April 26, 2023April 29, 2023 الفصل الواحد والعشرون. الممالك الهاشمية تركمان العراق، هم نسل المهاجرين الأتراك لبلاد الرافدين عبر حقب متتالية من التاريخ، قبل قيام الدولة العثمانية وبعدها، دول عبرت من هنا وإمبراطوريات ولدت واندثرت، وهم ما زالوا يحافظون على هويتهم التركية، رغم أنهم بعد انهيار الدولة العثمانية وتقسيم العالم العربي باتوا يعيشون في إحدى دوله. وكركوك، جنة من جنان الله في الأرض، إحدى محافظات العراق الشمالية التي يعيشون بها، يشاركهم بها العرق الكردي، عرق آخر من أعراق العراق الكثيرة. العام 1958 ميلادياً، انقلاب عسكري في العراق، تم على إثره الإطاحة بالنظام الملكي الشرعي. و على خلاف ما حدث قبل أعوام في مصر، فإن العلاقة بين العراق والدماء، علاقة وثيقة مترابطة، يحبون الدماء وتحبهم، فرغم أن الملك الصغير وجميع أفراد عائلته قد استسلموا سريعاً، وتخلوا عن مناصبهم، حقناً للدماء، وحفاظاً على البلاد، بمجرد أن حاصر الانقلابيون القصر الملكي، إلا أن عسكر العراق رفضوا تركهم في حال سبيلهم ببساطة، تم قتل جميع أفراد العائلة الملكية هناك، وسحلهم في الشوارع بأبشع الطرق، شائعات تقول إن من بينهم من تم ربط قدميه كل واحدة إلى شاحنة، ثم تحركت الشاحنتان في اتجاهين متعاكسين، شقوه من المنتصف، ضاربين عرض الحائط أقدس المقدسات، فالملك فيصل ذو الثامنة عشر من عمره، خرج من القصر حاملاً القرآن الكريم فوق رأسه، يضعه حجة بينه وبين الانقلابيين، يُطالب بتحكيم الإله بينهم، إلا أنه كما يبدو كان ملك يجهل تاريخ مملكته، المليء بالغدر والقتل والدمار. المنطقة كلها تدخل حقبة جديدة، فما بعد الدولة العثمانية، لن يكون كما كان قبلها، تأسست أنظمة ملكية، سرعان ما انقلب عليها العسكر، بدعم من جمال عبد الناصر في مصر، ثم على نهجه، بدأ العسكر ينقلبون على بعضهم البعض، ليستلموا زمام الحكم، ويقودوا الوطن العربي كله إلى دمار وخراب وتخلف وجهل لم يعهده تاريخهم كله، منذ تأسست أول خلافة إسلامية منذ ما يزيد عن الأربعة عشر قرناً. سردار، شاب تركماني، من أصول تركية، في الخامسة عشر من عمره، يصغر أخوه المقرب منه بعامين. يجمع بينه وبين أخيه علامة فارقة، ميزتهم عن الكثير من التركمان حولهم، موهبة ورثوها عن أبيهم، واحترفوها، عِشقهم وحبهم للغة العربية، تشربوها منذ طفولتهم، عائلة شعراء، يتلاعبون بالشعر كأنه قطعة من عجين. أتت الأخبار من بغداد، انقلاب عسكري على الملك. دخلت العراق في نفق مظلم، حقبة سبقتها لها مصر، وكما يبدو فإن الحال لن يكون أفضل مما بات عليه هناك، استبدادية وقمع وقتل، كبت للحريات، تدمير للمقدرات، تخريب للبلاد، نهب للثروات، الكثير من الفقر، والكثير الكثير من الشعارات. نهج سردار نهجه الخاص، ثوري، متحمس مندفع لا يهاب الصعاب، سلاحه كلمات تخرج من بين شفتيه، سلك مسلك منهاض للانقلاب، موالي للنظام الملكي، كتب الأشعار في هجاء العسكر، ووزعها بين الناس. بعض قصائده كتبها مدحاً بقريب الملك فيصل المغدور في العراق، ابن عمه الملك الهاشمي الشاب الحسين بن طلال، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، الدولة