April 26, 2023April 29, 2023 الفصل السابع والعشرون. العجل السمين -أين الزيت؟ أين ذلك الطبق اللعين. نظرت في عينيه مجددا، نظرة فاحصة، تشنجت أصابعها، تكاد تنقض على رقبته الصغيرة، تتنفس بسرعة، وجهها أحمر، يهتز جسدها لا إرادياً، تود خنقه، قتله، حَشر يدها في حلقه وانتزاع أحشائه، تقطيعه إلى أجزاء ربما. تهدأ، تسيطر على نفسها، تبصق عليه، تقرصه أعلى فخذه، واحدة ثانية أكثر قوة، يكاد يختنق من البكاء، تحمله، تجوب به أرجاء الغرفة، وما إن يصمت المسكين، حتى تصفع وجهه، يبكي الرضيع مجددا، لا يعلم فيما البكاء! لا يفقه في الدنيا شيء بعد، إلا الألم، ولد معه، ولعله سيكون قدره. -على هونك يا حتشبسوت، تصيبيني بالجنون، سيموت مروان على هذا الحال! -مروان؟ تباً له، ولاسمه، بينما الآلاف النسوة ينجبون كل يوم بسلام، إلا أن هذا العجل السمين، أبى أن يخرج من رحمك كما يفعل الآلاف المواليد! دعينا نقتله، لن يشفي غليلي شيء إلا رؤية إصبعي محشور في حلقه، آه يا زينب، ليتك تعودين لتنظري ما حل لحالي من بعدك، نار تشتعل في صدري. -هل جننتِ؟! لا أمل لي في الإنجاب بعد اليوم، لن يكون لي ولد إلا هو، قضي الأمر، لا بد أن يعيش. أضافت: فضلاً عن قول الطبيب، أن لا علاقة لما جرى به! بلعت ريقها، تحسست رقبتها: تباً لهم جميعاً، حسناً، سيعيش، لسبب واحد، كي يموت كل يوم ألف مرة. قبلها بأسابيع قليلة، أنجبت ألارا، طفل ذكر، ضخم نوعاً ما، يزن أكثر قليلاً مما يزن المواليد عادة، عانت كثيراً في إنجابه، أصابها نزيف حاد، تدخل الأطباء سريعاً، وقاموا بعملية استئصال للرحم، لا مناص من هذا، لإنقاذ حياة الأم والجنين، الثمن مقابل حياته كان أن يبقى وحيداً للأبد، بلا أخ يشد عضده. سردار راضٍ بقضاء الله وحكمته، سعيد بالمولود، سرعان ما بدأ يكتب به الأشعار، في أثناء أسفاره وترحله، تارك مصدر إلهامه ومنبع كلماته، بين يدي أم مريضة نفسياً، مزدوجة الشخصية، مهووسة بجنون العظمة. لا حاجة للتبرير، فمصدر رزقه في كثرة ترحاله، ولتأمين حياة كريمة لمروان، لا بد من التضحية، لعله هكذا ظن، المال سيعوضه غياب أبيه، تارك إياه، تحت ما سوف ينال من عذاب، أو لعلها مجرد ذريعة، برر بها الأب مرهف الإحساس، الضعيف الذليل أمام ألارا، تركه الغلام لمصيره المحتوم. بينما حتشبسوت، يكاد يطير عقلها من هول ما جرى! ليس لفقدانها الأمل في إنجاب ألارا بعده، بل لأن مروان، غير صالح لأي انتقال مستقبلي. فلا هو عثماني ولا فرعوني ولا تركماني! خليط عجيب غريب من الأعراق، حتى إنها تكاد تقسم أنه يحمل في دمائه أعراقاً بائدة منذ الآلاف السنين! تباً له، كيف لهذا المخلوق أن يولد! نظرت في عينيه الآلاف النظرات الفاحصة، لا أمل لها معه، شيء غريب غير مفهوم فيه، بريق في عينيه، ليس بريق حتشبسوت، بل بريق مختلف، مخيف، مرعب، تجزع منه حتى اللعنات، جعل من فناء حتشبسوت مسألة وقت، ستموت يوماً ما مع ألارا، وستنتهي للأبد. خذ يا أيها العجل العليف السمين، ارضع تباً لك من بغل، على مثل هذه الشتائم والنعوت، تربى الرضيع، تجرع العذاب