April 26, 2023April 29, 2023 الفصل السابع والثلاثون. لستُ وهم خيالك في حي “أوسكودار” في إسطنبول، بناء قديم وبطابقين، أُغلق ببابٍ حديدي أسود زُخرف بالخط العثماني القديم، طُلي البناء باللون الأصفر الفاتح، عمل الزمن قانونه الأعظم فيه، كشف ستره وظهر لون الحجر الأصلي في مناطقَ عشوائيةٍ منه حيث تفتت عنها الطلاء، لوحةٌ فنية بتوقيع الفوضى، النظام الأعظم. صامداً منذ قرابة المائة عام، حوله الأزقة، ما زالت تتذكر الحكاية، ففي هذه الأزقة، تكمن التفاصيل، وجوهر اليقين. ها هنا قُتل الشيخ عمر ورجاله، كان يحذوهم الأمل بفعل شيء يحول دون انهيار الإمبراطورية، قبل فوات الأوان، إلا أنهم ماتوا، وهم يظنون أنهم لم يفعلوا شيئاً لإنقاذها، وفي الحقيقة، فإنهم قد فعلوا الكثير من الأشياء، كل ما كان يلزمه الأمر، هو أن يعمل فيها الزمن قانونه الأعظم. قد لا تكون النتيجة إسعاف إمبراطورية لا يمكن إسعافها، ولعل الشيخ عمر في لحظة ما، قد أدرك هذه الحقيقة، فقرر إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فالدماء التي نزفت في سبيله، تستحق التضحية. في مقر سري في جزيرة مالطا، أعوام بعد مقتل عبد الحق، لم يجدوا أي أثر لأي ملفات تهدد سرية وجودهم، كان الزمن كفيلاً بأن يَنسى الجميع، طويت صفحة ضباط يلدز المقتولين غدراً، في غرفة الأرشيف، حزمة أوراق تحكي الحكاية كلها، أسفل هرم من رزم الأوراق التي اكتساها الغبار، لم يعد أحد يهتم بها، ما من أحد يلاحظ وجودها. كل شيء على ما يرام، النظام الأعظم تحت السيطرة، بلا أي شذوذ. التاريخ 19-4-2001 ميلادي، حسب توقيت الخط الوهمي. الموقع، في إحدى قرى مركز البداري، محافظة أسيوط، مصر، بقايا منزل قديم. شاب في الواحد والعشرين من عمره، قوي البنية، طويل القامة، أبيض البشرة، أصلع الرأس، لحيةٌ خفيفة، أسود العينين، ليس من هذه البلاد، ليس من مصر حتى، بملامح أقرب لبلاد الشام، لا يبدو أن أي دماء فرعونية تسري في عروقه، ولا حتى عثمانية. ينظر بشغف وفضول حوله يبحث عن علامة ما! -قال خالي فؤاد، أن جدي دفن الصندوق في المنزل! انتقل إلى غرفة أخرى: ربما في هذه الغرفة. صوت ذكوري رقيق من خلفه: هيا لنبدأ الحفر يا مروان. -ليس الآن، أهل القرية يراقبوننا خلسة. بخُبثٍ أضاف: لعلهم تذكروا تلك القصة القديمة عن السرداب واللعنة. الصوت، بنبرة ذكورية غاضبة: تباً لك، يا غبي، اصمت، بدأت أختنق، اتفقنا ألا نتحدث عن هذا الأمر! ضحك الشاب: حسناً، سامحني. بنبرة استفزاز أضاف: يا صديقي. بسخط، قال الصوت: لست صديقك، ولا تخاطبني بصيغة المذكر رجاء، متى ستتعلم احترام النساء! ضحك من جديد، بسخرية: عليكِ سماع صوتكِ حين تتحدثين كالرجال، لا أستطيع تخيل أنكِ امرأة بعدها. بصوت ناعم مثير، وبنبرة أنثوية تهكمية، أجابت: حقاً؟ كنتُ لأصدقك، لو أنك قلت هذا ليلة الأمس، في حين نتقلب على السرير. بنبرة استفزازية أضافت: يا عزيزي. وبغضب أنثوي مصطنع: ثم إنني أفعلها لأجلك، أنت تستعبدني، بت لعنتي التي لا خلاص منها! كررت باستهجان: لعنتي؟ أنت تصبح لعنتي! تتلاعب بي، يا له من وضع غريب بالفعل، مثير للسخرية. مروان: لا أتلاعب، أفعل هذا لأجل مصلحتنا، حين نحتاج رجلاً معي أجعلك تتقمصين شخصية رجل، ولحسن حظنا فإن مواهبك بالتنكر وتقمص الأدوار، لا تنتهي، وهذا أسلم لنا من الاستعانة بغريب. -بل حسب مزاجك الخاص في كثير من الأحيان، لتتلاعب بي! بدأت أكره كوني معك. -لا تكررين مثل هذا القول ثانية، لا أصدقك، تعلمين كم أحبك، وكم أحب إغاظتكِ من وقت إلى آخر. الصوت: متى ستطلق سراحي! متى ستدعني لحال سبيلي! بصوت عذب أجاب: هل تريدين ذلك حقاً؟ لا شيء إلا صوت الرياح، لا جواب. في الخارج، بعض أهالي القرية يراقبون خلسة بفضول. بقي هذا المنزل مهجور قرابة الثمانين عاماً، قصص وخرافات تدور حوله، يقولون إن فتى صغيراً قُتل في أثناء البحث عن كنز فيه، وفتاة قُتلت حرقاً في الفرن الطيني، قصص تناقلها أهل القرية، طوال أعوام. واليوم ظهر هذا الشاب فجأة، ليس مصرياً، لكنه حفيد المالك، يريد إعادة بنائه، لا أحد يعلم السبب! من حقه ذلك، فقد أثبت بالأوراق القانونية اللازمة ملكيته للمكان، الذي آل إليه عن طريق زينب بنت صالح، جدته من ناحية أمه، ألارا بنت زينب. إلا أن فضول بعض الأهالي، يدفعهم للمراقبة، فهم لم يعتادوا أي اهتمام من الغرباء بقريتهم! خصوصاً إن كانوا غير مصريين، إلا لسبب يتعلق بالدفائن والكنوز. الصوت: لن نتمكن من إخراج الصندوق، وهم يراقبوننا طوال الوقت! مروان: فضوليون، أيام وسينتهي فضولهم، سوف يذهب كل في حاله، سنجد فرصة للحفر بأمان. -لا يمكنني تخيل هذا! هل بالفعل بقي الصندوق دفين سرداب في القصر طوال ذلك الوقت! ثم دُفن هنا في صمت، دون أن يعلم أحد! -لا أعلم يا عزيزتي، نحن على بعد خطوة واحدة من معرفة الحقيقة. بنبرة حزن على موته: غير واثقة من هذا، كان على فراش الموت حين أسرّ لك بالأمر، لعله كان يهذي! بثقة أجاب: لم يكن يهذي، قال كلمات مقتضبة ومختصرة، إلا أنها كانت واضحة جدا لا تحتمل التأويل. الصوت: كنتَ صغيراً حينها، في التاسعة من عمرك فقط، لعلك تتوهم شيئاً لا وجود له؟! تنهد، صك أسنانه، عض شفتيه: ما الذي ترمين إليه؟ -لا أقصد هذا، اعتذر، حسناً، لعلها أمك ألارا، اختلقت القصة وزرعتها في عقلك، من بين قصصها الكثيرة المُختلقة من وحي خيالها! نظر خلفه، باستنكار قال: قصصها؟ هل أنتِ واثقة من أنها كانت قصصها؟! لحظة صمت طويلة، لا شيء إلا صوت الرياح! ما زال ينظر خلفه، عيناه لا تبرحا نقطة واحدة، لا يزيغ بصره عنها. تنهدت، بصوت رقيق: ليس من عادتك النظر مباشرة في عيني وأنت تتحدث عنها، ما الذي تبدل الآن؟ لا شيء إلا صوت الرياح، لا جواب. لديه خطة، فبعد إثباته ملكيته للمكان، سيعمل على إعادة إعماره، مُحب لحضارة الفراعنة، أجداده، يود بناء المنزل؛ ليكون مقصداً له كلما قدم إلى جنوب مصر، سيبدأ بالغرفة، وما أن ينتهي العمل بها، وتصبح بين أربعة جدران محكمة الإغلاق، لن يستغرق الأمر أكثر من بضع دقائق، ليحفر دون أن يراه أحد. الصوت: دراويش يلدز! الاسم مثير للفضول حقاً، ماذا يعني يا ترى! ألم يقل شيء آخر عنهم؟ مروان: لا، كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، ليتكِ كنتِ في الغرفة؛ لتسمعي ما قال. أضاف بتهكم: على الأقل، ما كنتِ حينها لتشككِ بصدق الأمر، صحيح؟ بنبرة سخرية أجابت: آه، صحيح، كان يتوجب بي ترك طفل في التاسعة من عمره يذهب لاستدعاء الأطباء، في حين كان هو يلفظ أنفاسه الأخيرة! وما أدراني أنك ما كنت لتتوقف في الطريق لشراء بعض الحلوى؟! ضحك، متعجباً مما قالته: اسمعوا من يتحدث! وأنتِ كم كان عمرك؟ لقد كنتِ في السابعة فقط! كرر مرة ثانية: في السابعة يا سولماز، فأنتِ أصغر مني بعامين. بكبرياء وثقة بالذات مفرطة، ونبرة خبيثة مُستفزة، قالت: كنت ناضجة أكثر منك، منذ صغرك لا يمكن الاعتماد عليك في شيء، تماماً كما كانت تقول أمك. صمت، هز رأسه، نظر إلى الفناء الخارجي للمنزل، تنهد: على الأقل فهو قد فعل ذلك، ولن أخذله. نوبيا: اعتذر، سامحني، لم أقصد الإهانة. أضافت بصوت عذب: لستَ الوحيد الذي يمكنه إغاظة الآخرين متى أراد، أليس كذلك؟ نظرت حولها: أظن أن علينا مغادرة المكان، أطلنا المكوث، هل نذهب؟ لا شيء إلا صوت الرياح، لا جواب. في طريقهم إلى مركز المدينة، يقود سيارة مستأجرة، جالسة جواره، تنظر من النافذة، تفكر في أمر ما. قالت: هل ما زلت تريد معرفة الجواب؟ -عن أي سؤال؟ -إن كنت أريد الخلاص منك حقاً. أمسك يدها: وما جوابك؟ أطلقت تنهيدة فضحت عناء ذكريات لا يمكن نسيانها، قالت: لقد عشنا سوياً منذ موته، كنا أطفالاً يا بيبرس، وما كان من المفترض بأطفال أن يواجهوا ما واجهنا، إلا أننا نجونا، كانت أمك قاسية، وقد نلنا ما نلناه منها، خارجة عن السيطرة، خبيثة، مجنونة، لئيمة، حقودة، ما كنت لأنجو لولاك، طالما تلقيتَ العذاب بدلاً مني، ونلتَ العقاب لحمايتي، شددت من عضدي، هدأت من روعي في ليالي الخوف والرعب. ابتسمت: وثق أبي بمروان الصغير، ووثقت أنا بمروان، وبيبرس، لن تتخلى عني، أقسمت أن تبقى جواري، وفعلت، ثم أحببتك، وثقت بك بدوري، فهل تظن حقاً، أنني أريد الابتعاد عنك؟! تنهدت ثم أضافت: وثق بك بشأن ابنته الوحيدة، وتظن أنني لا أصدق أنه أسر لك بأمر الصندوق في لحظاته الأخيرة؟ يا مجنون، كنت أثير غيظك لا أكثر، إلا أنني متعجبة كتمانك الأمر عني حتى الآن! انحرف بالسيارة لليمن، توقف على جانب الطريق. تذرف عيناه الدموع، يشيح بنظره بعيداً عنها، يهرب من عينيها، قال: اصمتي يا سولماز، توقفي عن هذا، لا تواصلي الخداع. سولماز: لا تبدأ من جديد يا بيبرس، أرجوك، توقف عن توهم قصة خيالية، أنا الحقيقة، لم ولن يفرق بيننا شيء، لستُ وهم خيالك، لستُ وهم خيالك. تنهد، بابتسامة تهكمية، هز رأسه: كلا، أنتِ من عليه التوقف عن توهم قصة خيالية، ما أنتِ إلا وهم من خيالي، لقد قتلتك أمي منذ زمن، فشلت في حمايتك، بعد موت خالي فؤاد، بتِ يتيمة الأب والأم، تعهدت له أنها سترعاكِ كما ترعاني، وقد صدقت، إلا أنه كان يجهل طريقة رعايتها لي. تنهد بحسرة، مسح دموعه، أكمل حديثه: بدأت تنتابها هلوسات أن حتشبسوت ستتخلى عنها، لتنتقل إليكِ، كانت دماؤك فرعونية مناسبة للانتقال، صغيرة