April 26, 2023April 29, 2023 الفصل السادس عشر. لا بد من المحاولة كالمجنونة تدور في أرجاء الغرفة، تشد شعرها، تقبض راحتا يدها، تصك أسنانها، تصرخ، ستنفجر في أي لحظة، لا تعلم ما الذي جرى، كان من المفترض أن تكون هذه الفتاة بدماء فرعونية! إلا أن زينب للمرة الثانية، تنجب نسخة من عائلة حسن. حتشبسوت غاضبة جداً، كما لم تكن من قبل، ضربت بيدها على رأسها، آه كيف لهذا أن يحدث! سحقاً له ولعائلته. تقدمت ونظرت إلى عيني الصغيرة للمرة الألف منذ ولادتها قبل أيام، نظرة فاحصة، تبحث عن شيء فيهما، عضت شفتيها، زَمّت عينيها، صكّت أسنانها مجدداً، تود البكاء، رفعت رأسها إلى السماء، برقت عينيها، صرخت بأعلى صوتها، تباً لهم جميعاً، لا أثر إلي في عينيها، أين ذهب طفلي! زينب: اهدأي بدأتي تثيرين أعصابي بتصرفاتكِ هذه! أنتِ تخيفين الصغيرة، اهدأي قليلاً. -الصغيرة؟! نظرت حتشبسوت إليها مجدداً، بدأت تبحث في أرجاء الغرفة، أين الزيت، أين ذلك الطبق اللعين؟! زينب، بصوت مرتفع، نبرة صارمة لا مجال للجدال بها: لا، إياكِ أن تفكري بهذا، لن تقتليها كما قتلتِ قمر. حتشبسوت: قمر؟ أنا قتلت قمر؟! تقدمت منها، مستهزئة، وبخبث أضافت: بل أنتِ من قتلتها يا زينب، بإصبعك هذا، سددتِ به حلقها الصغير وفمها الجميل، حتى اختنقت. زينب، مستنكرة: لكنها كانت تلعب، دغدغها إصبعي، ونامت على ذراعي! عم الصمت أرجاء الغرفة، هدأت حتشبسوت، تقدمت منها: نعم يا زينب، لم تقتليها، ولم أفعل، لقد اختنقت في أثناء نومها، رحمها الله. زينب: سنسميها نرجس، اختار حسن الاسم. -نعم، نعم، نرجس العثمانية، أين طبق الزيت اللعين؟! -توقفي يا حتشبسوت، لا حاجة لتوسعة حلقها، انظري فمها لا يشبه فم جدتها تماماً، لا يبدو صغير إلى ذلك القدر! متحاملة على نفسها، بنظرة اشمئزاز: ربما. أحبتها زينب، وكرهتها حتشبسوت، واقع مرير، لم يكن بمقدورهم إلا القبول به، عاملتها بقسوة، وما بين الحب والرضى والحنان، جرعات من العذاب. لا بد من محاولة الإنجاب، فحتشبسوت مصممة على نيل مرادها، طوال عشرة أعوام كاملة، أنجبت بالإضافة لنرجس، بنت سُمّيت أمينة، وثلاثة أولاد، يونس، صابر، فؤاد. يجمع بينهم جميعاً، علامة لا يمكن تجاهلها، فكلهم يشبهون عائلة أبيهم. جن جنون زينب، لم يعد بمقدورها السيطرة على حتشبسوت، فالعمر يتقدم بها، ولم تفلح حتى الآن بإنجاب مولود مناسب للانتقال. وإن لم تنجح، سيكون مصير حتشبسوت مجهولاً، لعلها تتمكن من الانتقال، ولكن سلطتها على المُضيف لن تكون قوية، أو لعلها ستحترق ببساطة، ولا يعود لها وجود، كل الذي تعرفه أن قدرها بات معلقاً بقدر مولود بدماء فرعونية، من صُلب زينب. مع مرور الوقت توقفت زينب عن المحاولة، باتت انطوائية على ذاتها، مكتئبة، قاسية مع أولادها، تعاملهم كالخدم، تجلدهم، تكوي جلدهم بالنار، تتنمر عليهم، لا تلبث أن تذكرهم بأصولهم العثمانية، تلك التي كانت عاراً عليهم، من وجهة نظر زينب. غيرت الحقائق، كذبت، استبدت، كل شيء فيها يكبر، حتى طغيانها، وجبروتها، أصبح الأصل بها هو زينب الرداحة، والباقي مجرد تقلبات لحظية في مزاجها، راضية حين، وغاضبة أحياناً. عُنف أسري لا يمكن لبشر تخيله، تسببت لهم بحالات من الانفصام، في ظل عجز تام من الأب الضعيف، عن مواجهتها، أو النجاة بالعائلة من هذا الجنون، ضعيف لا يريد إلا النجاة بعائلته من هذا الواقع المرير. أحكمت زينب قبضتها على العائلة تماماً، بالحديد والنار، تكرههم جميعاً، وتحبهم في الوقت ذاته، لا يتجرأ أحد على مواجهتها، حتى لا يناله عذابها، أو يطاله سليط لسانها. صراع يدور داخلها، بين زينب الأم، وحتشبسوت اللعنة، الكارهة لدماء العثمانيين، الباحثة عن مستضيف لها من صلب دماء الفراعنة، هذا المستضيف الذي لم يأت بعد! وكما يبدو فإنه لن يأتي أبداً. باتت لحظات خلوتها مع نفسها، في أثناء قراءة كتاب