والإهانة، قدر مكتوب لا مناص منه، لطفل يكبر سريعاً، بات الرضيع فتى في عامه الدراسي الأول، يكافح لإيجاد ذاته، بلا ثقة بنفسه، وبلا ثقة بالعالم كله من حوله، يعاني من مختلف أنواع العنف الأسري، والتنمر النفسي واللفظي. امرأة عصبية بجنون، رعناء بلا عقل، تعاني من انفصام حاد في الشخصية، تؤمن أن روحاً فرعونية تسكنها، استفردت به وحيداً، تحبه مرة، تكرهه مرة، تطبب جراحه، تلك التي تسببت له بها قبل لحظات، وكأنه العجوز قبل قرابة الثمانية عقود، يجلد فاطمة، ثم يطبب جراحها، لستُ الشرير الذي تظنين، لا أفعل هذا إلا لمصلحتك، ومن أجلك. لا تتوانى بفضحه أمام الناس، تشكوه زوراً، وتشكو صعوبة تربية والتعامل معه، فهذا يبرر لها بعض ما قد يصلهم، عما تُلحقه به من عذاب، صعب المراس، عنيد، لا يسمع الكلام، وإن سمع لا يفهم، وإن فهم لا يلتزم، لا حيلة أمام إلا عقابه من حين إلى آخر. قضى ليالي خائفاً تحت السرير، فقبل برهة ركضت برعونة نحو الدولاب، وأخذت المقص بيدها، ستقص لسانه، ذلك الذي تجرأ وهددها بالبوح لأبيه عما تفعله به، في زيارته القادمة، سأقول له كل شيء! -كيف تهددني وأنا أمك، فلا أفعل هذا إلا لأجعل منك رجلاً ناضجاً قادراً على مواجهة مصاعب الحياة. هذه المصاعب التي قد يزيد طينها بلة حتى صوت أنفاسه، فالسكين لم تكن إلا لهذه الغاية، هذه السكين التي ستجز عنقه، إن تنفس بصوت مرتفع جوارها على السرير، فالأم الرعناء، لا تطيق سماع صوت في أثناء نومها، حتى صوت أنفاس ولدها. يد تلطم فمه، تشق شفته: قلت لك ألف مرة أيها العجل، لا تصدر أي صوت في أثناء تناولك الطعام! تناوله بلا أي حِس. -أعتذر يا أمي، صدر الصوت من فمي رغم عني، لن أكررها. يأكل لقمته ممزوجة بالدماء، وفي حين قد يتناول البشر لقمة واحدة بمعدل بضع ثوان، إلا أن قدر مروان، أن يمضغها لدقائق في بعض الأحيان، قبل بلعها، فمه يتحرك ببطء، يُقلب اللقمة بين أسنانه بحذر وخوف، عينيه على يد أمه تارة، وعلى كأس الماء جوارها تارة أخرى، فإن صدر أي صوت عفوي من بين شفتيه، لن تمهله الأم فرصة، سيكون الرد بلطمة على فمه، أو رشقة من الماء في وجهه. -هل تعلمون؟! هذا البغل في السادسة من عمره، وما زال يبول في الفراش! بهذه الكلمات، حاولت ألارا علاج مروان من تبول لا إرادي في أثناء النوم، لعله أصابه نتاج ما يراه من عذاب ومعاناة، كلمات قالتها لكل من هب ودب، جيرانهم، معلمته وزملاؤه في المدرسة، أصدقاؤه في الحي، فالفضيحة هي أسلوبها الناجع في العلاج النفسي من أي مشكلة قد يعاني منها. تلك المناطق في الجسد، التي يغطيها اللباس عادة، الغنية بالخلايا الحسية، ألارا تعرفها جيداً، أعلى الفخذ، أسفل الظهر، خلف الكتف، الثديين، صُبغوا باللون الأزرق والأخضر في جسد الغلام، فأكثر الأخطاء تفاهة، كافية لتنهال عليها بالعض، تغرس أسنانها في جسده الناعم، وكأنها نمر تمكن من فريسته، وما أن تستقر الأسنان مكانها، حتى يبدأ النهش، داخلها طاقة وقوة عجيبة، شر منقطع النظير، شحنات من الغضب تنتقل من جسدها إلى جسده عبر أسنانها، وبعد دقائق من