April 26, 2023April 29, 2023 الفصل الواحد والثلاثون. نوبيا ملكة الذهب يد تربت على كتفها، رفعت رأسها، العمة ألارا تبكي، رحم الله فؤاد. نظرت إليها، قالت: لا تقلقي يا صغيرتي، لا تخافي من شيء أبدا، سأحرص دوماً على أن تكوني بخير. في مكتب الاستقبال في المستشفى، أنهت توها جميع الإجراءات اللازمة؛ لاستلام الجثمان. صوت من خلفها: تفضلي سيدتي، هذا ملف الوصاية. أخذته من الموظف، بضعة أوراق قانونية تخص نوبيا، ترك بها فؤاد لها وصاية عامة عليها، كان يفكر، ويعلم أن هذه اللحظة ستحين لا محالة. بالفعل، فهذه الوصاية في محلها ووقتها، فبعض التعقيدات تنتظرها. جثامين الخونة يجب ألا تعود إلى أرض الزعيم القائد، عفواً أرض الوطن، ادفنوه في أي مستنقع، أو أطعموا جيفته للكلاب، فما لنا مصلحة بالجثة، إن كان حياً لاعتقلناه، وعذبناه، إلا أننا لا مصلحة لنا في جثة خائن لا يمكنها الكلام. ليس بهذه الكلمات تحديداً رد المسؤول في السفارة المصرية في أنقرة على ألارا، عند اتصالها بهم تستفسر عن طلب تصريح يسمح لها إعادة جثمان فؤاد إلى مصر، ليُدفن في مقابر العائلة في القاهرة. ولكنه ربما كان يود قولها بطريقة أو بأخرى. اعتذر منها: عذراً، لا يمكنني منحك التصريح اللازم، يحتاج الأمر لوقت إلى حين دراسة الطلب في القاهرة، ربما عليك دفنه في إسطنبول. لم تعترض على الرفض، تقبلت الأمر، لا داعي لخوض نقاشات ومشادات مع مسؤولي السفارة، فما زالت بحاجة مساعدتهم في أمر معقد للغاية. لقد ولدت نوبيا في تركيا، وليس لديها أي وثيقة دولية تخولها السفر، ولن تبرح ألارا مكانها، لن تغادر تركيا، إلا ومعها الفتاة، وخيارها الوحيد هو إصدار جواز سفر مصري لها، فهي تبقى مصرية، رغم وضع أبيها. تقبلت رفض نقل الجثمان، ثم بدأت تسألهم عن الوضع القانوني للفتاة. كيف يمكنها إصدار جواز سفر لأجل ابنته؟ المسؤول: هل لديك وصاية قانونية عليها؟ -نعم سيدي. -حسناً، يمكننا طلب إصدار شهادة ميلاد مصرية وجواز سفر، لحالات إنسانية، يجب عليك زيارتنا في المقر الرئيسية للسفارة في أنقرة، وبصحبتك جميع الأوراق اللازمة، والفتاة كذلك، وسأساعدك قدر المستطاع، سأحاول إنهاء الإجراءات أسرع ما أمكن. في مساء اليوم نفسه، وصل سردار إلى إسطنبول، للوقوف بجانب زوجته في هذه المحنة، تكفل بإنهاء إجراءات الدفن كاملة، في حين كانت هي مع نوبيا ومروان في شقة فؤاد، تجلب حاجيات الفتاة، القليلة جداً، تفتش هنا وهناك إن كان من شيء يستحق الاهتمام، لا يوجد، إلا أوراق شركته السياحية، مفلسة تماماً، إلا أن هذه الأوراق من حق نوبيا، من بينها شهادة مُلكية مقر الشركة، في ساحة تقسيم الشهيرة، على الأقل في يوم ما يمكنها بيعة، ربما إعادة تشغيله، وإلى وقتئذ، ستبقى أوراق الملكية هذه، أمانة لنوبيا، في عهدة ألارا. في اليوم التالي، بعد انتهاء مراسم الدفن، انتقلوا إلى أنقرة، قدموا الطلبات اللازمة، زودوهم بالأوراق، قال لهم موظف السفارة، سنحاول إنهاء الإجراءات بأسرع ما أمكننا، وكلمة أسرع، قد تأخذ بأفضل الأحوال بضعة أشهر! -ماذا؟ أشهر؟ -نعم يا سيدتي، أبوها كان مطلوباً لأمن الدولة، الأمر ليس بهذه السهولة، ما عليك إشغال تفكيريك حياله هو إن كانوا سوف يقبلون إصدار جواز السفر لأجلها أصلاً، هذا ما يهم الآن. في دولة الجلاد، فالوزرة تز وزر الأخرى، وبخطيئة الأب، لا بد أن تدفع العائلة كلها الثمن. وإلى حين صدور الموافقات اللازمة، لا بد من الانتظار، لحسن الحظ فمروان في عطلته الصيفية، يمكنه الانتظار معها. استأجر سردار منزل مفروش في الطابق الأول من بناية في مجمع سكني راق، سيتنظرون في أنقرة، بينما سيسافر إلى متابعة عمله، وبالطبع، العودة لزيارتهم من حين إلى آخر. قال لها سردار: الفتاة يتيمة، مهيضة الجناح، إياكِ أن تعامليها بقسوة يا ألارا، لنتقرب برعايتها إلى الله. لم تمر هذه الجملة مرور الكرام، كادت تنفجر في وجهه: وهل تظنني وحشاً بلا إحساس، إنها ابنة أخي، من لحمي ودمي، كيف تقول مثل هذا في وجهي؟ رد بتهكم: مروان ابنك، من لحمك ودمك كذلك! إلا أنك تعاملينه بقسوة أحياناً. -أريد له أن يصبح رجلاً، أقسوا عليه، لأجل مصلحته، أما نوبيا، فهي فتاة، بالتأكيد لن أقسوا عليها، بل العكس، يمكنك السفر مطمئن البال. سمع الفتى جملة الأب الأخيرة، ضحك في سريرته، تعاملينه بقسوة أحياناً! آهً لو تعلم حقيقة ما تفعل بي يا أبي، إلا أن المقص ينتظر لساني إن قصصت لك شيئاً منه. تجاوزت الفتاة فقدان الأب سريعاً، فقد بات مروان، صديقها، مقرب أكثر من أي وقت مضى. خرجوا كل يوم سوياً إلى حديقة المجمع السكني، لعبوا، اشتروا العصير والحلوى، كأي طفلين في عمرهما. ألارا تجلس في الشرفة، تراقبهما يلعبان ليس بعيداً، في الحديقة. -إنها جميلة، تُذكرني بكِ حين كنتِ بمثل عمرها. -لا تشبهني، إلا أنها جميلة، لديها عينا أبيها، لا تفكري بالأمر، لا يمكنكِ الانتقال لها. -لا بد من نظرة فاحصة عن قرب أولاً. -لا بد؟ نراها كل عام مرتين، ولا تعلمين بعد؟! -فيها دماء فرعونية، لعلّ الزمن جعلها مناسبة، من يدري؟! -لمَ تتحدثين عن الانتقال؟ هل سأموت قريباً؟ -لا يا عزيزتي، ثم إنني لم أتحدث عنه، أنتِ من بدأتي. مستهزئة: حتشبسوت، أعرفك أكثر مما أعرف نفسي، كنتِ ترمين إلى هذا، صحيح؟! -خانك الفراسة هذه المرة، لم أقصد ذلك، بالمناسبة، أعجبني اسمها كذلك، نوبيا، هل تعلمين ما يعني؟ ألارا: مشتت الذهن أنتِ! كأننا عرفنا اسمها توّاً! نعرفه منذ أعوام، وهو اسم فرعوني، معناه ملكة الذهب. -صحيح، نسيت، هل تعلمين أن مدينة النوبة معناها مملكة الذهب؟ أضافت: ستكون ملكة الذهب إذاً، سيكون هذا قدرها. أخذت رشفة من فنجان قهوتها، أمر يشغل تفكيرها، قالت: لمَ أنتِ مشتت الذهن يا حتشبسوت؟ هل نظرتي في عينيها نظرة فاحصة؟ حتشبسوت: كلا، لم أفكر بالأمر حتى، ما بكِ يا عزيزتي! هل تظنين أنني قد أتخلى عنكِ؟ -لما لا، نتشاجر كثيراً بالفعل، لعلك تودين تركي! -لم أفكر بهذا. أضافت: انظري إليهم، كم هو مروان سعيد معها، أتشوق إلى رؤيتهم شابين يافعين. -ما الذي ترمين إليه هذه المرة؟ ضحكت حتشبسوت، أجابت: لا أرمي إلى أي شيء، ما بك يا ألارا؟ بدأتِ مؤخراً تشكين بكل شيء حولك. بالفعل، حتشبسوت غير مرتاحة معها، ألارا خارجة عن السيطرة، لم يكن من المفترض أن يكون هذا هو الحال، إلا أنها غبية جداً، رعناء، لا تطلب المشورة، ولا تسمع النصح، ففي حين كان يتوجب أن تكون طوع بنانها، أكثر مما كانت عليه زينب، إلا أن ما حدث هو العكس، غاضبة جداً منها، ولعلها تفكر حقاً في إلقاء نظرة فاحصة عن قرب، في عيني الفتاة، ملكة الذهب. لقد انتقلت حتشبسوت من جيل زينب إلى جيل ألارا، ولم يعد ذو أهمية إن كانت حقيقة أم وهم من خيال زينب انتقل إلى خيال ألارا. فما الذي يمنع أن تكون هذه اللعنة، ما هي إلا حالة نفسية، لا أكثر، تنتقل من جيل إلى آخر، يختلف تأثيرها حسب اختلاف طباع الشخص، عندها فمن المنطقي أنه لا يمكنها الانتقال إلا بعد تجهيز الخليفة، سنوات طويلة، وهذا يعني تعريضه للضغط والعذاب الكافي، لنقل الحالة إليه! وعليه، فإن قررت حتشبسوت الانتقال إلى نوبيا، فلا بد من تجهيزها، تماماً كما جهزت زينب ألارا، أما نتائج ما سوف تصبح عليه الفتاة، فهذا بالتأكيد، يعتمد على صدق اللعنة أكثر. فإن كانت مجرد حالة نفسية، ستظهر في الفتاة بصورة مختلفة، وربما تنجح بالتغلب عليها مع الوقت، وتتجاوز ما ستتعرض له في سنوات التجهيز بلا حالات نفسية مزمنة، عندها ستنتهي اللعنة ببساطة. أو لعل اللعنة حقيقة تماماً، الحسناء اللعوب التي ذُبحت في ذلك السرداب جزاء خيانتها، ثم بقيت دفينته لآلاف السنيين، عندها، فلا بد أن تعود مع نوبيا إلى سابق مجدها التليد، حتشبسوت الجميلة، حتشبسوت، الراقصة الفرعونية، اللعوب. ولكن كيف لها الانتقال؟ الأمر ليس بهذه البساطة. فلا بد من تجهيز الفتاة أولا، وإن لم تقبل ألارا، فستكون العواقب وخيمة. صدام ملحمي على الأبواب، بين ألارا وحتشبسوت سيدفع ثمنه لا محالة، مروان ونوبيا. Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Zainab’s Curse - Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts الإهداء April 26, 2023April 29, 2023 إلى جميع قُراء رواية “اللحظة صفر”، ورواية “الطائفة” إلى جميع الذين يترقبون روايات هذه السلسلة،… Read More كلمة الكاتب April 26, 2023April 29, 2023 لا، لم أكن نائماً ليلة الأمس في لحظة سلام نادرة، ولم يأتني ذلك الصوت في… Read More الفصل الواحد والعشرون. الممالك الهاشمية April 26, 2023April 29, 2023 تركمان العراق، هم نسل المهاجرين الأتراك لبلاد الرافدين عبر حقب متتالية من التاريخ، قبل قيام… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
الإهداء April 26, 2023April 29, 2023 إلى جميع قُراء رواية “اللحظة صفر”، ورواية “الطائفة” إلى جميع الذين يترقبون روايات هذه السلسلة،… Read More
كلمة الكاتب April 26, 2023April 29, 2023 لا، لم أكن نائماً ليلة الأمس في لحظة سلام نادرة، ولم يأتني ذلك الصوت في… Read More
الفصل الواحد والعشرون. الممالك الهاشمية April 26, 2023April 29, 2023 تركمان العراق، هم نسل المهاجرين الأتراك لبلاد الرافدين عبر حقب متتالية من التاريخ، قبل قيام… Read More