April 26, 2023April 29, 2023 الفصل الخامس عشر. قمر ذات الدماء العثمانية -تشبه جدتها كريمة! هذا ما كان ينقصني! قلت لكِ يا زينب الوقت غير مناسب للإنجاب، لكن دعيني أنظر في عينيها عن قرب، لعل معجزة ما تحدث. نظرت في عيني الطفلة، نظرة فاحصة، تشبه تلك النظرة التي نظرها الحكيم في عيني فاطمة، وزينب، قبل أعوام، عادت بظهرها إلى الخلف، هزت رأسها، عضت شفتيها، تمالك أعصابها. -تباً، كما توقعت. زينب: ما بك؟ -مسكينة قمر، لن أتمكن من الاعتناء بها! -لمَ تقولين هذا؟ حتشبسوت: نظرت في عينيها نظرة فاحصة، لا بريق فيهما، تشبه جدتها كريمة، أشم رائحة دمائها، كرائحة دماء جدتها، تتغلب على دماء الفراعنة، غير صالحة للانتقال، لا يمكنني الانتقال لها، ولو فعلت، فلا يمكنني حمايتها ورعايتها، كما يتوجب. -تنتقلين لها؟ من قال أنكِ ستفعلين؟ ثم إنني أرعاها بنفسي، حسن كذلك، لن تحتاجك في شيء. حتشبسوت، بنبرة حُزن: قلت لكِ من قبل، ستموتين يوماً ما يا زينب، ستكون بحاجتي، ولن أتمكن من فعل شيء لها، ليتكِ استمعتِ لنصيحتي، لستِ جاهزة بعد. حملتها زينب، مسحت رأسها برفق، قالت: ستكبر تحت كنفنا، حتى يشتد عودها، وقد ننجب إخوة لها يشدون عضدها، لن تكون بحاجتك. محاولة إخفاء كرهها لها: ولكنها تشبه جدتها! -وما المشكلة في هذا؟ بخبث شيطاني: ستنال الاهتمام كله، ستذكر حسن بأمه، سوف يُشغل بها، ولا أعارض هذا، لو غلبت دماء الفراعنة بها دماء العثمانيين، لكنها نسخة كربونية من عائلته، لا بد من التخلص منها. احمر وجه زينب، ثار غضبها، ما إن سمعت كلمتها الأخيرة: ما الذي تقولينه؟! هل جننتِ يا حتشبسوت؟! نتخلص منها، إنها ابنتي. -ليست ابنتك، بل ابنة حسن، تشبه جدتها، تلك التي أهانتك، وعاملتك خادمة وضيعة، كانت على وشك تسليمك لأهل القرية والعجوز، والفرن، ثم حرمتك من زوجك أعوام حتى ماتت. تقدمت منها، وبنبرة جادة أضافت: هل سوف تقبلين بالحياة مع كريمة جديدة ما تبقى من عمرك؟! أنا لن أقبل ذلك. شهران بعدها، لم تكل ولم تمل، ما لبثت تذكرها بالشبه الكبير بين قمر وجدتها كريمة. وسرعان ما بدأت زينب تعي، وترى، تشبه جدتها بالفعل، بكل تفاصيلها، حتى فمها الصغير الجميل! إلا أنها هزيلة نوعاً ما، لا تأخذ حاجتها من الحليب، فمها وحلقها الصغير، يمنعانها من الرضاعة كما يجب. بدأت تعاملها بقسوة، وعنف مفرط، إن بكت قمر جوعاً، أو خوفاً، أو لأي سبب، دوت لطمة على خدها، وإن لم تصمت، تمادت في البكاء، قرصتها أعلى فخذها، مما يجعلها تبكي أكثر، ومما يثير جنون زينب أكثر. ثم سرعان ما تبدأ بإخفاء أثر القرص بمساحيق التجميل، لهذا تحديداً تختار أعلى الفخذ، فهذه المنطقة، ليس سهلاً على حسن رؤيتها في حين يلاعبها. أسابيع تلتها، اعتادت أخذ الصغيرة في أحضانها، إرضاعها، تقبيلها، مداعبتها، كما تفعل أي أم. وعلى حين غرة، بلا سابق إنذار، تقصرها أعلى فخذها، بقوة ووحشية، تبكي الصغيرة، يكاد قلبها يتوقف من الصراخ، تحتضنها من جديد، يا صغيرتي، يا حبيبتي، تلاعبها، تداعبها، حتى تنام. صراع دائر بين زينب، الأم المحبة المثالية، وبين حتشبسوت، الكارهة الحاقدة المُتسلطة، ينتهي دوماً بعلامات على جسد الصغيرة، فحتشبسوت، تزداد قوة ونفوذاً، يوماً بعد يوم. حتشبسوت: لم أعد أطيقها، وكأنني أعيش مع أمه طوال الوقت! قلت لك يا