الصراخ، العويل، البكاء، التوسل، التذلل، تفلته، تاركة بقعة زرقاء وخضراء كبيرة، وأثار أسناناً مغروسة في جلده، تذكره دوماً، بما سيحدث إن كرر فعلته، التي قد تكون كسر كأس، أو إيقاع كرسي، من باب الخطأ. نائم في أمان لحظيّ، صفعة مدوية على وجهه، يفز من نومه كالمجنون، ما الذي حدث يا أمي! لماذا؟! -لا تصدر صوت الشخير في أثناء نومك يا أيها العجل. تُكمل نومها، في حين يقاومه هو، يخشى إغماض عينيه مجددا، كي لا يفيق على صفعة جديدة. مقارنة لا تنتهي، بينه وبين فلان وعلان من رفاقه، فهذا أفضل منك، ذاك أكثر ذكاء، ألا تنظر إلى نفسك، متى ستتعلم أن تكون فتى مهذباً مثلهم، فما أنت إلا نكرة لا قيمة لك، ليتك لم تولد، ليتني لم أحمل بك، حرمتني من فرصة الحصول على ولد يمكنني الاعتماد عليه، كنت سبب ما جرى لي، قم ها أنت تصدمني كل يوم بفشلك، لا أمل مرجو منك، فاشل لا مستقبل لك. -اسمعوا، اسمعوا لي جيداً، مروان ليلة الأمس، أطلق الريح في أثناء نومه، كدت أختنق من رائحتها. تعلوا ضحكات ألارا، وتعلوا ضحكات النسوة وأطفالهم، الذين بطبيعة الحال هم أصدقاء لمروان، فلقد قالت خفيفة الظل هذه شيئاً جميلاً، لطف الأجواء، يا لها من امرأة تمتلك روح دعابة استثنائية، كم نحب الجلوس معها. -يا أمي، شعرت بالخجل أمامهم، انظري إلى أم فلان، لا تعيب على ولدها شيء أمامنا. -اخرس أيها البغل، كانت مزحة لا أكثر، ضحكنا عليها، لا تعطي الأمور أكبر من حجمها. ليس لدى ألارا أي شيء مثير تتحدث به أمام الناس، فارغة تافهة جاهلة، ترغب في السيطرة على كل حوار، لا بد أن تكون أيقونة السهرة، لا بد أن ينصب الاهتمام لها، والتركيز عليها، ومروان هو مادتها الدسمة لاستعادة زمام المبادرة إن أفلت منها، السخرية منه، واحدة من أهم وسائلها لاستعادة بريق الأضواء. تعلم الفتى ألا يجادل، فالجدال سينقلب عليه، فإن سلم من العقاب، لن يسلم من الاستهزاء. -اسمعوا، اسمعوني، لن تصدقوا ما سأقول لكم، في الأمس اكتشفت لأول مرة، أن مروان يخفي خلف جسده هذا روح رقيقة حساسة، لقد خجل عندما قلت لكم إنه أطلق الريح في نومه، لم يرث من أبيه إلا هذه السخافات، جسد كالفيل، وروح كالطفل الرضيع! تعلو الضحكات، وتستعيد ألارا الأضواء مجدداً. وإن لم تجد شيئاً مثيراً للاستهزاء، تستخدم بطاقتها الرابحة التي لن تخذلها، التأليف. تؤلف أكذوبة عليه في خلال ثانية واحدة، تجعل منه أضحوكة السهرة، وتستعيد فورا زمام المبادرة. -لن تصدقوا ما جرى قبل يومين، كنت نائمة جوار مروان، حين بدأ ماء دافئ يتدفق تحتي، نظرت إليه، فإذ به مستيقظ، هذا الكسول تعاجز من دخول الحمام فبال في الفراش! تعلو ضحكات الاستهزاء والاستهجان! لهذا ضربتيه ذلك اليوم؟ سمعنا صراخه. -نعم، فقدت عقلي حينما وجدته يبول على نفسه وهو مستيقظ! ينظر لها مروان، لا يعلم ما يقول! لم يحدث هذا، كذبة سمجة، إلا أنه يؤثر الصمت، ففي آخر مرة جادلها أمام الناس، ودافع عن نفسه، كانت النهاية على غير ما يتمنى، ما أن دخلوا المنزل، حتى بدأ العذاب، بقع زرقاء وخضراء في جميع أنحاء جسده، عقاب على وقاحته تلك. -هل تعلمون أن خصيتي مروان صغيرتان! -أنت كاذب عديم التربية، من أين تأتي بهذا الكلام؟ -لقد سمعنا أمك هذا الصباح، الحي كله سمعها تصرخ بأعلى صوتها، قالت، تحرك أيها البغل، ستتأخر على مدرستك، يا صاحب الخصيتين الصغيرتين! ألا تخجل منها ومن نفسك! بعض الصبية في الحي، يسمعون كل يوم صراخ ألارا عليه، تشتمه بأبشع الألفاظ، حتى الجنسية منها، تعيب عليه ما قالت إنه صغر في خصيتيه! فتى صغير في مثل عمره! كم يتوجب بحجمهما أن يكون؟! سِلك رفيع من الجِلد المرن ينهال عليه جلداً، يشق ظهره، يتلوى على الأرض، يصرخ ألماً، يزحف محاولاً الوصول إلى قدميها، يتشبث فيهما، يقبلهما. -توقفي يا أمي، أتوسل إليكِ، لأجل الله ارحميني، فهو من شتمني، نعتني بابن العاهرة. -أنت السبب، لو أنك لم ترد عليه بداية، لما وصل الحال إلى ما وصل إليه. في المدرسة، مشاحنة بينه وبين فتى آخر، تحدث مثيلات لها عشرات المرات يومياً بين الطلاب، تبدأ سريعاً، وتنتهي سريعاً، لأسباب تافهة لا تُذكر، إلا أنها في نظر الأطفال أسباب كافية للشجار، يحاول منعه من سرقة ممحاته. ينعته الفتى بابن العاهرة، يفقد مروان صوابه، يتطور الأمر سريعاً إلى شجار بالأيدي، إلا أن الفتى طويل الأظافر، ينتهي الحال بمروان وكأن قطيعاً من القطط البرية هجم على وجهه، يطلب على إثر هذا الشجار مدير المدرسة أولياء الأمور. -هل كان يتوجب تركه يسرق الممحاة؟! لا جواب، إلا صوت السِلك يهوي في الهواء، ثم يشق ظهره. -أقسم لكِ يا أمي، لن أفعل هذا مجددا، تبت إلى الله عن الدخول في أي مشاحنات، شجارات، حتى إن كنت مظلوماً مُعتدى علي. كلمة “مظلوم” ليست ذات معنى، غير كافية لإنهاء العذاب، ولا توسّلات ووعود عدم تكرار الفعل أو حتّى عدم تكرار ردّ الفعل على الظلم. فالأم إذا خرجت عن طورها، ودخلت في حالة العقاب، فلن يوقفها شيء إلّا انتهاء الحالة في داخلها، بعد دقائق قليلة أو ساعة واحدة، تمر كأنها سنوات. تضربه بقسوة، تتنمر عليه، تسببت له بحالة من التخبّط النفسيّ، التضارب، الخوف، التوتر الدّائم، القلق من فقد الأمان وانفلات السيطرة وانقلاب الحال في أي لحظة بلا أي مقدّمات. عائد من المدرسة، على بعد 200 متر من المنزل، يستتر خلف سور بيت، أو يسلك طريقاً خلفياً، خجل من مواجهة باقي الأطفال، عائدون من المدرسة كذلك، فمشاجرة محتدمة في الحي، إحداهن تشتم وتسب أحدهم! تردح بطريقة سوقية، ألارا تتشاجر مع بائع البقالة، أو مع أحد الجيران ربما، يخجل الغلام أن يراه أطفال الحي، قد يشيرون إليه بالبنان، هذا مروان ابنها، على الأقل سيعلم من لا يعلم أنها أمه. ترتكب الأخطاء، وإن أهانها أحد من الناس، أو لم تمضي الأمور على أحسن حال كما تتمنى، تُصبح وكأن شحنة من الشر عظيمة تتفجر داخلها، عاجزة عن الانتقام، إلا من مروان، تترصده، ومع أول خطأ، تُفرغ فيه كبتها وغيضها كله. لا تنفك تتهم الآخرين بشرفهم، ثم تدعي الشهامة والمروءة، تكذب كما تتنفس، ثرثارة بشكل مثير للاستفزاز، لا يتوقف لسانها عن الكلام، لديها القدرة على الحديث بشكل متواصل