الفصل الرابع والعشرون. المصائب لا تأتي فرادى

أفكار متقاربة، بين سردار والأب، فخطيب ابنته رجل شهم كذلك، من ضحايا العسكر، مثله تماماً، لديهم الكثير من الآراء المتشابهة، أحبه حسن الذي بات أرملاً عجوزاً في السبعين من عمره، أعياه المرض، على مشارف قبره، ارتاح باله أخيراً على ألارا، ستتزوج من هذا الشاب النبيل، وسيموت مطمئن البال عليها.

وكأنه لم يطق الحياة بعدها، رغم ما عاناه بسببها، إلا أن حباً خالصاً صادق سكنه يوماً ما.

رحل حسن سريعاً كذلك، بلا سابق إنذار، بعد بضعة أشهر، وقبل الزفاف بشهر واحد، بذات الطريقة، سكتة دماغية مفاجئة، لم تمهله الوقت لقول كلمة الوداع.

مكلومة أكثر من ذي قبل، وكلما ازداد ألمها، ازدادت شهامة الفارس النبيل، وازداد حبه لها، والتزامه بها، فهذه معادن الرجال، وسردار يأبى إلا أن يذكرها كل يوم أنه فارس الأحلام، هذا الذي تتمناه أي فتاة، ملجأها المنيع، وحصنها الحصين.

تأجل الزفاف عام آخر، لا يهم يا ألارا، إن أباكي رحمه الله، يستحق منا أكثر من مجرد الحِداد.

المصائب لا تأتي فرادى، بعد شهر واحد، مداهمة لرجال المخابرات المصرية، على شقة فؤاد، تمكن من الهرب في اللحظة الأخيرة، بصحبة زوجته، هائماً على وجهه، لا يعلم ما يفعل.

وكلما اشتدت الأزمات، وعظمت المصائب، تجلت معها أكثر معادن الرجال، صديقه المخلص، لن يتركه فريسة للعسكر، ساعده سردار على الهرب وزوجته إلى تركيا، أعطاه المال الكافي، لبداية حياة جديدة، اشترى له مقر لتأسيس شركة سياحية، في ساحة تقسيم الشهيرة، عله يبدأ حياته مجدداً.

قدرهما أن ينتظرا، عاماً جديداً، تطور خلالها عمل سردار في القاهرة، أكثر مما كان عليه في الأردن وليبيا.

وسرعان ما فكر بفتح فرع جديد، فالوضع الاقتصادي في ليبيا لم يعد كما كان، مستقبلاً مبهماً بعد الانقلاب العسكري، لا بد من نقل العمل من هناك، دول عربية حديثة بدأت تستقل بذاتها، في منطقة الخليج العربي، بات سوق مستقبلياً صاعداً، وقع اختياره على دولة الكويت، لها مستقبل زاهر لا محالة، أنهى عمله في ليبيا، ونقله إلى هناك.

يسافر بضعة أسابيع، ثم سرعان ما يعود، محملاً بالهدايا، وقصيدة شعر، والكثير من الأشواق.

الأيام تمر بطيئة على العاشقين، لم يمسس بها ألارا، ولا حتى قبلة واحدة.

نار الشوق تتأجج في صدره، وصدر حتشبسوت.