April 26, 2023April 29, 2023 الفصل الحادي عشر. الأزقة لن تنساكم -ستنامين منذ الليلة في غرفة خاصة بك في الطابق العلوي، بجوار غرفتي تماماً. التفت إلى حسن: ما زالت صغيرة، زواجكم سيكون صوري على ورق فقط، لن تمسها أو تقترب منها، قبل أن تصبح امرأة ناضجة، جسدياً وعقلياً، وتكون جاهزة للزواج وتأسيس أسرة بالفعل، حتى لو استغرق الأمر انتظارك أن تتم الثامنة عشر من عمرها، ستعيش بيننا، فرد من العائلة، ثم بعد أن تنضج، ستنتقل معك إلى غرفتك، هل تفهم هذا يا بني؟ أنت من قررت، وعليك تحمل تبعات قراراتك. في اليوم التالي، بدأت ترتيبات الزواج على قدم وساق، رأت زينب أهلها لأول مرة منذ وقت، زاروها في القصر، فهي ترفض العودة إلى البيت، والفرن، قطعياً، فرحين بالمستجدات، يبدو كأن جميع المشاكل قد حُلت، وعادت المياه إلى مجاريها، حياة مبهرة تنتظرها، إلا أن شيئاً واحداً يُعكر صفو مزاج حتشبسوت. في غرفتها الجديدة في الطابق العلوي، حتشبسوت غاضبة، لا تتمالك أعصابها، تباً للسيدة كريمة، من أعطاها الحق! يُمنع علينا المبيت معه في غرفة واحدة! حتى الثامنة عشر! سبع سنوات كاملة؟! هل جُنت! بقيت حبيسة المدفن لآلاف السنين، خرجتُ لتوّي من تجربة قاسية مع ذلك العجوز النتن، ثم عندما تبتسم لي الحياة، تحرمني هذه المرأة منها، بحجة النضوج، من قال إننا غير جاهزتين للزواج، بل أنا وأنتِ في جاهزية تامة لبناء أسرتنا الصغيرة، سحقاً لها، لولا حسن لكنا الآن نحترق في نار الفرن، كادت تسلمنا لهم، لا بد من مكافئته، لا يحق لها منعه عنا، ومنعنا عنه. أما زينب، فالأمر لا يعنيها شيئاً، نالت سلفاً أقصى ما تمنته، النجاة من الموت، وأكثر من ذلك، فقريباً ستكون زوجة حسن، حتى لو على الورق فقط، وبعد سنوات، سيتسنى لها إنجاب أطفال منه، يحملون دماء عثمانية ملكية، ودماء فرعونية، يا له من خليط كيميائي مثالي. حتشبسوت: لا تقبلين بهذا، لن نسمح لها أن تبعدنا عنه. زينب: ما المشكلة في ذلك؟! لا أعلم لما تصرين على البقاء قربه! -إنه زوجنا، مكانه معنا، لكن تلك العجوز الشمطاء! تباً لها. -من تقصدين بالعجوز الشمطاء؟ السيدة كريمة؟ -ومن غيرها، ذات الفم الصغير، أتمنى لو سددْتُ حلقها بأصبعي، وخنقتها حتى الموت. -ما بك يا حتشبسوت، بدأت تخيفينني! إنها مهذبة، باتت تعاملني كابنتها، ما خطبك؟! -ما زلتِ صغيرة يا زينب، لم تعلمي كم هي شريرة بعد، أتمنى لو تعلق حبة توت في حلقها الصغير هذا، وأراها تختنق حتى الموت، أمام عيني. -بل طيبة القلب، ثم إن فمها الذي تعيبين، هو أجمل ما فيها. حتشبسوت، غاضبة من السيدة كريمة، لأنها منعت حسن من الدخول بها، فزينب ما زالت صغيرة، لا بد أن يشتد عودها، قبل الإقدام على خطوة كهذه، ورغم أنه في صعيد مصر، فلا حرج في أن تتزوج الفتاة في عمر زينب، إلا أن كريمة، مختلفة، أرستقراطية عثمانية، لن تسمح بزواج حسن من قاصر، ليس قبل أن تبلغ عمراً يؤهلها ذلك، وإلى ذلك الحين، فسوف يبقى هذا الزواج حبراً على ورق. فضلاً عن كثير من القصص، التي تحكي موت فتيات في الصعيد في مثل عمرها، في ليلة الدخلة، لا يتحملن فض بكارتهن في هذا العمر الصغير، سبق وحدث مثل هذا من قبل. في المخزن أخرج عبد الحق رزم أوراق من الصناديق، وضعت أسفل بضائع متنوعة، ضمها إلى بعضها في حزمة واحدة، ووضعها في صندوق واحد، ثم نقلها إلى قاعة الاجتماعات السرية، قال: يجب ألا يطلع أحد على ما فيها، سيبقى أمرها سراً بيننا نحن الثلاثة. رفعت السيدة كريمة سجادة عن الأرض، تحتها باب حديدي، أخرجت حزمة مفاتيح من حقيبتها، فتحت الباب، أسفله قبو آخر، نزلوا الدرجات، على الحائط خزنة كبيرة، محكمة الإغلاق، فتحتها بمفتاح خاص، لفت قرصها، على الأرقام الصحيحة. -هذه الخزنة قديمة جداً، نستخدمها للأمور الهامة، ولكن كما ترى يا سيدي، فارغة تماماً، فمنذ عُزل السلطان، توقف عملنا، فالأوضاع في إسطنبول غير مبشرة بالخير. تقدم عبد الحق، ووضع صندوق الملفات داخلها، قال: ثقي تماماً، أن ما بها الآن، أكثر أهمية من أي شيء وضع داخلها من قبل. حسن: هل لك أن تطلعنا على شيء منه؟ -هذه الملفات أمانة لديكم، لو حدث أي مكروه، فلا تسمحوا أن تقع بيد غريب. أضاف: قضية واحدة مفتوحة لم تُغلق حتى الآن، لا بد من العمل عليها. حسن وقد استبشر خيراً، شيء هام أخيرا يبدو في الأفق: ما هي يا سيدي؟ عبد الحق: لدينا تأكيدات أن جهازاً سرياً، مقر عمله في جزيرة مالطا، نعتقد أنهم سلف فرسان المعبد، لديهم شيء هام، كان له دور فاعل فيما حل بنا، نود إكمال العمل على هذه القضية، كل ما تمكنا من جمعه من معلومات، والقصة كاملة، أرشيفها، موجود في هذه الملفات، هي ثمينة جداً. أضاف: سنحاول قدر المستطاع إحياء هذه القضية، رغم صعوبتها وتعقيداتها. أغلق الخزانة، نظر إلى حسن: وإن لم نتمكن من المواصلة، لا بد أن يأتي يوماً من يمكنه فعل هذا، من يمكنه سبر غمار غموض ما يجري في جزيرة مالطا، وما الذي بحوزتهم، فها هنا، في هذه الخزنة، تكمن اللبنة الأساسية. حسن: هل تود مني المباشرة على العمل عليها؟ -لا، ليس الآن، لنستقر ونرتب أوراقنا أولاً، في الحقيقة هي متوقفة منذ عُزل السلطان، إنها كاللعنة يا حسن، كلما جمعنا عنها معلومات أكثر، نزل علينا المزيد من المصائب، وجلبت لنا الويلات. -لعنة؟ لمَ استخدمت هذه الكلمة؟ -تعبير مجازي، فاللعنة هي قوة غير مفهومة، لا نستطيع التعامل معها، ولا يمكنك توقع نتائجها، فأسمينا هذه الحالة باللعنة، نبرر بها قلة بياناتنا وضعف معرفتنا عن أسبابها. قوة غير مفهومة، طالما برر البشر جهلهم وقلة بياناتهم عن أي ظاهرة يعجزون عن فهمها بالقوة المجهولة، السحر، الشعوذة، اللعنة، الخوارق. في الحقيقة فجميع هذه الخرافات، الخزعبلات، لا تعدوا كونها جزءاً أصيلاً من النفس البشرية، فما الفرق إن كانت لعنة زينب حقيقة موجودة بالفعل، أو إن كانت وهم خيالها، فالمهم هو ما سوف يترتب على وجود هذه اللعنة. وما الفرق إن كان من مقرٍ في ” مالطا ” يعبث بهذا العالم، أم كان وهم وسراب طارده جهاز يلدز! فالمهم هو أن الإمبراطورية على وشك الانهيار، أو انهارت بالفعل. قبل أعوام، ضابط في جهاز يلدز، عبد الحق، تتبع جمعية الاتحاد، أراد معرفة الداعمين لها، وحقيقة نواياهم، تعثر في طريقة بمعلومة عابرة، ليست ذات أهمية تُذكر، إلا أن حدسه الاستخباراتي، قال له شيء آخر، تتبعها، وصل في نهاية الأمر إلى جزيرة مالطا، زرع خلية من الجواسيس هناك، تمكن من اكتشاف وجود جهاز سري يحاول العبث بالعالم. قُتلوا جميعاً، وطاردت تلك الجهة مجموعة عبد الحق حتى في إسطنبول، عندها أصبح وجودها حقيقة دامغة، وخطورتها بالغة، فهي جادّة جداً، ستطارد، وتقتلُ، كل من يحاول البحث عنها. ضباط يلدز المقتولين غدراً، ملفهم بالكامل، وكل ما جمعوه من معلومات، بالإضافة لأوراق الأمير المنسي، كلها باتت مودعة في خزنة مُحكمة الإغلاق، في قبو قصر في أسيوط، جنوب مصر، لا يعلم بوجودها إلا عبد الحق، السيدة كريمة، وحسن. الأمور في أسيوط باتت هادئة، يجهزون لحفل الزواج المرتقب، في الوقت الذي تلتهب به حرارة الأحداث في حي أوسكودار الإسطنبوليّ، زاوية صوفية، بناء جديد من طابقين، طُلي حديثاً باللون الأصفر الفاتح، بباب حديدي أسود مُزين بالنقوش العثمانية. المبنى بالكامل محاطٌ بجنود حركة الاتحاد، والشيخ عمر محاصر بالداخل مع رجاله، يطالبوهم بالاستسلام، إلا أنهم يرفضون، سنموت ها هنا، يكفينا فخر أننا آخر رجال الامبراطورية الصامدين. -سلمنا