المجاورة غرباً، آخر ممالك العائلة الهاشمية. ربطته بالملك فيصل علاقة قرابة وصداقة، ولا يوجد أي بوادر لأي خيانة أو غدر من الشعب الأردني وعسكرهم اتجاه ملكهم المحبوب، الذي أعطى شعبه مساحة واسعة من الحريات، الحقوق، الثقة المتبادلة، تماماً كما باقي ملوك العرب، قبل أن يُصادرها منهم العسكر. فبعد انهيار الدولة العثمانية، تأسست عدد من الممالك، في سوريا والعراق والأردن وفلسطين، يقودها ملوك من نسل الهاشميين، قبيلة نبي الإسلام محمد. خسروا سوريا سلفاً، بعد غدر الفرنسيين، ونقضهم للاتفاقات المبرمة بينهم وبين الهاشميين، احتلوا سوريا سريعاً بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ولكن بقي العراق والأردن وشرق فلسطين بما فيها القدس الشرقية، أو ما تُسمى بالضفة الغربية للأردن، وقد يكونون مجتمعين نواة لتأسيس إمبراطورية جديدة، فهكذا تبدأ الدول، إمبراطوريات تُسلم أخرى، ولا أحد يعلم ما سيحدث غداً. رأى سردار هذا، أمن أن على تركيا الحديثة تجاوز خلافتها مع الهاشميين، وتلك الحرب التي دارت بينهم منذ أعوام، على إثر ثورة عربية انطلقت من جنون الأردن، أخرج بها الهاشميون الدولة العثمانية من بلاد الشام والعراق، ثم سيطروا عليها، رأى سردار أن تجاوز ما حدث أمر غاية في الأهمية، في سبيل التقارب، ودعم نواة دولة قوية جمعت بلاد الشام وبلاد الرافدين، إلا أن تركيا بعد العثمانيين، قد مضت في طريقها نحو العلمانية، بعيداً جداً عن ماضيها العريق، ومجدها التليد. فمن وجهة نظره، فإن الوقت لم يفت بعد، رغم تفكك الدولة العثمانية، إلا أن هذه المملكة الكبرى، التي يحكمها الهاشميون، تسير بخطى ثابتة نحو بناء دول مرموقة، قد لا تحل مكان الإمبراطورية، لكنها على الأقل، لن تصبح مقبرة للقمع والقتل والدمار. وتلك سوريا ليست أفضل حالاً، العسكر بها ينقلبون على بعضهم البعض كما يشربون ويأكلون، في حين بسط جمال عبد الناصر سيطرته على شعب مصر بالحديد والنار، فلا يحتاج الأمر الكثير من الفراسة والذكاء، لمعرفة المصير الذي ينتظر العراق، لن يكون الحال هنا، أفضل مما هو عليه هناك! رأى أن الأمل في الممالك الهاشمية، هذا الأمل الذي لم ينته على يد بريطانيا أو الغرب بطريقة مباشرة، بل على يد العسكر أنفسهم، أبناء البلد، في مطامعهم وأحلامهم نحو الحكم، هذه المطامع التي ربما الغرب غير بريء من تأجيجها، اتهم سردار بريطانيا بأنها من تتلاعب بالانقلابيين؛ لتضعف دول المنطقة على حساب قيام دولة إسرائيل وتقويتها. تنبه رغم صغر سنه لخطر العسكر، ونواياهم الخبيثة، لم تعد كلماته تطيق البقاء حبيسة صدره. شاب متحمس، كتب الأشعار في مدح الملك الأردني، الحسين بن طلال، إغاظة للانقلابيين في العراق. بانت رُبا عًمّانَ كالفلق الأبرِّ – تسبي النواظر شامخاتٍ كالدُّررِ رَعَشت مهابتها أساريرُ الجوى – لمّا هَفّها من طيبها العَبقُ العَطِر يا أيها الغادون في ترحالكم – الهائمون بلا مضيفٍ أو مقر السابحون على سرابٍ خادعٍ – الراكعون لكل مُبتدعٍ كفر حُطوا الرِحال وثبتوا أوتادكُم – ودَعوا المِطيً تَهيم في قفرٍ وبَر وطوقوا البيت العتيق فإنه – خِدر الأمان ومؤدب الرجو العَسِر لبيك هاشمُ في البرية سيداً – بتر الصِعاب يمينهُ مُنذ الصِغر لبيك والتاريخُ مُنذ عهوده – لم يُجنب الأبطال إلا ما نَدر لبيك هاشمُ إن أشار بِنانُكم – برقت جواحِظُ بارقاتٍ بالشرر لو سال جرحٌ في فلسطين دِماؤهُ – أو غُل في بغدادُ دِرع مُنكسر أو ينثلم سيفُ العروبةِ حَدُهُ – فالليث في عًمان نارٌ تَستعر أسدُ الديار امضِ فإنك سابرٌ – غور الفخار وكُل مستعصٍ عَسِر تًجري السفينةُ وأنتُمُ رُبانها – رقطاء قد شُدت بألواحٍ دُسُر عِشتم وعاش للأنامِ فِعالكم – ينبوع مجدٍ فجّرته يَدُ القَدَر الكلمات، طالما قَضت مضاجع الظالمين، عبر التاريخ كله. سرعان ما وصلت أشعاره، إلى مجلس قيادة الثورة في بغداد، اتهموه بالعمالة والخيانة، بات مطلوب للاعتقال أو القتل. تمكن سردار التركماني، من الهرب إلى تركيا، ثم منها إلى الأردن، حيث يمكنه بداية حياة جديدة، ومُنع من دخول العراق، يلاحقه العار، خائن للزعيم القائد المناضل، ولمجلس قيادة الثورة، هذا الذي بات يمتلك العراق بما فيها، ومن عليها. انفصل عن عائلته وأخيه، الذي قد لا يراه لوقت طويل، فهذا قدره، كما هو قدر الكثيرين ممن مارسوا حقهم في الكلام، في العالم العربي الجديد. قصائده تلك، إخلاصه للملك المغدور، ولملوك العائلة الهاشمية، أفكاره في ضرورة التعايش مع الحقبة الملكية ما بعد الإمبراطورية، ما عاناه جراء ذلك، كافياً على أن يكون مواطناً في دولة جديدة، استقبلوه في الأردن بترحاب، شعب كريم طيب معطاء، وملك محبوب، وسريعاً حصل على الجنسية الأردنية. اجتهد وعمل، أسس شركة تجارية، لبيع الألبسة، العمل جيد، يدر له الكثير من المال، قرر الشاب الطموح، أن يعمل في التصدير، سيفتتح فرع له في ليبيا، حيث ما زالت مستقرة تحت حكم النظام الملكي، سيُصدر البضائع لها، ويبيعها بمرابحَ أكبر. وفي عام 1968 ميلادياً، انتقل لافتتاح فرع للعمل في ليبيا، الأمور تمضي على ما يرام، وبعد عام واحد، انقلاب عسكري هناك، بدعم من جمال عبد الناصر كذلك، أطاح بحكومة الملك إدريس في أثناء تواجده برحلة علاجية في تركيا، انقلاب بقيادة معمر القذافي؛ لتبدأ ليبيا بدورها رحلتها الطويلة في الدمار، تلك التي سبقها إليه الكثير من دول العالم العربي. صحف ورقية مصرية كثيرة، تباع في ليبيا، تبث فكر زعيم العالم العربي الجديد، ملهمه، وقائده، نحو المجد المزعوم، جمال عبد الناصر، هذا الذي جوع شعب مصر، ودمر مؤسساتها واستهلك مقدراتها، ودعم انقلابات وأنظمة مشابهة له في دول عربية أخرى، في سبيل تقوية جيشها، كما يدعي. وبطريقة مثيرة للسخرية، قبل عام واحد، خسر قطاع غزة الفلسطيني، ومحافظة سيناء المصرية كلها وصولاً إلى قناة السويس على مشارف القاهرة. وخسرت سوريا بسببه سلسلة جبال الجولان الاستراتيجية. وخسر الأردن الضفة الغربية كاملة، بما فيها القدس الشرقية. خسر العرب حرب عام 1967 ميلادياً، برعونة جمال عبد الناصر، إصراره على إدارة المعركة، بصفته توج نفسه سلفاً زعيم للعالم العربي الجديد، هزموا جميعاً على يد أصغر دولة في المنطقة، إسرائيل، كاد