زينب، تشبه جدتها. -لكنها ابنتي، هذا قدر الله مكتوب، لا مناص منه، قضي الأمر يا حتشبسوت. -نعم يا عزيزتي، قضي الأمر لا مناص منه، حسناً، لن أظلم هذه المسكينة أكثر، ما ذنبها بهذا الشبه بينها وبين جدتها كريمة! بنبرة حزينة، وصوت عذب حنون، أضافت: يا مسكينة، أخشى عليها الموت قريباً، انظري إلى حالتها، كم هي هزيلة، لا ترضع جيداً، فمها صغير وحلقها كذلك، لا تأخذ حاجتها من الحليب، لا بد من فعل شيء حيال ذلك. بالفعل، فإن فم قمر الجميل الصغير، مع عدم قدرتها على رضاعة حاجتها من الحليب، يدل على صغر حلقها كذلك، وهذا ما يجعلها تتعب من الرضاعة سريعاً، دون أكل كمية تُذكر. حتشبسوت لديها الحل، لنحضر الزيت، ونفرك حلقها به، نفعل هذا منذ الآلاف السنيين، أدخلي إصبعك في حلقها بعد دهنه بالزيت أو السمن، وحركيه بلطف، سيتوسع، وستأخذ حاجتها من الغذاء، ويشتد عودها. حسناً لنفعل ذلك، حان الأوان لتكبري يا صغيرة، وضعت زينب إصبعها في وعاء الزيت، ثم أدخلته في حلق قمر، تحركه بلطف وحذر. شيء داخلها يدفعها لإدخاله أكثر! نظراتها باتت شيطانية. تغيرت ملامح وجهها، كأنها عجوز هرمة. الصغيرة تحرك يديها وقدماها بقوة، وكأنها عاجزة عن التنفس، زينب مستمرة بالفرك. ثم فجأة، هدأت قمر، لم تعد تتحرك! وضعتها في سريرها، نامي يا صغيرتي، نامي قريرة العين، في الصباح، ستنالين كمية وافرة من الحليب. عاد حسن إلى المنزل، قَبل الصغيرة، نائمة في سلام، كالملاك الصغير. التفت إلى زينب، هذه المرأة لا تكتفي أبدا، ولا تجعلك تكتف منها. تقف بين ستائر الحرير، على أضواء الشموع، ببدلة رقص زرقاء قصيرة، سهرة حتى وقت متأخر. إلا أن شيئاً غريباً على غير المعتاد هذه الليلة، فقمر، لم تبكِ طوال الليل! لم يصدر منها أي صوت! حسن: هل هي بخير؟ زينب: نعم، بالتأكيد، نائمة بسلام، رضعت وغطت في النوم قبل قدومك بقليل. لم يطمئن قلبه، شيء يقول له الصغيرة ليست على ما يرام، حملها، كأنها قطعة قماش بين يديه، فهم في الحال، قمر ميتة، لا روح فيها! احتضنها وبكى كما لم يبك من قبل، صرخ بأعلى صوته، يا مهجة الفؤاد وربيع القلب ما الذي حل بك! كذلك فعلت زينب، على جثة الصغيرة بكت، نحبت ابنتها، فقيدتها، بحسرة وألم. أقيمت مراسم الدفن، والعزاء، دون معرفة السبب الرئيسي، في هذه البلاد، الأطفال يموتون كل يوم، لأسباب مختلفة، يبدو أنه اختناق، ربما نامت على وجهها، ولم تتمكن من قلب نفسها، أو لعل شيئاً دخل في حلقها، حشرة ما، تسببت باختناقها في حين هي نائمة، الأسباب كثيرة، رحم الله ابنتكم. -بالله عليك أخبريني يا زينب، هل عانت قمر من أي عارض يشير إلى مرض أو اختناق أصابها؟ -أقسم لك يا زوجي، لقد رضعت، ثم نامت، لم تكن تعاني من شيء، لا أعلم ما أصابها. طوال أيام تلتها، ما زال شيء من ضمير يؤنبها، كلما نظرت إلى حسن، حزين يبكي قمر. زينب: لا بد من إخباره بما جرى، من حقه أن يعرف، فهناك شكوك تدور أنني ربما السبب في موتها! حتشبسوت: إياك أن تفعلي هذا، لن يسامحك، وفي أحسن الأحوال سيعتبرك أم مهملة غير مسؤولة، بينما لم نفعل شيئاً، لقد كانت قمر على ما يرام، نامت في حين نعمل على توسيع حلقها، وضعناها في السرير، ولسبب ما اختنقت في أثناء نومها! ما حدث قد حدث، ليست خطأك، انتهى عمرها، رحمها الله. -لكن يا حتشبسوت، لقد حركت يديها وقدماها كثيراً، كأنها كانت تختنق، في حين إصبعي في حلقها! -لا، بل كانت تلعب، دغدغ إصبعك حلقها، ألم تلاحظي ذلك؟ -صحيح، كانت تلعب، وتضحك، ثم نامت على ذراعي بسلام. طوال أسابيع، عاش الأب في عزلة، صعب عليه تجاوز الأمر، فقدان ابنته البكر، ليس بالخطب اليسر على رجل بطيبة قلبه، وشاعريته. بينما تجاوزت زينب الأمر منذ أول أسبوع، على طريقتها الخاصة، زاد جبروتها على الجميع، وكأنها تدرك في قرارة نفسها أنها قتلت الصغيرة، وتهرب من هذه الحقيقة، بالمزيد من التسلط، والطغيان. أعوام مرت بعد موت قمر، أو مقتلها، لم تفلح جميع محاولاتهم في الإنجاب، ليس لعارض طبي، بل لأن حتشبسوت لا تريد ذلك، فلن تكرر زينب الخطأ مرتين، لتجد نفسها مع كريمة ثالثة من جديد. العام 1925 ميلادياً، زينب في الخامسة والعشرين من عمرها، حسن في الثانية والثلاثين. فتحت زينب عينيها بعد منتصف الليل، على صوت يناديها. -انهضي، انهضي يا زينب. -ما بك؟ ما الذي جرى؟ -حان الوقت المناسب. -الوقت المناسب لما؟ -أنتِ في ذروة الإباضة، وجاهزة تماماً، لإنجاب طفل بدماء فرعونية، حان الوقت يا عزيزتي. بعد شهر واحد، ظهرت علامات الحمل، شيء جميل سوف يحل على هذه العائلة بعد طول انتظار. بدأ الأبوان يعدون العدوة لقدوم المولود الجديد، فرحين به. أما حتشبسوت، فهي في أزهى حالاتها إطلاقا، طارت فرحاً، وتجلت زهواً، وجعلت حسن في كل ليلة، يعيش وكأنها أول ليلة لهما في الفراش. بل إن زينب أصبحت فجأة، وعلى غير المعتاد، مهذبة مع الجميع، محبة لهم، توقف العذاب والقمع للخدم، توقفت الإهانة، شعر الجميع وكأنهم خرجوا من جحيم عاشوا به سنين طويلة، إلى الجنة. لعلها حتشبسوت، شيء يشغلها أكثر أهمية منهم جميعاً الآن، الوريث قادم، فهذا الطفل في أحشاء زينب، يحمل تلك الدماء، التي ستضمن لها انتقال سلسل في يوم ما. بعد ثمانية أشهر، زفت الخادمة البشارة وجهها مستبشر متهلل مبروك يا سيد حسن، إنها فتاة ذكرتني بقمر -رحمها الله -يوم مولدها تشبه جدتها كريمة. Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Zainab’s Curse - Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل السابع عشر. دماء فرعونية April 26, 2023April 29, 2023 -أخيراً يا زينب، نجحتِ في إنجاب طفلتي. -طفلتنا يا حتشبسوت. -بل طفلتي، لا تغضبي يا… Read More الفصل الثامن عشر. الضباط الأحرار April 26, 2023April 29, 2023 خلال الأعوام السابقة لميلاد ألارا، شهدت مصر عدة ثورات ومقاومة شعبية ضد الاحتلال البريطاني، أو… Read More زلزال تركيا 6-2-2023 April 26, 2023April 29, 2023 حتى اليوم لم أستوعب بعد، كيف يمكن أن أفقد هذا القدر من البشر الذين عرفتهم… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل السابع عشر. دماء فرعونية April 26, 2023April 29, 2023 -أخيراً يا زينب، نجحتِ في إنجاب طفلتي. -طفلتنا يا حتشبسوت. -بل طفلتي، لا تغضبي يا… Read More
الفصل الثامن عشر. الضباط الأحرار April 26, 2023April 29, 2023 خلال الأعوام السابقة لميلاد ألارا، شهدت مصر عدة ثورات ومقاومة شعبية ضد الاحتلال البريطاني، أو… Read More
زلزال تركيا 6-2-2023 April 26, 2023April 29, 2023 حتى اليوم لم أستوعب بعد، كيف يمكن أن أفقد هذا القدر من البشر الذين عرفتهم… Read More