وجميلة، وفي إحدى نوبات جنونها، تشاجرت مع حتشبسوت، تحاول منعها، قالت لن أسمح لكِ بالانتقال إلى نوبيا، سأقتلها، سأحطم جمجمتها إن حاولتِ، وأمسكت بك، ثم دفعتكِ نحو الجدار، ارتطم رأسك به، نزفتِ حتى الموت، أمام عيني، فقدت وعيي، وبعد أن استعدته وجدتها قد قالت إنني من دفعتك من النافذة خطأ، في حين كنا نلعب، هذه الحقيقة يا سولماز، هذا ما حدث. سولماز: بل هذا هو وهم خيالك يا بيبرس، نعم تشاجرت هي وحتشبسوت، كانت تغار مني، ترفض فكرة انتقال لعنتها لي، ليس حباً بي، بل غبطة وحسد، وقد جن جنونك حين سمعتها تتوعد بقتلي، وما أن أمسكت بي، حتى قفزت إليها محاولاً منعها، أفلتتني وأمسكت بك بدلاً عني، ثم أخذت تجلدك بقسوة، بدأت أصرخ مستنجدة، حاولت منعها، أمسكتني ودفعتني نحو الجدار، ارتطم جسدي به، وليس رأسي، سقطت على الأرض، ولم أتعرض لأي أذى. إلا أنك تعرضت لانهيار عصبي غير مسبوق حينها، بدأت تقفز وتصرخ بجنون، تهذي بكلام غير مفهوم، تصدر أصوت كالغرغرة، أمسكت بك من جديد، وأخذتك إلى خارج الغرفة، لا أعلم ما دار بينكم، وما قالته لك، ولكني هرعت إليها على صوت صراخها وهي تطلب مني الماء وزجاجة العطر، كان أنفك ينزف دماً، وزبد يخرج من فمك، فاقد للوعي تماما، وكأنك مِت لبرهة من الزمن، لم يستمر الأمر أكثر من دقيقتين، ثم استعدت وعيك. صمتت للحظات، أضافت: وحين استعدت وعيك، بدأت المشكلة، كنتَ تظن أنني ميتة، وأنك بقيتَ شهراً كاملاً فاقداً للوعي، وإن أمك كذبت وألقت اللوم عليك بدفعي من النافذة، في حين كنا نلعب. هزت رأسها متعجبة: ألفت قصة من وحي خيالك، لا أفهم كيف تمكنت من اختلاق حكاية كهذه، وأنت فاقد للوعي لدقيقتين فقط. تقدمت بوجهها من وجهه: أسبوع كامل يا بيبرس، أسبوع وأنت ترفض تصديق كوني على قيد الحياة، ترفض الحديث معي، تظنني وهم من خيالك، وأن كل شيء حولك مجرد هلوسات. بيبرس: لمَ لم تصحبني لطبيب نفسي إذاً، أصرت على علاجي بطريقتها الخاصة، ضربتني، جلدتني، حتى أجبرتني على تصديق كونك على قيد الحياة، قالت لي على نحو متكرر، لا يهم إن كانت هنا أم لا، ما يهم أنك سترى ما أريدك أن تراه، رغماً عن أنفك. عادت بظهرها إلى الخلف، قالت بتهكم: لعل هذا الشيء الوحيد الذي لم أمانع عذابك لأجله، ما كنت لأتخيل أن أموت بالنسبة لك، وأنا حية أرزق. أضافت: ثم ماذا حدث يا بيبرس؟ مات أبوك بعد أربعة أعوام، استفردت بنا أكثر، فعلت بنا ما لا يخطر على بال بشر، عشنا طوال الوقت في كنفها، في ظل العذاب والقهر، إلى أن ماتت منذ أشهر، لقد نجونا، وها نحن سوياً، لدينا الكثير من المال، لا شيء نفعله إلا السفر، نطارد لغزاً قديماً يتعلق بجدي حسن وعائلته، رحمهم الله. تنهدت بامتعاض، بغضب مفتعل: لمَ تصر على تعكير صفو حياتنا بوهمك هذا يا بيبرس؟! -توقفي عن مناداتي بيبرس، اسمي مروان، سئمت هذه الألاعيب. أضاف: لا رغبة لدي بمساع هذا الاسم مجددا، ولا حتى سولماز. أجابت بإذعان: كما ترغب، لن يُحدث هذا أي فارق بالنسبة لي، هل تريد انتهاء سولماز الآن فوراً؟ أضافت: سأبقى نوبيا، ستموت سولماز منذ اللحظة، هل هذا يرضيك؟ -نعم، مروان ونوبيا، فقط، لا وجود لبيبرس، ولا وجود لسولماز. أضاف بتهكم: هذا إن كانت نوبيا موجودة من الأصل. التفت جسدها كله نحوه: حسناً، أوقف السيارة، توقف هناك، سأثبت لك أنك تعيش وهم أنني ميتة، من حين إلى آخر، في حين أنا حية أرزق بجوارك. -لا داعي لتكرار الأمر، وغز أصبعي بالدبوس، لا يُثبت أي شيء. -بل يُثبت، الألم، لا يمكن لعقلك أن يحافظ على سلامة صورتي، صوتي، ملمسي، في حين هو يتألم، إن كنتُ وهم خيالك، فسوف تلاحظ شيئاً غير منطقي بي على خلاف العادة. -حسناً، لا أود تكرار الأمر، فعلناها عشرات المرات، ولم ألاحظ أي شيء غريب. -هل ترى؟ لستُ وهم خيالك، أنا هنا، وسأبقى هنا. أخذ نفس عميق، ابتسم، قال: السيارة متوقفة سلفاً، يا نوبيا. -حقاً، لم ألاحظ هذا، متى توقفت؟ -منذ بدأنا حديثنا، لقد فوتي موعد الدواء، صحيح؟ -أعتذر، نسيت. بحسرة قال: كان أبي ضعيفاً أمامها، لو أنه يعود للحياة لسألته سؤال واحد فقط، ما الذي دفعه للبقاء معها؟ لمَ لم ينفصل عنها منذ البداية؟ قبل إنجابي حتى! كيف لم يلاحظ الأمر منذ تزوجها. نوبيا: لا تلومه يا عزيزي، لقد قص لنا حكايته معها، تعلم كم كانت خبيثة، لاعبته على وتر عاطفته، كان شاعر طيب القلب، لم تُظهر حقيقتها دفعة واحدة، أغرقته بالتدريج، ثم بعد أن تورط وأنجب منها، قُضي الأمر، ما كان ليتخلى عنك ويتركك لها، وما كان بمقدوره أخذك منها، لم يعلم شيء عما جرى لك. أضافت بنبرة تهديد: كما أنه ارتكب خطأ لا يُغتفر، سأفعل أكثر مما قامت به، إن فعلت فعلته بدورك. ابتسم: تدافعين عنها إذاً؟ أضاف: هل يتوجب بي القلق حيال هذا؟! -لا أدافع عنها في كل شيء، عاقبتك بأمر لا ذنب لك به، هي مجنونة قبل أن تعرف أبيك، حبها له غيرها، كبح جماح الشيطان داخلها، إلا أن خيانته، فجرت الشرور من جديد، مضاعفة ربما. مروان: لم تعاقبني وحدي، ما الذي دفعك لقول عاقبتك؟ لمَ تستثني نفسكِ من العقاب؟ -ربما كنت أستحقه، فحتشبسوت أرادتني، أو لعلها دفعتها لفعل هذا بي، لغاية في نفسها، يمكنني تفهم موقفها معي، لكن ما فعلته بك، لا يمكن تبريره. بنظرة استنكار، قال: أكثر ما يخيفني هو تبريرك المستمر لها ما فعلته بك! -صدقني يا مروان، أعذرها، شيء تملكه، حتشبسوت من حقها، أرادت الحفاظ عليها. بنبرة سخرية، قال: وهل حتشبسوت شيئاً يود المرء الاحتفاظ به أصلاً؟! أخرجت من حقيبتها حبة دواء، تناولتها، في حين انطلق مروان مسرعاً من جديد. في الطريق قالت ممازحة: هل أنت واثق أنك لم تعد ترغب في وجود سولماز من الآن فصاعدا؟ -نعم واثق جداً يا نوبيا، لا سولماز، ولا بيبرس، لعل هذه الشخصيات من تسبب لي وهم موتك. بعد نصف ساعة توقف في استراحة على الطريق، للتزود بالوقود. الكثير من القلائد، الأساور، الزينة، التُحف المصنوعة يدوياً، معروضة في واجهة متجر زجاجية، على مرمى نظرهم، يشتريها السياح عادة. انتهى العامل من تعبئة خزان الوقود، دفع له نقداً، ترك الباقي إكرامية. قاد نحو المتجر، توقف على بابه بشكل جانبي، باتت واجهته على يمينها، ينظر إليها وإليه، في حين لا يمكنها رؤية الواجهة ما لم تدر بوجهها نحو اليمين. مروان: سنعود إلى الفندق مباشرة، لن نذهب إلى أي مكان. نوبيا: حسناً، كان يوماً شاقاً للغاية، بحاجة لأخذ قسط من الراحة. التفتت إليه: ربما النوم باكراً كذلك. بنظرة استنكار قال: النوم باكراً؟ أشار برأسه إلى واجهة المتجر، وبابتسامة ماكرة أضاف: ما أفكر به حقاً، هو ما إن كان علينا الدخول هناك، وشراء تلك الثياب لكِ، ما رأيك؟ نوبيا، غير مبالية بما قال: عندي الكثير من الثياب يا عزيزي. مروان: ليس من أجل نوبيا. نظرت إليه، عضت شفتها السفلية، رفعت حاجبيها: ألا ترى يا بيبرس، لا يمكنك نسيان سولماز، مهما حاولت إنكار رغبتك بها، وإخفاء شوقك إليها، فما تلبث إلا وتطلبها من جديد، بيبرس وسولماز لن يموتا أبداً. أدارت وجهها نحو المتجر، أخذت نفساً عميقاً، ابتسمت، قلبها يدق بشغف، نفثت النفس بصوت كأنه نار ودخان، بقي دفين صدرها دهر من الزمان، تحرر توه. التفتت إليه من جديد، بنظرة ذهول، قالت بصوت عذب حنون: يا ويلي منك، ومن رغباتك التي لا تنتهي، يا مهجة القلب وشريان الروح، إنها بدلة رقص زرقاء قصيرة. أمالت رأسها، بثقة المُنتصر، وبمكر الإناث: ألم تكفيك نوبيا وسولماز ليلة الأمس؟! تقدمت بجسدها إليه، وضعت يدها على صدره، ألصقت فمها في أذنه، همست: ربما عليك محادثة الفندق قبل وصولنا، والطلب منهم تبديل ستائر الشرفة، إلى ستائر من الحرير. عادت بظهرها إلى الخلف، بلعت ريقها، تحسست العقد في رقبتها، غمزته، وبابتسامة شيطانية، وثقة عمياء مفرطة، قالت: سنشتري الكثير من الشموع كذلك، وبعض الأمور الأخرى. تتحسس رقبتها، تنهدت، أضافت بنبرة مثيرة. -سترقص لك هذه الفرعونية طوال الليل. ستنال ما تشتهي… وسأحرص دوماً على أن تكون بخير. Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Zainab’s Curse - Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل التاسع والثلاثون. الأزقة ما زالت تتذكر April 26, 2023April 29, 2023 ما زال في سيارة الأجرة، يفكر في خياراته، وخطته. صوت السائق: هل كان التحقيق في… Read More كلمة الكاتب April 26, 2023April 29, 2023 لا، لم أكن نائماً ليلة الأمس في لحظة سلام نادرة، ولم يأتني ذلك الصوت في… Read More الفصل الثالث والثلاثون. الجواسيس الصغار April 26, 2023April 29, 2023 -انتظري قليلاً، ستبدأ الكلام بصوت مسموع، بدأ وجهها يصبح أكثر حُمْرَة. -أنا خائفة يا بيبرس،… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل التاسع والثلاثون. الأزقة ما زالت تتذكر April 26, 2023April 29, 2023 ما زال في سيارة الأجرة، يفكر في خياراته، وخطته. صوت السائق: هل كان التحقيق في… Read More
كلمة الكاتب April 26, 2023April 29, 2023 لا، لم أكن نائماً ليلة الأمس في لحظة سلام نادرة، ولم يأتني ذلك الصوت في… Read More
الفصل الثالث والثلاثون. الجواسيس الصغار April 26, 2023April 29, 2023 -انتظري قليلاً، ستبدأ الكلام بصوت مسموع، بدأ وجهها يصبح أكثر حُمْرَة. -أنا خائفة يا بيبرس،… Read More