الفصل الرابع والثلاثون. حتشبسوت النبيلة

للأسف، لم يتبدل شيء، في مصر، سرعان ما عادت ألارا إلى سابق عهدها.

لطمة دوت على وجهه: يا بغل، قلت لك لا تصدر أي ضجيج، في حين أنا نائمة.

تيبس الدم في عروق نوبيا، وهي تراها تنظر إليها، لطمة دوت على وجهها: وأنتِ كذلك، آن الأوان لتتعلمي الأدب، واحترام القوانين، لم آتِ بكِ إلى منزلي لتكوني مصدرَ إثارة للشغب.

في الليل النقاش مُحتدم بينهما، الجاسوسان يسترقان السمع.

حتشبسوت: لا تضربي الفتاة، رجاء يا ألارا، لا تفعلي بها هذا، إنها يتيمة مسكينة، كانوا يلعبون، أطفال لا يفقهون، لا يعلمون كم هي مقدسة قيلولة الظهيرة عندك.

-بل سأفعل، وأكثر مما أصنع بمروان، لن أسمح لها أن تكون جاهزة للانتقال يوماً، ما لم تبوحي لي بالطلاسم.

-ليس لها ذنب، لا تؤذيها لمجرد وهم من خيالك، نظرت في عينيها نظرة فاحصة، ليست مناسبة للانتقال، توقفي عما تفعلين.

-كاذبة أنتِ يا حتشبسوت، مخادعة، وفي حين كنتِ تعذبين الناس جميعهم مع أمي، إلا أن تجهيزي للانتقال جمع بين الكثير من الدلال، الحُب، الرفق واللين، ولن أسمح لكِ خداعي الآن بمعاملة بالمثل لنوبيا، فتكون جاهزة لما تريدينه لها، سأفعل معها عكس ما فعلتِ معي، هذا عهد لن أخلفه أبداً.

-وماذا عن عهدك لأخيك فؤاد؟!

-تباً لكِ حتشبسوت، خبيثة، ليس لكلامك الإنشائي العاطفي هذا أي تأثير، انتهى الأمر.

في مصر، المنزل كبير، يوجد غرفة نوم إضافية لنوبيا، لا بد أن ينام كل منهما في غرفته الخاصة، رعب إضافي عليها، طوال شهرين في أنقرة، اعتادت النوم ومروان على سريرين منفصلين في غرفة واحدة.

انفصالهم هذا، لم يمنع الجواسيس من عقد اجتماعات سرية ليلية، للنقاش والتباحث حول آخر المستجدات، دراسة البيانات، تحليلها، واستخلاص التوقعات.

أكثر ما يشغلهم الآن هو سبب انقلاب حال ألارا بمجرد عودتهم، عادت إلى طبعها القديم الذي يعرفه بيبرس جيداً، ساعة من الحب والحنان، ويوم من العذاب والإذلال، لا بد من متابعة المراقبة، علهم يتمكنون بطريقة أو بأخرى، من العودة بها إلى تلك الشخصية التي كانت عليها في تركيا.

اجتماعات مهما طال وقتها، إلا أنه لا بد في نهاية الأمر أن يعود كل إلى غرفته، نوبيا بحاجة إيجاد بديل عن بيبرس يسليها ساعات الليل الموحشة، إلى حين يأتي الصباح، بديل يطمئن بالها، ويزيل خوفها.

بدأت تُفكر أكثر باللعنات، القوى الخارقة، التي يمكنها حمايتها من ألارا وحتشبسوت، وكل من قد يتعرض لها بأذى، وبما أنها تعيش في منزل، كل من فيه لديهم شخصيات متعددة، فلا بد من التميز، لا بد من تقوية شخصيتها الثانية، سولماز، لتكون يوماً ما، نداً مؤهلاً لمواجهة ألارا أو حتشبسوت، إن لزم الأمر.

صغيرة على هذا، إلا أن البشر إن وضعوا تحت الضغط الكافي، فسيبهرونك بالنتائج، بغض النظر عن أعمارهم، وفي حال طفلة لا تملك من أمرها شيئاً، فالنتائج كلها قد تكون خيالات ووهم قوة، لا وجود لها.

لا شيء يوازي أهمية البيانات، المعلومات المباشرة، التي تعرفها وتسمعها من فم لأذن، وسرعان ما وصلهم الجواب، اعتراف شفوي، على لسان ألارا، في نقاش ليلي معتاد مع حتشبسوت.

-غداً سيأتي سردار من السفر، لم تجهزي نفسك له.

-وما يتوجب فعله؟!

-على الأقل زيارة سريعة إلى صالون التجميل قبل قدومه، غائب منذ ثلاثة أشهر، لنبهره قليلاً يا ألارا.

-نامي يا حتشبسوت، لا وقت لدي لهذه السخافات.

-سخافات؟ متى ستفهمين أنني أعيش معك في هذا الجسد، لي حقوق، هذه رغبتي، أود الاستمتاع، لو ليلة واحدة من ليالي حسن وزينب.

أضافت: ثم ما الذي يشغلك؟ ليس لديك شيء في هذه الدنيا تفعلينه، إلا القيل والقال.

-الأولاد يا حتشبسوت، لقد قسوت عليهم كثيراً الأشهر الماضية، أخشى أن يخبروا سردار بكل شيء، لا بد من مراضاتهم، تطيب خاطرهم، شراء بعض الهدايا، سأكون طوال النهار مشغولة معهم، لا بد من ضمان عدم البوح له بكل شيء على الأٌقل.

-لن تنجح خطتك هذه دوماً، ما فعلتيه طوال حياتك، وفي أنقرة، وتفعليه الآن.

-طالما نجحت مع مروان.

-خطتي أفضل، سأجعل سردار خاتم في إصبعك، سيتجاهل ما تفعلينه، إن ركزنا عليه، دعيني أتولى أمره هذه الإجارة فقط، طوال أسبوعين، سأجعله ينسى الدنيا بمن فيها، يهيم متيم في عوالم سحر حتشبسوت، دلالها، وجمالها.

أضافت: سنذهب للسوق، نشرتي بدلة رقص زرقاء جديدة، الكثير من الشموع العطرية، بعض التحف، سنقوم بتبديل ستائر الغرفة، إلى ستائر من الحرير، سأجعله يركع تحت قدميكِ يا ألارا.

-نامي يا حتشبسوت، يكفي هراء.

صدمة بالفعل، لم تكن الأم الحنونة، إلا دور تلعبه ألارا، حين تحتاج أن تكون عليه، وربما كذلك دموعها، ما كانت إلا دموع تماسيح، وكل شيء آخر بها، وكما يبدو فإن حتشبسوت ليس تلك الشريرة التي ظنها مروان أحياناً، يبدو أن آلاف السنيين في السرداب، قد جعلتها عاجزة عن اتخاذ القرارات الصحيحة مع زينب، وحين تعلمت، صدمها واقع ما أصبحت عليه ألارا.

حياتهم كلها خليط من الشخصيات، الخوف، الإذلال، العذاب، التصنّع والتمثيل!

وجوه متعددة، بات فيها حتى الحُب، أكثر المشاعر البشرية غموضاً وسحراً، مجرد مسرحية، ودور يُلعب عند الحاجة.

حقد ولؤم، وكره غُلّف بغلاف الحُب.

ليست أول صدمة له، ولن تكون الأخيرة.

وفي داخل الاثنين، بات ما يبدو أنه انفصام حاد في الشخصيات، تتبلور معالمه يوماً بعد يوم.