April 26, 2023April 29, 2023 الفصل الرابع. لن تنال مني مرتين نظر الحكيم نظرة فاحصة، زينب تفترش التراب، طويلة ممتلئة يافعة رغم صغر سنها، تكبر عمرها بفتوة واعدة، وفي عيني العجوز كبرت أكثر، هز رأسه مستنكراً، موجهاً كلامه للأب: اللعنة تبحث عمن تنتقل له من دمها، أخشى أن تكون قد خرجت من فاطمة؛ لتستقر فيها! -يا حكيم، علها سقطت من هول ما جرى لأختها؟! -لا لا… حين تفحصت عينيها، كانت نظراتها مشابهة لنظرات فاطمة تماماً كأن اللعنة كانت طوال الوقت تنتقل من جسد فاطمة لجسدها، وبالعكس. رأى العجوز السلامة في قرب أختها الصغيرة منه، فاللعنة تحوم حولها، هذا إن لم تسكنها بعد -اتُخذ القرار- فالحكيم يعلم ما لا يعلموه، نجاة أسرار الدفينة وزينب في تزويجه إياها، حماية لها، لا بد من طقوس علاج وقائية، تحميها من ذاك المصير المحتوم. أما مهر فاطمة، فالعجوز لديه الكثير من المال، لن يستعيده، رغم أن من حقه استعادته بالكامل، فما ذنب هذا المسكين في ضياع ماله من بعد عروسه! إلا أنه لن يفجع الأب بإرجاع بالمال، يكفيه ما حل بعائلته ولن يحرمه فرحة مهر زينب كذلك. الأم المفجوعة ثكلى، رفضت هذا الزواج لكن متى كان للنساء في هذه البلاد رأي يؤخذ به! فُجع قلبها باثنين سلفاً ولن يُفجع في الثالث، شيء داخلها صدّق فاطمة، ولا تريد للثانية ذات المصير، إلا أنه في هذه البلاد، لا صوت للنساء، فلا دور لهم إلا الخدمة والإنجاب، تذرعت بصغر الفتاة: يا صالح، زينب ما زالت في العاشرة من عمرها ولم تخمد النار عن عظام أختها بعد، كيف لهذا الزواج أن يتم! -لا تقلقي يا امرأة، فالحكيم يدرك هذا، سننتظر بضعة أسابيع، وبعد انتقالها إلى منزله لن يمسها، قبل أن يراها باتت جاهزة تماماً، ونظيفة من اللعنات، فضلاً عن أن ما بيننا وبينه الآن أكبر منك ومن زينب، فالسرداب ما زال مغلقاً، ومصاهرتنا هذه ستعطينا كامل الحق بالدفينة، فهو الحكيم؛ يعلم كيف يخرج ما في داخله وكيف يبيعه حتى. زينب تبكي كثيراً تتألم، وجه أختها عيناها نظراتها والأب يزج بها داخل الفرن، لا تغادر مخيلتها، ستنال ذات المصير، إن فكرت بتكرار ذات الفعل، شيء ما يؤنبها يؤرقها فقد كانت السبب في تشجيع فاطمة على الهرب. إلا أن شيئاً تغير في الطفلة ذات العشرة أعوام، ما جرى لأخيها، أختها وما سوف يجري لها لعله ما غيرها! أو لعلها لعنة القدماء حقاً! أو لعلها تغيرات نتيجة خزعبلات، ظلم، طغيان، شهوة عجوز، صنعت توها لعنة، وخلقت روحاً شريرة، لم يكن لها وجود من قبل. ليلة بعد ليلة بكت وحيدة، يتهيأ لها خيالات في الغرفة تحوم حولها، تفيق من نومها في منتصف الليل بلا مبرر، لترى ما يبدو أنه امرأة تقف عند الباب، تُشبه فاطمة تنظر لها دون أن تتفوه بكلمة واحدة، ثم تغادر! -فاطمة؟ فاطمة هل هذه أنت؟ لا جواب تكمل نومها هلوسات لا أكثر. وفي ليلة، أفاقت من نومها، الأم واقفة على باب الغرفة… -أمي: ماذا تريدين؟ غادرت الأم الغرفة، دون أن تتفوه بحرف، لحقت بها زينب، تهمس لها بصوت خافت: أين أنتِ ذاهبة؟ أمي توقفي، لا يجب الخروج في هذا الوقت المتأخر! ثم تسمرت في مكانها، تنظر إلى الغرفة المجاورة، الأم نائمة في فراشها! نظرت من جديد إلى باب المنزل، لا أحد! شهر كامل على هذا الحال، اعتادت زينب ما يبدو أنه هلوسات تراها نتيجة ما سمعته من فاطمة، وما مرت به مؤخراً إلا أن الليلة استثنائية. ليست فاطمة ليست أمها بل امرأة فاتنة الجمال، في منتصف العقد الثاني، ممشوقة القوام، جسد مشدود، برداء فرعوني، صدر رحب، نهدان كبيران ممتلئان، عيناها سوداء واسعة، شعر أسود مموج بخصلات ذهبية، بشرة سمراء نقية تتلألأ على أشعة قمر تسربت للغرفة عبر فتحات صغيرة في النافذة، تقف منتصبة كأنها تمثال من الشمع، ومبتسمة. -من أنتِ؟ لم لا تتحدثين؟ لم تأتِ على هيئة فاطمة وأمي؟ ابتسمت أكثر، أغمضت عينها وهزت رأسها برفق. تحدثت للمرة الأولى: حتى تألفيني يا زينب، وتألفي وجودي، فلا تجزعي مني. -ومن أنتِ إذاً؟ -اسمي “حتشبسوت”. -أنتِ حتشبسوت؟ التي حدثتني عنها فاطمة؟ -ما الذي قالته؟ -قالت إنهم قبل أعوام قليلة، اكتشفوا مومياء ملكة عظيمة في الأقصر، اسمها حتشبسوت، لقد قالت للحكيم إنها حتشبسوت، علّها تُنهي العذاب. -لم تكن هي من قالت الاسم يا زينب، بل أنا. -أنتِ حتشبسوت الملكة؟ -هل تريدين أن أكون الملكة؟ -أريد معرفة من أنتِ؟! تقدم وجلست على الفراش جوارها: لست الملكة، أنا فتاة عادية، كنت من عوام الناس، أحبني رجل من السادة، وأرادني لنفسه. ابتسمت بخجل: لا مشكلة في هذا، فقد كان قوياً جميلاً وغنياً. أمالت رأسها، أشاحت بعيداً من النافذة، قالت: كنت سعيدة معه، عشت أجمل أيامي. بنبرة حزن: إلا أنه كان كثير الترحال. صمتت لبرهة، عادت عيناها إلى زينب التي تستمع بشغف لما تقوله، ثم بابتسامة خبيثة، ونظرة أنثوية ملؤها الرغبة، قالت: كثير الترحال!! يسافر أشهر تارك إياي وحيدة وسط الكثير من الخدم مفتولي العضلات، وكل ذنبي أنني أشبعت الذي لا بد من إشباعه، انظري إلى كم أنا جميلة! لا يجب ترك هذا الجمال وحيداً والسفر بعيداً عنه، كان عليه اصطحابي معه حيثما ذهب. وبنظرة عطف: المسكين، كم أنا حزينة عليه، عندما اكتشف الأمر، لم يحتمل وقع الصدمة، جمع جميع هداياه لي، ثمينة جداً، دفنها عميقاً في تلك المغارة، ثم استدعى الكاهن، ذبحني بطقوس خاصة داخل السرداب، لعنني للأبد، بقيت هناك الآلاف السنين، إلى حين فتحتوه أنتم. احمر وجهها بلا سابق إنذار، نوبة مفاجئة من الغضب، تحسست رقبتها، أحمر وجهها أكثر، تكاد تنفجر، قالت: ذبحني يا زينب، ذلك الوغد، ذبحني بالسكين بلا رحمة ولا شفقة. قفزت زينب عن السرير مبتعدة عنها، خائفة منها، ثم فجأة هدأت حتشبسوت، عادت ودودة لطيفة: تعالي جواري، يا أيتها المسكينة، لا تخافي مني، أعتذر لك، لم أقصد إخافتك. زينب بريبة: إذاً ما قاله الحكيم صحيح؟ لم يكذب على فاطمة؟ بنبرة استنكار: بل كذب يا زينب، لم أكن لألحق بها أي أذى، كل الذي أردته أن أتحرر من سجني ذلك، وقد فعلت، لكنه أراد استغلالها، وقد فعل. تابعت: تحت جلد السياط، أخبرته باسمي وعمري، لم أحتمل العذاب لم تكن زينب لتحتمله! إلا أنه دنيء غدار، وعدني أن يتوقف لو أجبته، ولم يفِ بوعده، ذلك الوغد. -لا بد من إخبار أمي بالأمر. -لا تفعلي يا صغيرتي، لن يصدقك أحد، ستظنك تحت تأثير ما حكته فاطمة، ما جرى لها ولمصطفى، كانت الفترة الماضية عصيبة عليكِ، ستظن أنني وهم من خيالك لا وجود لي، حتى لو صَدقتك، فسوف