April 26, 2023April 29, 2023 الفصل السادس. الطيب النبيل -إنه طيب وشهم، سوف يرعانا ويحمينا، اطمئني يا زينب. في غرفة صغيرة في قبو داخل القصر، اقتربت حتشبسوت منها، غمزتها بنظرة خبيثة، أكملت: وجميل كذلك، يا له من شاب، ألم تلاحظي نظراته لك، آه كم أود لو نكون بين ذراعيه. -لكني ما زلت صغيرة على هذا! -صغيرة؟! لقد اكتمل نضوجي في عمر أقل من عمرك، ما يميز هذه البلاد يا زينب أن النساء بها ينضجون سريعاً، وتتأجج نار الشهوة فيهم أسرع، هذا ما سوف يحدث لك قريباً يا عزيزتي. -ما تقصدين بالشهوة؟ اقترب منها وبنظر شفقة قالت: المسكينة، كم أنتِ بريئة، تعالي، قفي هنا أمام المرآة، انظري إلى هذا الجسد، ما كنت لأسمح للعجوز أن ينال منه، أما حسن، فمثله من يستحقه. بدأت تدور حول نفسها، تنظر إلى جسدها. حتشبسوت: ها قد بدأتِ تدركين ما أعنيه، يا سيدة القصر. -ماذا؟ سيدة القصر؟ -نعم، هنا فوقنا، هذا القصر الكبير، بكل ما فيه من خدم وحشم، ستكونين سيدته الأولى، لا تشغلي بالك بهذه التفاصيل، دعيني أتصرف حيالها، انشغلي بجمالك، ورشاقتك، فأنتِ طيبة بريئة نقية، كوني على ما أنتِ عليه، ودعي ما تبقى لي. زينب: لكنني لست مثل فاطمة، ولا مثلك، لست بجمالكم، أنا فتاة عادية جداً. ضحكت: يا مسكينة، ليس جمال المرأة في وجهها، لا يا صغيرتي، طالما كان جمالها في عقلها، وما يمكنها فعله، فالرجال لديهم الكثير من نقاط الضعف، وكم هو غريب أن تكون أكثر نقاط قوتهم، هي أخطرها عليهم، النبل والفروسية. قامت ببعض الحركات بأصابعها، كأنها تعزف على البيانو، نظرت إليها بخبث، غمزتها، أضافت: لا تشغلي بالك بالتعقيدات، عندي بعض المهارات يا عزيزتي. إن كان من شيء يميز حسن، فهو تمسكه بثوابت الدين الإسلامي، وتمسكه بإرث العائلة، وأحلام وأماني، بتحرير مصر من الاحتلال البريطاني، وأن تعود عثمانية، جزء لا يتجزأ من دولة الخلافة. تتوقد فيه روح الشباب، مندفع نحو الحق، أحبه جميع من عرفه، الخدم، المزارعين، الحراس، بسيط جداً، متواضع، حرص دوماً على مشاركة الفلاحين طعامهم، وسهر حتى ساعات الفجر مع الحرس، زار المرضى، وقدم المعونة للمحتاجين، كريم معطاء. خليط مثالي، لرجل عظيم، إلا أنه على الجانب الآخر، خليط خطير، من النبل والفروسية، فكل ما يلزمه الأمر، فتاة مسكينة، بريئة، بحاجة للمساعدة، تكَفل هذا النبيل بها، وتعهد حمايتها. فتاة في داخلها لعنة قديمة، روح شريرة، خبيرة في فنون التلاعب بالرجال، واستغلالهم. أو لعلها لعنة ولدت توها، تنبت من أعماقها، لا هدف لها إلا النجاة والبقاء، ومع قلة خبرة الفتاة، وقلة تجاربها في الحياة، فسبل النجاة هذه، قد تكون مدمرة لجميع من حولها. -لماذا لم تعترف فاطمة بشيء عنك؟! حكت لي كل ما حدث معها، إلا أنها كانت تُصر على عدم وجودك، وأن لا وجود لأي لعنة داخلها! -أخبرتك من قبل يا عزيزتي، لم أظهر لها كما فعلت معك، ما كانت لتحتمل وقع الأمر عليها، خصوصاً مع ما كانت تمر به من عذاب، ضعيفة، ليست مثلك، ففي داخلك امرأة قوية، سيدة عظيمة، لو كنتي في زمن الفراعنة لأصبحت إلهاً بين الجميع. -إلهاً؟ أستغفر الله، كيف تقولين هذا، فلا إله إلا الله الواحد الأحد، وجميع آلهة الفراعنة، ومعتقداتهم، هي كفر بالله، هكذا علمتني أمي؟ بضحكة استهزاء، وصوت مرتفع: الله؟! وهل كان من العدل أن يترك فاطمة لمصيرها ذاك، مُحترقة في الفرن، في حين ينعم العجوز في حياته وكأن شيئاً لم يكن! أين هو مما كاد أن يحل بك يا زينب؟! رفعت رأسها، اتسعت عيناها، انخفضت حدقتهما، نوبة مفاجئة من الغضب، احمر وجهها، صرخت: لعله في مكان آخر، لكنه ليس هنا، ليس في الصعيد، أنا من أنقذتك يا زينب، وليس إلهك الواحد الذي تزعمين. خافت منها للحظات، ثم تذكرت، يبدو أن حتشبسوت تمر بنوبات غضب عابرة، سرعان ما تعود لطبيعتها، هذا ما حدث آخر مرة، حين تذكرت ذبحهم لها في السرداب. تُفكر فيما قالته توا عن الإله، يبدو كلامها منطقياً، لعله موجود، ولكن ليس في الصعيد. موجهة السؤال لها: هل أحسست بكل ما أحست به فاطمة، حين كان الحكيم يعذبها ويهتك عرضها؟! صمتت للحظة، ثم أضافت: وحين احترقت في الفرن؟! بنبرة حزينة، ونظرة شفقة، أجابت: نعم، كم حزنت عليها، تألمت كثيراً، حتى إنني في وقت ما فكرت بتركها، إلا أن ذلك الخبيث ما كان ليتوقف. -كيف عرفتِ أنه لن يتوقف؟ -هو لا يعلم بوجودي في داخلها أصلا، العجوز مُنحرف، كلهم هكذا، مُنحرفون، يستغلون المواقف، من أجل المال والشهوة، إنها لعنتهم، الفرق أنها لعنة تولد مع المرء، تجعله يفعل كل ما لا يخطر على بالك من شرور، بينما أنا؟! يا لي من مسكينة، لا يمكنني إيذاء أحد، كل الذي أردته وأريده هو صديقة، أسليها وتسليني. -ما الذي يتوجب فعله للنجاة منهم؟ تقدمت منها، بنظرة ملؤها مكر ودهاء، أجابت: لا مهرب من العجوز إلا إليه يا زينب، يجب أن تكوني مثله، محتالة، خبيثة، ولا بد أن يكون لك سوط تجلدي به، ونار تكوين بها. أضافت: في هذا العالم، إما أن تكوني العجوز، أو فاطمة، فلا خيار ثالث. -لا يمكنني فعل ما فعله، ليس هذا من طباعي! -طباعك؟ ومن ذا الذي يهتم لطباعك الآن، تريدين الحياة، أم الفرن؟ ودون أن تنتظر إجابتها: سيطارك الفرن حتى آخر عمرك، بشكل أو بآخر، لا بد أن تتعلمي متى تُظهرين وجهك الطيب الحنون، ومتى تكونين مسكينة ضعيفة مغلوبة على أمرها، ومتى تصبحين جبارة، محتالة، مخادعة أكثر من العجوز. جلست بجوارها، تنظر في عينيها مباشرة: هذا العالم سوف يدوسنا بالأقدام إن لم نفعل يا زينب، فلا مكان فيه للمساكين. احمر وجهها، وكأن نوبة غضب جديدة قادمة: لن نسمح لهم بذلك. زينب: وكيف نفعل هذا؟! وقفت على قدميها، فتحت ذراعيها في الهواء، شامخاً رأسها عالياً بغرور وكبرياء، برقت عيناها، بصوت جهور، ونبرة مُخيفة، صرخت: ستتعلمين متى تكونين إلهاً، يخر الجميع تحت قدميه خوفاً ورعباً، ستكونين الكون كله والعالم يدور حولك، مُتسلطة، مُستبدة، مُحطمة، مُدمرة، قاهرة، طاغية. إلهاً يا زينب إما أن تكوني إلهاً، أو تُذبحين في سرداب مُظلم، أو تُحرقين في فرن مُلتهب إلهاً، لا رحمة في قلبه ولا شفقة إله العذاب يا زينب إله العذاب، فلا مكان لنا بين العبيد. Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Zainab’s Curse - Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الفصل الثامن والعشرون. وحيد وسط الفوضى April 26, 2023April 29, 2023 لو كان لي أخ لما كان هذا حالي، لتحمل معي بعضاً من جنونها، لشكوت له… Read More الفصل العاشر. ليلة الالتزام April 26, 2023April 29, 2023 -أهلا بك سيد عبد الحق، يشرفنا تواجدك بيننا اليوم، الحمد لله على سلامتك. -شكراً سيدة… Read More المقدمة April 26, 2023April 29, 2023 هذه الرواية، على الرغم من أنها ضمن سلسلة روايات ابن الفوضى، إلا أن أحداثها ليست… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الفصل الثامن والعشرون. وحيد وسط الفوضى April 26, 2023April 29, 2023 لو كان لي أخ لما كان هذا حالي، لتحمل معي بعضاً من جنونها، لشكوت له… Read More
الفصل العاشر. ليلة الالتزام April 26, 2023April 29, 2023 -أهلا بك سيد عبد الحق، يشرفنا تواجدك بيننا اليوم، الحمد لله على سلامتك. -شكراً سيدة… Read More
المقدمة April 26, 2023April 29, 2023 هذه الرواية، على الرغم من أنها ضمن سلسلة روايات ابن الفوضى، إلا أن أحداثها ليست… Read More