April 26, 2023April 29, 2023 الفصل الثاني والثلاثون. بيبرس بائع المثلجات عندما يتعرض البشر للظلم والإذلال وقت طويل من الزمان، بأشكاله المختلفة، سواء أكان من فرد لفرد، أم من مجموعة لفرد، أم ربما العكس، خصوصاً منذ طفولتهم، وبشكل مباشر، وجهاً لوجه، كالتعنيف الأسري، الاختطاف، التعذيب الجسدي واللفظي، فكثير منهم، يتأصل هذا الظلم داخلهم، يصبح جزءاً منهم، ومن حيث يشعرون أو لا يشعرون، فإنهم ينظرون للعالم من حولهم نظرة اتهام، على أنه متورط ومشارك في هذه الجريمة التي تعرضوا لها. كم مرة تسمع من أحدهم شيئاً كأن يقول، بقيت أعاني طوال حياتي، عشت في عذاب وجحيم، ما كان لبشر أن يتحمله، أين كنتم أنتم حينها؟! ليعاني العالم إذاً ما عانيته. وبهذه الحجة يُخدر ضميره، والمنطق في داخله، ثم يقرر أن يمارس كل أو جزء مما تعرض له، على شخص آخر، أو مجموعة من الأشخاص. حسناً يا عزيزي، في حين كنت أنت تحت التعنيف والإذلال والعذاب، كانوا هم يلعبون، يرقصون، يشربون، ويتنعمون، لكنهم أبداً لم يكونوا جزءاً من الظلم الذي وقع عليك! إلا أنه يرفض التسليم بهذه الحقيقة، ويبرر لنفسه ممارسة ما تعرض له منذ طفولته، على بقية الناس. فمهما حاول الضحايا أن يهربوا من ماضيهم، إلا أن كثيراً منهم، يمارسون شيئاً مما تعرضوا له في طفولتهم، على الآخرين، وحتى على أبنائهم، لو من غير قصد. ولكن على الصعيد الآخر، فالبعض، يسلكون مسلكاً مختلفاً، يتغلبون على ما عانوه، يدفنوه بعيداً، يتخذون هدفاً في الحياة، لا نريد لما وقع علينا، أن يقع على (……). بعضهم يملؤون الفراغ بكلمة مثل، أحبائنا، أصدقائنا، أبنائنا، أهلنا. وقلة قليلة جداً، الأبطال الاستثنائيون، هم من يتركون الفراغ كما هو، بلا كلمات، بلا تخصيص. هؤلاء، من يكرهون الظلم بكل أنواعه، بغض النظر عن هوية ضحاياه، أو دينهم ومعتقداتهم وأفكارهم، والعلاقة التي تربطهم بهم، أمثالهم من نسميهم بالأبطال الخارقين ربما، يقاتلون في سبيل رفع الظلم، بغض النظر عن أي اعتبارات جانبية. وكما يبدو، فإن مروان، يسلك مسلك هؤلاء الاستثنائيين. كم هي سهلة، بسيطة، حياة الأطفال، بلا تعقيدات، يتعلمون يكبرون سريعاً، يتعلقون أسرع. بات الاثنان مقربين للغاية، نوبيا بحاجته، جاء في الوقت الملائم تماماً، صديق مقرب منها، تربطها به صلة دم، تعهد حمايتها، لن يسمح لشوكة أذيتها. وهو كذلك، طالما كان بحاجتها، فقد باتت تَرسم له معالم شخصية أعجبته، مروان حامي الضعفاء. في الحديقة الملحقة للمجمع السكني، ركض الاثنان نحو بائع المثلجات المتنقل، يأتي بين حين وآخر، يبيع المثلجات هنا وهناك. تحدثت نوبيا معه باللغة التركية. -سيدي، نريد اثنتين. بدأت تختار: أريد هذه، بنكهة التوت. نظرت إلى مروان، حدثته باللغة العربية: أي نكهة تريد؟ مروان: كالتي طلبتها لنفسك. نظرت إلى البائع: اجعلها اثنتين بنكهة التوت، يا سيدي. البائع في حين يجهز الطلب: من أين أنتم يا جميلة؟ نوبيا: أنا مصرية، من أصول تركية، وهو أردني، من أصول عراقية تركمانية. بنظرة ذهول: غريب حقاً، مصرية تركية، وأردني عراقي تركماني! أضاف: كنت لأتفهم عدم تحدثك التركية في حال لا تتحدثين بها، ولكن هو! تركماني ولا يتحدثها! كيف لهذا أن يكون؟! -لقد عشت هنا، في حين عاش هو متنقلاً بين بعض البلدان العربية، لم تتح له فرصة تعلمها، لا في العراق ولا مع أبيه. -ماذا عن أمه؟ -أمه هي عمتي، مصرية من أصول تركية، لكن للأسف، لا تتحدث التركية. ضحك البائع، هز رأسه بغرابة: يا له وضع عائلي معقد هذا أضاف بنظرة حزن: مسكين، فقد أباه بعمر مبكر! -لا يا سيدي، هو على قيد الحياة، لكنه كثير الترحال. أطرقت رأسها إلى الأرض، بحزن أضافت: في الحقيقة أنا من فقدت أبي قبل أسبوعين، أعيش الآن مع عمتي، أم مروان، ماتت أمي كذلك، لم يعد لي أهل في هذه الدنيا إلا هم. هز البائع رأسه، عض شفتيه، وضع من بين يده عدة المثلجات، تحرك من خلف الطاولة، جلس القرفصاء مقابلها تماماً. -يا صغيرتي، لا تحزني، رحمهم الله، انظري إلى جوارك، هنا. أشار برأسه إلى مروان، نظرت إليه. أمسك يدها، جمعهما إلى بعض، احمر وجه الطفلين خجلاً. -سيكون قريباً رجلاً قوياً، سيحمي كل منكم الآخر، لا تقلقي حيال شيء في الدنيا يا صغيرتي طالما أنكما سوياً، ففي هذه الحياة، نفقد من نحب، ويعوضنا الله بأشخاص نحبهم كذلك، ويحبوننا. أضاف: هيا ترجمِي له ما قلته تواً. ضحكت ببراءة الأطفال، نظرت إلى مروان، قالت: إنه يقول كم أنت فتى رائع، وقريباً ستكون قوياً كفاية لتحميني من المخاطر. سكتت للحظة، ثم أضافت: كذلك قال، في حال لم تكن إلى جواري دائماً، فسوف يأتي إليك حيثما تكون، وسيبرحك ضرباً. عاد خلف الطاولة، أعطاهم الطلب، رفض تقاضي ثمنه. -خذوا يا أطفال، هذه المرة من عمكم بائع المثلجات، كل بضعة أيام أمر من هنا، سأعطيكم المثلجات على حسابي مجاناً. هموا بالمغادرة، نادها: لم تقولي لي، ما اسمك يا صغيرة؟ -نوبيا. -وهو؟ -مروان. نظرة امتعاض على وجهه، قال ممازحاً: اسمكِ غريب، واسمه ليس كذلك، ربما عليه البحث عن اسم آخر. مروان: ماذا يقول؟ نوبيا: يقول إن اسمك جميل، لكنه مشهور، بينما اسمي غريب. مروان ممتعض: اسأليه عن اسمه إذاً. نوبيا: سيدي، يسألك، ما اسمك أنت؟ رفع يده في الهواء، بفخر قال: إنه مكتوب أمامكم على الطاولة، هنا، بيبرس، مثلجات بيبرس. جلسوا على مقعد في الحديقة، بعيداً عن البائع. كادت تنتهي من قطعتها، نظرت إليه، لا يأكل، بدأت تذوب المثلجات على يده، قالت: ما بك؟ مروان: هل تفضلين لو كان اسمي غير هذا؟ كما قال البائع؟ اسم غريب مثل اسمك؟ نوبيا بحماسة: نعم، ما رأيك لو نختار لك اسماً لا يعرفه أحد إلا أنا وأنت، اسم وهمي، سريّ. رقصت عيناه، أعجبته الفكرة: حسناً، سيكون لي شخصيتان، واحدة باسم مروان، والثانية باسم مختلف، نعرفه نحن فقط، مثل قصص الجواسيس، ضحكا بعفوية بريئة حتى القهقهة. أضاف: ماذا تقترحين؟ نوبيا: رائع، جاسوس خارق، يرعاني، ويحميني حيثما ذهبت. بدأت تفكر، ثم برق الاسم في رأسها: بيبرس، سيكون اسمك بيبرس. صمت للحظات، همس بصوت خافت: أمي كذلك. -ما بها؟ -لها شخصية ثانية. بحماس وفضول الأطفال، قالت: ماذا؟ كيف! مروان: أسمعها في بعض الأحيان تكلم نفسها، امرأة ثانية داخلها، اسمها حتشبسوت. -يا إلهي! من هذه؟ -سمعتها مرة تقول، كان عليكِ الموت مع أمي ما كان يتوجب بكِ الانتقال لي. فغرت فاها، بلعت ريقها: جدتي زينب؟ هل كانت حتشبسوت مع جدتي قبلها؟ هل هي مؤذية؟ -لا أعلم، إحداهن طيبة القلب وحنونة للغاية، والثانية قاسية جداً، لا أعلم من منهن أمي، ومن حتشبسوت، إلا أنني أعتقد أن حتشبسوت هي القاسية. صمتت الفتاة، تفكر بأمر ما… ببراءة قالت: أريد شخصية ثانية كذلك، مثلك ومثل جدتي وعمتي، كيف أحصل على واحدة؟ فكر قليلاً: لمَ تريدي شخصية ثانية؟ بيبرس سوف يحميكِ، لا حاجة لكِ بها. بحزن وغضب أجابت: وما المانع؟! رفعت رأسها إلى السماء: ربما يوماً ما يحتاج بيبرس للمساعدة، عندها ستكون شخصيتي الثانية جاهزة. بحماسة أجاب: حسناً، رائع، سنجد لك اسماً آخر، هيا لنبحث عن واحد. أمسك يدها، ركض بها نحو سور المجمع، قريب من الشارع، قال: انظري، لنبحث عن اسم. أشار بيده، صورة امرأة بتسريحة شعر مميزة، قال: ما اسم هذا المحل؟ نوبيا: صالون سولماز للسيدات، سولماز تعني الشابة دائمة الشباب. -جميل، سيكون اسم شخصيتك الثانية، سولماز. ضحكا مرة ثانية بعفوية الأطفال البريئة وتناغمت أعينهما حتى بان بريقهما لامعاً. أيام بعدها، توطدت العلاقة بينهما أكثر. ما أن يكونا وحدهما، حتى يتقمّص كل منهما شخصيته الثانية. بيبرس، الذكي القوي الشجاع. سولماز، الجميلة المشاكسة الفضولية، دائمة الشباب. Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Zainab’s Curse - Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل الواحد والعشرون. الممالك الهاشمية April 26, 2023April 29, 2023 تركمان العراق، هم نسل المهاجرين الأتراك لبلاد الرافدين عبر حقب متتالية من التاريخ، قبل قيام… Read More الفصل الثالث والعشرون. التركماني النبيل April 26, 2023April 29, 2023 الموت، معضلة شائكة، لا نعلم متى يأتي وكيف، وفي بعض الأحيان لا نعلم لماذا، صدمة… Read More الفصل الواحد والثلاثون. نوبيا ملكة الذهب April 26, 2023April 29, 2023 يد تربت على كتفها، رفعت رأسها، العمة ألارا تبكي، رحم الله فؤاد. نظرت إليها، قالت:… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل الواحد والعشرون. الممالك الهاشمية April 26, 2023April 29, 2023 تركمان العراق، هم نسل المهاجرين الأتراك لبلاد الرافدين عبر حقب متتالية من التاريخ، قبل قيام… Read More
الفصل الثالث والعشرون. التركماني النبيل April 26, 2023April 29, 2023 الموت، معضلة شائكة، لا نعلم متى يأتي وكيف، وفي بعض الأحيان لا نعلم لماذا، صدمة… Read More
الفصل الواحد والثلاثون. نوبيا ملكة الذهب April 26, 2023April 29, 2023 يد تربت على كتفها، رفعت رأسها، العمة ألارا تبكي، رحم الله فؤاد. نظرت إليها، قالت:… Read More