أو مجلة حول الحضارة الفرعونية، وكأنها ساعات من راحة أعصاب يحتاجها كل من هم في المنزل، حتى إنهم باتوا يأتون لها بكل أنواع الكتب، التي تتعلق بالفراعنة، علهم يشغلونها عنهم قليلاً. إلا أنه على الأقل، وسط هذا العذاب، هناك شيء جميل، تجارتهم لا تبور أبدا، ازدادوا ثراء، على ثرائهم، إقطاعيون أرستقراطيون، كالملوك في جنوب مصر. لم تتدخل في مستقبل الأبناء، لا يعنوها شيء، ليتزوج من يتزوج، وليذهب من يذهب، مصلحتها مقدمة على الجميع، باتت مصلحتها تنحصر في تدمير حياة الآخرين، فكل طفل منهم كان يجب أن يكون مستضيف حتشبسوت المنتظر، إلا أنهم بطريقة أو بأخرى، خانوها، وحملوا دماء أبيهم، حقدت عليهم، كرهتهم، عذبتهم. كم هو مؤلم هذا، عندما يأتيك العذاب، الإذلال، المعاناة، من أقرب الناس إليك، ذلك الذي من المفترض أن يكون أكثر البشر حرصاً عليك. تخونك مشاعرك، وما بين رغبتك بالحصول على أمّ سويّة كما باقي الأمهات، وواقع مرير لا يمكن إنكاره، وأمل بالتغيير، تعيش في حَيرة وتخبّط. وبدلاً من صبّ جُلّ تركيزك على النجاح، التقدم، الإنجاز، التميز، فإن همك الأول، وشغلك الشاغل، يصبح النجاة ممن يُفترض بها أن تكون سندك وملجئك، والجري خلفها، لترقيع ورتْق ما تتسبب به رعونتها، تفاهاتها، جنونها، ولا مبالاتها. باتت زينب كالكائن الطفيلي، يعيش ويقتات على معاناتهم، كُتْلة من اللحم، تتحرك فوق الأرض، لا فائدة من وجودها، إلا ببث روح الكآبة، وتحطيم الآخرين. حلّ العام 1950 ميلادي. حسن في عامه السابع والخمسين. زينب في عامها الخمسين. نرجس في عامها الرابع والعشرين، متزوجة من ابن عمها محمود، تعيش في القاهرة، لديها طفل واحد. أمينة في عامها الثاني والعشرين، متزوجة من ابن عمتها عائشة، تعيش في الإسكندرية. يونس في عامه العشرين، غير متزوج بعد. صابر في عامه الخامس عشر. وأصغرهم فؤاد، في عامه العاشر. وبطريقة غير متوقعة، زينب تحمل طفلاً في أحشائها، بعد أعوام من التوقف عن الإنجاب. الجميع على باب الغرفة، ينتظرون البشرى، الأب والأبناء جميعهم، فضيف جديد سيحل على العائلة، في وقت غير متوقع، لعله يبث شيئاً من الإيجابية مجددا. فتحت الخادمة الباب، وجهها المتهلل، استبق لسانها بالأخبار السارة. مبارك يا سيدي حسن، إنها طفلة جميلة. لم أرَ في حياتي بجمالها أبدا، ستكون فاتنة، لا شك في ذلك. جمالها خلاب، يأسر الألباب. ابتسمت، قالت بروح دعابة لا تشبه أمها زينب في شيء ولا تشبهك كذلك يا سيدي في الحقيقة فهي لا تشبه أحداً منكم! تبدو وكأنها قادمة من عصور ما قبل التاريخ حسناء فرعونية، حتى النخاع!! Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Zainab’s Curse - Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الإهداء April 26, 2023April 29, 2023 إلى جميع قُراء رواية “اللحظة صفر”، ورواية “الطائفة” إلى جميع الذين يترقبون روايات هذه السلسلة،… Read More الفصل السادس والعشرون. الغدارة ناكثة العهود April 26, 2023April 29, 2023 -ليس هذا الذي اتفقنا عليه يا ألارا، لا يحق لكِ النكث بالعهد، اتفقنا أن تنفذي… Read More كلمة الكاتب April 26, 2023April 29, 2023 لا، لم أكن نائماً ليلة الأمس في لحظة سلام نادرة، ولم يأتني ذلك الصوت في… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الإهداء April 26, 2023April 29, 2023 إلى جميع قُراء رواية “اللحظة صفر”، ورواية “الطائفة” إلى جميع الذين يترقبون روايات هذه السلسلة،… Read More
الفصل السادس والعشرون. الغدارة ناكثة العهود April 26, 2023April 29, 2023 -ليس هذا الذي اتفقنا عليه يا ألارا، لا يحق لكِ النكث بالعهد، اتفقنا أن تنفذي… Read More
كلمة الكاتب April 26, 2023April 29, 2023 لا، لم أكن نائماً ليلة الأمس في لحظة سلام نادرة، ولم يأتني ذلك الصوت في… Read More