانيا.

تم إرسال الفيلق الخامس عشر من الجيش العثماني التركي إلى غرب أوكرانيا، في منطقتي غاليسيا وفولينيا، لمساندة القوات الألمانية لصد هجوم قوات الإمبراطورية الروسية.

وكعادتهم، العثمانيون شديدو البأس، رجالُ حرب، إلا أن الطقس! معضلةٌ شائكة، هزمهم البرد والثلج قبل أن يتكبدوا خسائر فادحة على يد الجيش الروسي، ويؤسر أكثر من 600 مقاتل تركي، قبل انسحاب البقية من الأراضي الأوكرانية.

تركي عثماني واحد، نجا من الموت، والأسر، والهزيمة.

الأمير المنسي، الأمير سليمان.

أميرٌ صغيرٌ بالكاد يعرفه أحد، قرر معارضة قرار البلاط الحاكم في التحالف مع ألمانيا، حاول التأثير في السلطان، نحو ضرورة استعادة هيبته وسلطته في البلاد، قبل أن تنهار الدولة بالكامل، رأى أنه قرارٌ خاطئ، ومعارضته هذه كلفته الكثير، تم نفيه على يد جمعية الاتحاد والترقي، ليس بعيداً عن إسطنبول وعن الحرب كلها، بل إلى أكثر بقاعها سخونة، أوكرانيا، وليس بصفته أميراً، ولا قائداً عسكرياً، بل جندي لا حول له ولا قوة إلا طاعة الأوامر، سُحب منه جميع ألقابه الملكية.

رفض وتمرد، وهرب من الحرب.

اُعتبر خائناً، تم إغلاق ملفه إلى الأبد، فهو وصمة عار في جبين العثمانيين وتركيا، إلى يوم القيامة، هكذا قيل، وهكذا نُسي الأمير، ونَسي هو من يكون، عاش في أوكرانيا بعد تحريرها، باسم مستعار، وكنية مستعارة، نسب نفسه إلى عائلة زوجته التي أنجب منها، ولم يبق له من هويته، إلا أوراقه الملكية، احتفظ بها سراً، هذه الأوراق التي لم تعد تعني له ولنسله شيئاً، أكثر من أنها لعنة قد تحل عليهم، ستحرمهم من جميع حقوقهم في أوكرانيا، وقد تنفيهم خارجها، إن تسرب حقيقة أصولهم.

أوراقه الملكية، احتفظ بها بعيداً جداً عن إسطنبول، وعن أوكرانيا، في جنوب مصر، أسيوط، كُتب لها أن تبقى دفينة ذلك القصر، لوقت طويل.

في العام 1918 ميلادياً، بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى، تفككت الإمبراطورية، وحلت جميعة الاتحاد والترقي نفسها، وهرب زعيمها خارج البلاد.

لتدخل تركيا بعدها مرحلة جديدة، دولة علمانية، وتنحسر حدودها على حدود تركيا الحديثة، وتتقاسم دول التحالف المنتصر في الحرب، ما تبقى من أراضيها.

مرحلة تخبط، نُفي خلالها السلطان وجميع عائلته، وطويت صفحة العثمانيين من التاريخ.

أُسدِل الستار على قصة إمبراطورية، وآخر خلافة إسلامية.