لساعات، وساعات، بلا تعب، ولا كلل ولا ملل. سببت له الحرج في كل مكان، في الحي، المدرسة، المطار، الطائرة، في أثناء زياراتهم الدورية للأب، ولا حتى ذرة حياء في وجهها، بغض النظر عن المتواجدين أو المكان الذي هي فيه، فلا شيء يمنعها من الصراخ، الإهانة، الردح حتى إن لزم الأمر. شيطان يسكنها، إن بدأت تغضب، تتغير ملامحها، يبدو هذا الشيطان داخلها واضحاً جلياً في وجهها، بريق في عينيها، يُنذر بعذاب قادم. لا مفر منها، إلا التوسل والتذلل لها. قَبّلْ يدي معتذراً، اركع تحت قدمي، فيا لك من فتىً قليل الحياء والتربية. ليتني لم أنجبك، ليتك لم تكن موجوداً، ليتني تركت أباك يفرغ شهوته في أي مكان آخر غير فرجي! لا يفهم كثيراً من هذه الشتائم والهرطقة الجنسية، صغير على هذا، إلا أنه يتمنى أن لا يكون أحد قد سمعها، فلو طرقت آذان أحد الأطفال في الحي، ستكون غداً على لسان جميع طلاب المدرسة. توسل لها، أرجوكِ يا أمي، اخفضي صوتك، ثم تعلم ألا يطلب، ألا يحاول ثنيها، فهي تزداد جنوناً إن حاول إيقافها، تجرع العذاب والفضيحة في صمت، عوضا عن المحاولة، فيتجرع المزيد منها. وبطريقة مثيرة للغرابة، فإن لها وجهاً مسكيناً، ضعيف، تستخدمه عند الحاجة فقط، تبكي حتى تثير شفقة الآخرين، فمن يعرفها من بعيد، يقسم أنها امرأة طيبة مغلوب على أمرها، تتحمل أعباء فوق طاقتها، تناضل في سبيل ولدها، وأسرتها. ممثلة بارعة، خبيثة لئيمة، كاذبة ماكرة، مخادعة كارهة للجميع. هَرمت سريعاً، خف بريقها، ذلك الذي فتن سردار، سبب إضافي دفعه للابتعاد عنها وقت أطول. ألارا ذات الوجوه المتعددة، لم يعد الجمال من بين وجوهها الكثيرة. وكما أن العذاب قد يأتي كالصاعقة بلا أي إنذار مُسبق، فالنعيم يأتي فجأة كذلك. ينتهي كل شيء، يتغير الحال، يتوقف الضرب، الإهانة، التنمر، الجنون، بمكالمة هاتفية واحدة. تصبح ألارا أماً مثالية، لا نظير لها، محبة، متفانية، حريصة على سلامة ابنها، تهتم بصحته الجسدية والنفسية، تناول ما تريد بالطريقة التي تريد، تنفس كما يحلو لك، فلا تلقي بالاً لشيء يا بني، لا تبالي، فأنت أهم ما لدي في هذه الدنيا. هذا بعد دقائق فقط، من مكالمة هاتفية، يقول بها سردار، أنه قادم في إجازة، وزيارة عائلية بعد بضعة أيام، تجهزي يا ألارا، وجهزي الغلام، كم أنا مشتاق له. بات الغلام بالنسبة لها كأنه مصدر رزق، رغم أنه ولدها، يا لها من غرابة! فهو الشيء الوحيد الذي يربط سردار بها، لولاه، لطلقها، أو هجرها، وتوقف شلال الحوالات المالية الذي لا ينقطع، وتوقفت الهدايا، وذهب النعيم أدراج الرياح، ولضمان عدم بوح مروان بشيء لأبيه، فلا بد من جرعات من الحنان مكثفة، تنسيه ما فعلت به، راحة أعصاب ربما، له ولها، إلى حين. مسرفة غير مبالية، جميع من حولها يستغلها، فمن هذا الذي يطيق الصبر على صحبتها أصلا، ما لم ينتفع منها، فليس لديها إلا المال، وكما اشترت زينب الولاءات قبل عقود، اشترت ألارا الأصدقاء، تنفق عليهم ببذخ، ويجاملونها ببذخ منقطع النظير. سامحني يا مروان، لعلي أثقلت عليك في الأشهر الأخيرة، لكن هذا لمصلحتك يا