ما لديك من ملفات يا عمر، وسندعك تعيش ورجالك. جاء صوت ينادي عليهم من الخارج. ابتسم الشيخ، جالس على كرسي في الصالة، حدث نفسه: لا، لن تحصلوا عليها، فلم يعد ما تبحثون عنه هنا، ولن تنالوا مني، ولن تعلموا إلى أين أرسلتها. أمسك مسدسه، بصوت جهور لا يخشى الموت. -قاتلوا يا رجال، قاتلوا حتى آخر جندي، سنموت ها هنا، سنموت اليوم، ومن منا لن يموت يوماً ما؟! سنموت ها هنا، نعم، لكن سيعيش دراويش يلدز، أطول كثيراً منا، ومن قاتلينا، لا تهابوا الموت، فالأزقة ستتذكر، ولن تنساكم أبدا. قاتلوا كما قاتل العثمانيون دوماً، لم يسلموا أنفسهم. ومع حلول المغيب، عشرات الدراويش جثث هامدة داخل الزاوية، وفي الأزقة المجاورة لها، وقد أخذوا معهم خارج هذا العالم، مئات الجنود المقتحمين. سرعان ما طارت الأخبار إلى مسامع الأمير سليمان، بات وحيداً، ضعيفاً، محطماً بالكامل، دخل في عزلته، قُضي الأمر، لا أمل بالنجاح. انتهى كل شيء في الزاوية والأزقة حولها، انتهى بصورة ملحمية، تليق بها، إلى حين، حيث ستشهد هذه الأزقة، مرة أخرى، ملحمة من نوع آخر، وأبطال آخرون، وتكتيكات مختلفة. فكما يبدو، فإن الحرب بين دراويش يلدز، وتلك الجهة السرية في جزيرة مالطا، ما زالت فصولها في بدايتها. أسابيع تلتها، انتهت مراسم الزواج الصوري، والوضع في أسيوط ليس أفضل حالاً منه في إسطنبول، فلم يعد عبد الحق يعلم ما يفعله! تائهاً ضائعاً، بعيداً جداً عن موطنه، قُتل الشيخ عمر، والرجال جميعهم، يجهل وضع الأمير سليمان، لم يبق شيء يمكنهم العمل عليه، مهمته باتت شبه مستحيلة. لم يعد من وجود لدراويش يلدز، إلا شيء واحد، ما زال يستحق الاهتمام، خِتمُ الدراويش، مع مجموعة أوراق في خزنة سرية في قبو القصر. بات من المستحيل مواصلة العمل على القضية، ليس في المنظور القريب، فما يهم عبد الحق حالياً، هو تأمين أفراد الخلية، فلعل حركة الاتحاد باتت تعلم شيئاً عن خلية أسيوط، وأول إجراءات التأمين، هي الخمول تماماً، التوقف عن أي عمل مثير للريبة، إلا أنه لا بد من العودة إلى إسطنبول، للتواصل مع الأمير سليمان. مجموعة ملفات لم يعد لها ذو نفع الآن، ولكن من يعلم! ربما في يوم ما، تقع في يد شخص ما، صُنع من خليط من التناقضات! خليط من ملاك وشيطان، إيمان وطلاسم، حقيقة ووهم خليط كان لا بد له أن يكون، ليصنع ما يجب أن يكون. Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Zainab’s Curse - Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل الخامس. نسل الأمراء April 26, 2023April 29, 2023 لاقت مصر عبر التاريخ أهمية بالغة، فلم تكن حضارة الفراعنة إلا نتاج طبيعياً لموقعها الجغرافي… Read More الفصل الواحد والثلاثون. نوبيا ملكة الذهب April 26, 2023April 29, 2023 يد تربت على كتفها، رفعت رأسها، العمة ألارا تبكي، رحم الله فؤاد. نظرت إليها، قالت:… Read More الفصل الثالث والعشرون. التركماني النبيل April 26, 2023April 29, 2023 الموت، معضلة شائكة، لا نعلم متى يأتي وكيف، وفي بعض الأحيان لا نعلم لماذا، صدمة… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل الخامس. نسل الأمراء April 26, 2023April 29, 2023 لاقت مصر عبر التاريخ أهمية بالغة، فلم تكن حضارة الفراعنة إلا نتاج طبيعياً لموقعها الجغرافي… Read More
الفصل الواحد والثلاثون. نوبيا ملكة الذهب April 26, 2023April 29, 2023 يد تربت على كتفها، رفعت رأسها، العمة ألارا تبكي، رحم الله فؤاد. نظرت إليها، قالت:… Read More
الفصل الثالث والعشرون. التركماني النبيل April 26, 2023April 29, 2023 الموت، معضلة شائكة، لا نعلم متى يأتي وكيف، وفي بعض الأحيان لا نعلم لماذا، صدمة… Read More