الفصل الخامس والثلاثون. سأحطم جمجمتها

-هذا آخر تنبيه لك، لم تعد طفلاً، انظر إلى نفسك، تبدو كالبغل، أنت في العاشرة الآن، أفهم ما أقوله جيداً.

أمسكته من أذنه، شدتها بقوة، نهرته: هل تفهم، فإن رأيتك مجدّداً تدافع عنها، أو تحاول الإمساك بي، في حين أعاقبها، أقسم أنني سأحطم جمجمتها أمام عينيك، ثم سأخبر الجميع أنك قتلتها بغبائك، في حين تلعبون، يا أيها البغل، هل تفهم؟

شدت أذنه أكثر، يتلوى ألماً، يتنفس بسرعة، شفتاه ترتجفان، جسده يرتعد، آثار الجلد على ظهره وكتفه، أبيض تخلله الكثير من اللون الأزرق والأخضر، بلع ريقه، هز مروان رأسه، حسناً يا أمي، لن أكرر ما فعلته، أعدك بذلك.

-لستُ أمك أيها البغل!!

مدت يدها: هيّا، قَبل يدي، واعتذر، حتى أعود أمّاً لك مرة أخرى.

قَبل يدها، ثم يدها الثانية، تذرف عيناه: أعتذر لكِ، وأعدك، لن أحاول منعكِ من ضربها، مجدداً.

ضمته إلى حضنها، بحنان الأم وطيبة قلبها: ابني حبيبي، تبكي لأنني قلت لستُ بأم لك، لا تخف، ما زلت أمك، طالما أنك تحسن التصرف.

مسح دموعه بأكمام قميصه، كرّر الوعد: أعدك يا أمي، لن أحاول منعك مرة أخرى، لكن لا تقتليها، أرجوكِ، إنها صديقتي، لا تؤذيها.

شدت رأسه إلى صدرها، حسناً يا بني، طالما أنك مهذب، لن يصيبها أي مكروه.

أغمض مروان عينيه، غطّ في نوم عميق.

قبلها بربع ساعة.

ونوبيا، يختبئون في الغرفة أسفل السرير، شجار محتدم في الخارج، بين ألارا وحتشبسوت! أمر استثنائي بشأن هذا الشجار، جعلهم يختبئون، فإن ألارا غير مبالية بوجودهم، وسماعهم لها، تشتم وتسب وتصرخ وتهذي بكلام غير مفهوم، مع نفسها، سمعوا حتشبسوت أكثر من مرة في غضون ذلك.

شجار اليوم مُختلف، ليس فقط لأن الأم تعلم أنهم يسمعونها، لكن لسبب آخر، فقد تكرر فيه اسم نوبيا، مسبوق ومتبوع بجمل تثير الرعب والخوف.

-لن أسمح لكِ يا حتشبسوت، إياك أن تحاولي، سأقتلك قبل هذا.

صمتت وكأنها تسمع شيئاً ما.

-سأقتلها إذاً، سأقتل نوبيا قبل أن تفعلي.

صمتت.

صرخت: كاذبة، مخادعة، إن مِتُ فسوف تموتين معي، ستحترقين معي.

وبصراخ هستيري أكثر: لا تحاولي، لن أسمح لك بالانتقال إلى نوبيا، هذه الحشرة، الوضيعة، لولا كرمي معها، لكانت الآن مرمية في الشارع، تأكل من حاويات القمامة، أو في ملجأ للأيتام.

بصوت فيه حشرجة، حتشبسوت تتكلم: بل سأفعل، تعبت منكِ، تباً لكِ، غبية تافهة لا مبالية، سأنتقل لها، ولن تمنعيني.

ضحكت بطريقة سوقية: تأخذ نوبيا الوضيعة هذه القوة مني!

ضحكة سوقية ثانية: سأحرقها وأحطم جمجمتها قبل أن يحدث هذا.

صمتت.

لا صوت إلا صوت أنفاسها، تأخذ شهيقاً، تخرجه كأنه إعصار نار من صدرها.

صرخت مجددا: حسناً سنرى إذاً.

ثم فجأة، وقع أقدامها خارج الغرفة، تقترب من الباب مسرعة، دفعته بكلتا يديها، كادت تخلعه من مكانه.

-أين أنتِ أيتها العاهرة.

لفها بيده، وضع يده الأخرى على فمها.

نوبيا ترتعد خوفاً، جسدها يرتجف، عيناها تذرف الدموع، بصمت.

مروان يحدق إلى قدمي أمه، تتنقلان من مكان إلى آخر في الغرفة، لا يرمش جفنه حتى.

تبحث في كل مكان، الخزائن، أسفل الطاولة، تصرخ بأعلى صوتها، أين أنتِ أيتها الساقطة، توقفت بجوار السرير، ثم انحنت على ركبها، مدت يديها، سحبتها من شعرها بكل ما أوتيت من قوة.

أمسكتها بإحكام، نوبيا تستنجد، تهزها وتلوح بها في الهواء، زحف مروان إلى قدميها، تمسك بهما، نهض وبدأ يحاول إبعادها عن نوبيا.

أفلتت الفتاة، ثم أمسكت به، طرحته أرضاً، ركضت كالمجنونة الرعناء إلى الخزانة، أخرجت حزاماً جلدياً منها، بدأت تجلده بلا رحمة، تباً لك أيها البغل، صراخها بات هستيرياً أكثر.

صرخت نوبيا مذعورة، باتت قوية على غير المعتاد، وعلى حين غفلة، هاجمت الأم، قفزت، بالكاد تمكنت من الإمساك بخصرها، توقفي، توقفي يا عمتي.

أمسكتها من شعرها، طرحتها أرضاً، تنهال عليها بكلتا يديها، لا شعورياً صرخت نوبيا مستنجدة: بيبرس.

حملتها مجددا، ودفعتها بعيداً، ارتطمت نوبيا بالجدار بقوة، ثم سقطت أرضاً.

لحظة بدت وكأنها دهر بأكمله، ناداها بأعلى صوته: سولماز.

ثم بدأ مروان بالصراخ الهستيري، كالمجنون، فاقد العقل تماماً.

حملته الأم إلى خارج الغرفة، جلست على مقعد، أوقفته أمامها، تصفعه، اهدأ، اهدأ، انتهى الأمر، لن أضربك أكثر من هذا.

إلا أن عليك تعلّم الدرس.

لا تحاول أبداً، منعي من معاقبتها

وإلا….

هاك يدي قَبلها، وسأسامحك يا بني.