حينها اليهود أن يدخلوا القاهرة نفسها، ويحتلوا مصر بأسرها، لولا أنهم اكتفوا بما وصلوا إليه. فيم إذاً جوعتنا ودمرت مؤسساتنا يا زعيم؟! فيما إذاً خربت مصر، وانقلبت على نظامها الملكي! فيم إذاً دعمت العديد من الانقلابات في العالم العربي؟! إن كنتم وكل جيوشكم وأسلحتكم، عاجزون عن حماية أنفسكم من أصغر دولة حديثة النشأة في المنطقة، إسرائيل، هذه التي تذرعتم دهراً في الزمان بأن كل أفعالكم من قمع وقتل وإرهاب لشعوبكم ليست إلا للتجهيز للقضاء عليها، فلما إذاً فررتم من أمامها كالجرذان المذعورة؟! لا إجابات، إلا الشعارات الرنانة، التي يحبها عامة الناس عادة. ما حدث في حرب 1967، سيلخص حال الوطن العربي ما بين الممالك والجمهوريات العسكرية، فحرب ثانية في عام 1968، بين الأردن وإسرائيل، لم يتدخل بها جمال عبد الناصر، ولا جمهوريات الانقلابيين، لم تتلاعب بمشاعر الناس الشعارات الرنانة وأحلام أطفال باتوا يحكون دولاً، تكبد بها جيش إسرائيل أول هزيمة منذ تأسست، حيث انتصر الجيش الأردني، منفرداً، على الجيش الذي هزم جمهوريات الانقلابيين قاطبة قبل عام واحد. يومها، وزع سردار الحلوى، في كل شارع وحيّ في طرابلس، عاصمة ليبيا، فرحاً بهذا الانتصار. ليس هذا فقط، بل فإن جمال عبد الناصر، يدعم ضابطاً من أبناء طائفة من أقلية منبوذة في سوريا، تعامل أجداه مع الاحتلال الفرنسي، ضد الشعب السوري، حافظ الأسد، استبدادي سفاح مجرم قاتل، سيمكنه حتى يتحكم برقاب الشعب السوري كله، ويقودها إلى دمار وخراب لم تشهده عبر عصورها كله. لأول مرة في التاريخ، لم تعد سوريا الحصن الحصين، والسد المنيع، للعالم الإسلامي كله. بل تتجه بنظامها الاستبدادي العسكري، بقيادة حافظ الأسد؛ لتكون شوكة في خاصرته. Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Zainab’s Curse - Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts من رواية اللحظة بيبرس. المقر ألفا April 29, 2023April 29, 2023 أقلعت الطّائرة من دبي إلى وسط البحر الأبيض المتوسّط، حيث مدينة “فاليتا”، عاصمة دولة مالطا…. Read More الفصل الرابع عشر. حتشبسوت العاشقة April 26, 2023April 29, 2023 -إلى متى سيطول غيابه؟ -قال أسبوعان، أو أكثر قليلاً، سينتهي من عمله، ويزور أخاه محمود،… Read More الفصل الثالث. طقوس النجاة April 26, 2023April 29, 2023 أيام منذ وقعت الفاجعة، لم تفلح محاولات الأب وهريدي الحثيثة في الحفر، على الوصول إلى… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
من رواية اللحظة بيبرس. المقر ألفا April 29, 2023April 29, 2023 أقلعت الطّائرة من دبي إلى وسط البحر الأبيض المتوسّط، حيث مدينة “فاليتا”، عاصمة دولة مالطا…. Read More
الفصل الرابع عشر. حتشبسوت العاشقة April 26, 2023April 29, 2023 -إلى متى سيطول غيابه؟ -قال أسبوعان، أو أكثر قليلاً، سينتهي من عمله، ويزور أخاه محمود،… Read More
الفصل الثالث. طقوس النجاة April 26, 2023April 29, 2023 أيام منذ وقعت الفاجعة، لم تفلح محاولات الأب وهريدي الحثيثة في الحفر، على الوصول إلى… Read More