يثبت صدق العجوز عندها، وسوف تتزوجينه. زينب: سأتزوجه بالأحوال كلها، لقد دفع المهر، تم تحديد موعد الزفاف، بعد أسبوعين. بنبرة متمردة صارمة: لا، لن يقترب منكِ، لن أسمح لهذا الخبيث أن ينال مني مرة ثانية، رائحته نتنة، جسده مقرف، لن أسمح له أن يمسنا يا زينب. -لقد قالت فاطمة ذلك، رائحته نتنة، جسده مقرف، الكلمات نفسها التي تقولينها الآن، بالضبط. -نعم، فقد كنت معها، وكانت معي، طوال الوقت. يوم بعد يوم، توثقت العلاقة بينهما، تتجسد لها كل ليلة، تحدثها عن حضارة القدماء، رغم أنها لم تأتي بأي جديد مطلقاً، فكل ما قالته وتقوله سبق لزينب أن سمعته في مكان ما، فالناس جميعهم هنا يتحدثون عن هذا، إلا أنها باتت تسليها، وعوضت غياب فاطمة، أصبحت صديقتها المقربة حقاً. -لا بد أن تكوني قوية يا زينب، مواجهة العجوز تحتاج منكِ المزيد من الشجاعة، سأكون معك، لن أسمح بأذيتك. -لكنهم أحرقوا فاطمة، لمَ لم تمنعيهم؟ -لم تساعدني، فاطمة كانت ضعيفة، لم أتمكن من التجسد لها كما أتجسد لكِ، روحك أقوى، دماؤك نقية. -ماذا تقصدين بالدماء النقية؟ -عندما يُذبح إنسان بطقوس خاصة، كتلك التي فعلها الكاهن حين ذبحني، يُلعن أبد الدهر، ولا يمكنه الحياة إلا في جسد تتوافق دماؤه مع دماء القتيل، كلما كانت الرابطة بيننا قوية، كانت قدرتي على فعل الأشياء أقوى. -هل هذا يعني أننا من نسل واحد؟! -لم أدرك هذا حين كنت مع فاطمة، لكن القوة التي أشعر بها الآن، تؤكد أننا من نسل واحد، رابطة دم حقيقية تربط بيني وبينك. مع مرور الأيام، باتت زينب أكثر صلابة، فلديها الآن حليف قوي، تعهد لها ألا يخذلها. وفي ليلة الزفاف، أطلقت لساقيها الريح، إلى أي مكان طالما هو بعيد عن العجوز، والفرن. يلهج لسانها بشيء واحد! لن تنال مني مرتين لن تنال مني مرتين Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Zainab’s Curse - Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل الثالث والعشرون. التركماني النبيل April 26, 2023April 29, 2023 الموت، معضلة شائكة، لا نعلم متى يأتي وكيف، وفي بعض الأحيان لا نعلم لماذا، صدمة… Read More الفصل الثالث والثلاثون. الجواسيس الصغار April 26, 2023April 29, 2023 -انتظري قليلاً، ستبدأ الكلام بصوت مسموع، بدأ وجهها يصبح أكثر حُمْرَة. -أنا خائفة يا بيبرس،… Read More الفصل الواحد والعشرون. الممالك الهاشمية April 26, 2023April 29, 2023 تركمان العراق، هم نسل المهاجرين الأتراك لبلاد الرافدين عبر حقب متتالية من التاريخ، قبل قيام… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل الثالث والعشرون. التركماني النبيل April 26, 2023April 29, 2023 الموت، معضلة شائكة، لا نعلم متى يأتي وكيف، وفي بعض الأحيان لا نعلم لماذا، صدمة… Read More
الفصل الثالث والثلاثون. الجواسيس الصغار April 26, 2023April 29, 2023 -انتظري قليلاً، ستبدأ الكلام بصوت مسموع، بدأ وجهها يصبح أكثر حُمْرَة. -أنا خائفة يا بيبرس،… Read More
الفصل الواحد والعشرون. الممالك الهاشمية April 26, 2023April 29, 2023 تركمان العراق، هم نسل المهاجرين الأتراك لبلاد الرافدين عبر حقب متتالية من التاريخ، قبل قيام… Read More