بني، أريدك رجلاً قوياً، فكما ترى، أبوك يغيب عنا لأشهر، أنا وحيدة هنا، أتحمل أعباء تربيتك وحدي، كم هو ثقيل على نفسي ضربك ونعتك، إلا أن الحياة ليست جميلة كما قد تتصورها، ستغدر بك فور الثقة بها. يصدقها الغلام المسكين، ينام بين أحضناها، كم هي الحياة قاسية، فأمي تعلم مصلحتي أكثر مني. عشرات الرسائل البريدية ترسلها إلى زوجها باستمرار، تطمئنه على ولده، بخير وعافية، إلا أنه مشاكس، عنيد، غير مبالٍ، بعض الجيران يشهدون بهذا، مما يضطرها في بعض الأحيان، للكذب عليه، حينما يرفض دخول المنزل خوفاً من العقاب، تعال إلى هنا، لا تجزع يا مروان، لن أضربك، أبوك جاء من السفر، ينتظرك، فيهرع الفتى للداخل بشوق باحث عن أبيه، ليجد أن لا شيء هناك، إلا العقاب. تشدقت في رسائلها له، عن هذه الخدعة، التي تنطلي عليه كل مرة، وتشدقت أمام الناس بغباء مروان، لقد تمكنت من استدراجه للمنزل مائة مرة بالخدعة نفسها، لا يتعلم، المسكين، حبه لأبيه يعمى قلبه وعقله، ينسى سريعاً، ويقع بالفخ دوماً. بالفعل، لم يتعلم الغلام بعد! يركض من دون وعي إلى المنزل، يظن الأم صادقة هذه المرة أو لعله الأمل، فالأمل يغويه لعلها تَصدق في مرة من بينها، فيجده أمامه يلفه في أحضانه. في نهاية المطاف، يأتي الأب محملاً بالهدايا، الكثير من الشوق، والكثير الكثير من الأشعار. بُنيّ أناديك كلّ صباح، وأسمع صوتك كل غروب وأشتمّ ريحك عبر الرياح طيوب معتقة بالطيوب يقولون عنك سليط اللسان كثير الكلام كثير العيوب تشاكسهم كلّ حين، ولا تدنو إن أعدوا لجلد الكعوب فيستغفلونك أن أباك هنا والحب يعمي القلوب فتنسل للمنزل تبحث عني، ويغدر فيك كلُّ كذُوب Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Zainab’s Curse - Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل السادس عشر. لا بد من المحاولة April 26, 2023April 29, 2023 كالمجنونة تدور في أرجاء الغرفة، تشد شعرها، تقبض راحتا يدها، تصك أسنانها، تصرخ، ستنفجر في… Read More Zainab’s Curse - Arabic Online حول الكاتب April 29, 2023May 1, 2023 عندما كنت طفلاً، حرصت على كتابة كل همومي، أمنياتي وطموحاتي، التي لم تكن طفولية دائماً،… Read More من رواية اللحظة بيبرس. المقر ألفا April 29, 2023April 29, 2023 أقلعت الطّائرة من دبي إلى وسط البحر الأبيض المتوسّط، حيث مدينة “فاليتا”، عاصمة دولة مالطا…. Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل السادس عشر. لا بد من المحاولة April 26, 2023April 29, 2023 كالمجنونة تدور في أرجاء الغرفة، تشد شعرها، تقبض راحتا يدها، تصك أسنانها، تصرخ، ستنفجر في… Read More
Zainab’s Curse - Arabic Online حول الكاتب April 29, 2023May 1, 2023 عندما كنت طفلاً، حرصت على كتابة كل همومي، أمنياتي وطموحاتي، التي لم تكن طفولية دائماً،… Read More
من رواية اللحظة بيبرس. المقر ألفا April 29, 2023April 29, 2023 أقلعت الطّائرة من دبي إلى وسط البحر الأبيض المتوسّط، حيث مدينة “فاليتا”، عاصمة دولة مالطا…. Read More