April 26, 2023April 29, 2023 زلزال تركيا 6-2-2023 حتى اليوم لم أستوعب بعد، كيف يمكن أن أفقد هذا القدر من البشر الذين عرفتهم على وجه الأرض في أقل من 60 ثانية!! الساعة 04:17 صباحاً، فجر يوم الاثنين الموافق 6 فبراير 2023، وقع زلزال جنوب تركيا المُدمر، ليحصد أرواح عشرات الآلاف، وملايين ومليارات الذكريات، حصد معه جزءًا كبيراً مني، وكأن سكيناً اقتطعت معظمي. منذ ذلك اليوم، لا أشعر أنني على ما يرام، كأنني شبح يهيم إلى المالانهاية في عوالم الموت، متعجباً تلك العلاقة العكسية بيني وبينه. أظن أنني من قلة قليلة، يحبهم الموت، على طريقته الخاصة، فهو لا يأخذهم، ولا يتركهم وشأنهم إلى حين تحين ساعتهم، لا بل لا بد أن يحضر كل برهة من الزمن إليهم، يضمهم بقوة، يحتضنهم، وقبل الرمق الأخير بلحظات، يفلتهم، تاركاً بضع كدمات على أجسادهم كتذكار، وكثيراً من الألم في قلوبهم، الكثير من رحيق الذكريات. ليست نعمة كما قد تظن، فالأمر يشبه وحشاً أسطورياً تخشاه يأتي إليك يفتح فمه سيلتهمك حانت اللحظة لا مفر منها حتماً ثم يتركك! هكذا ببساطة! لتعيش ما تبقى لك من وقت، تترقب عودته، ثم يعود مجدداً، يفتح فاه، سيلتهمك، حانت اللحظة، ثم يتركك! ثم يعود مجددا مرة تلو أخرى، وأخرى. في كل مرة يأخذ منك شيئاً، تاركاُ إياك ترمم بقاياك، إلى حين يعيد الكرّة من جديد. لقد بكيتكم، ما زال وجه ذلك الطفل الذي بقيت أراه كلما ذهبت إلى المدينة، يلعب في شرفة منزلهم في البناء المقابل لبنائنا، يطاردني، مازلت كل ليلة أجسد لحظة النهاية في عقلي، كيف انهار البناء، وسقط فوق الطابق السادس، ستة طوابق أخرى، ليدفع كتلة تزن الآلاف الأطنان نحو بنائنا، ويأخذه معه بكل ما فيه إلى الهاوية. ربما كان لا بد أن يحدث هذا، فالبناءان رغم بضعة أمتار تفصل بينهما، إلا أنهما كانا كالجسد الواحد، شُرف متلاقية، أحاديث متبادلة، وجوه مبتسمة، فناجين قهوة متشابهة، حب بالنظرات، وردة حمراء خجولة تذبل كل صباح، تترقب خروج مريم لتسقيها، ويترقب هو في الشرفة المقابلة، ابتسامة تجعل اليوم أجمل مفعماً بالأمل. وتلك الفتاة العصبية في الطابق الرابع، تخرج كل ليلة بعد المغيب، تُحدّث أحدهم خلسة بالهاتف، بنبرة خافتة، تداعب خصلات شعرها أحيانا، تعض إبهامها أحيانا أخرى، يقول شيئا جعلها خجولة، ثم سرعان ما تبدأ تضرب بيدها الهواء، أثار جنونها، قال شيئا أفقدها صوابها، ما الذي فعلته يا هذا؟! ليس هكذا تعامل النساء. لعله هو كذلك يبكيها الآن دماً! والسيدة في الطابق السادس، أحببت أن أسميها سيدة الغسيل، لم أر في حياتي امرأة تغسل بقدرها! في اليوم الواحد تنشر الثياب مرتين أو ثلاث، وددت لو أنني سألتها في حينها عن السبب، وها قد غادرت عالمنا، ذهبت، وسيبقى السؤال دفين صدري بلا جواب. أما زوجها، الغيور، فقد كان يكرهني، أجزم على ذلك، رغم أنني كنت أشيح بنظري بعيداً عن شرفتهم كلما خرجت زوجته، إلا أن نظراته قالت: “أكرهك وأكره وجودك هنا” ولديه سبب مُقنع، فكم كانت جميلة، كم كنت أحب الشرفة، ليس ذنبي، فأنا رجل أكره الجدران. أتمنى أن يكونا دفنا في قبر واحد، فقد جمعهما حب عظيم، ففي تلك الليلة سمعت صراخها، قالت له: “أريد الانفصال لقد سئمت هذا الجنون” لعلها قصدت غيرته المبالغ بها. خرج للشرفة أراد رمي نفسه منها، نعم أراد الانتحار، قال أموت وأنتِ زوجتي خير لي من الحياة بدونك، مشهد درامي، كلمات ساحرة مجنونة، قادتها بين ذراعيه معتذرة، عادت به إلى الداخل، أغلقت الباب والنافذة، وأطفأت الأضواء. كان هذا آخر عهدي بهم، حيث غادرت المدينة، للمرة الأخيرة. العائلة في الطابق الخامس! يا إلهي ماذا أصابهم! لا أعرف كم عددهم، لكن يكفي أن أقول إن صالتهم فقط كان ينام بها ثلاثة أطفال! لعلهم نجوا بطريقة أو بأخرى! نعم لم ينجُ أحداً من البناء على حد علمي، لكن لعل شيئاً ما حدث في تلك الليلة دفعهم للخروج منه قبل وقوع الزلزال، أتمنى ذلك. أما العجوزان في الطابق التاسع، فحكايتهما ليست أقل غرابة من حكايتي، في كل ليلة يخرجان إلى الشرفة، يراقبان شرفات بنايتنا، ويراقباني بالتالي، فأنا أسكن في الطابق السادس، في مرمى نظرهم تماماً، مكشوف في العراء، لكنهما كانا لطيفين، ففي يوم التقيتهما صدفة في الحديقة المجاورة، لم يتحرجا من مواجهتي بالحقيقة، يا أحمد! عليك أن تنتبه، أنت تتكلم بالهاتف، وجاركم في الشرفة المجاورة يجلس خلف الجدار الفاصل بينكما مباشرة، لعله يسمع كل حديثك! ولسان حالهم يقول، حافظ على سرية مكالماتك الغرامية الليلية، فمثل هذه الحوارات لا تجري في الشرفات يا عزيزي. شكرتهما على حسن صنيعهما معي، لم أتجرأ على الطلب منهما أن يتوقفا عن مراقبة شرفتي، منعني الحياء، فأنا أحفظ شرفات الستة طوابق الأولى من بنايتهم عن ظهر قلب. انهار البناءان، لا بل الثلاثة، في الحقيقة يوجد بناء ثالث أسفل منا، لم أكن أجلس في الشرفة المقابلة له، لا أعرف تفاصيل حياة الناس هناك، إلا أنه كما يبدو فهناك من فعل، فقد أبى البناءان إلا أن يأخذاه معهما في رحلة السقوط. أحياء مدمرة بالكامل، بالمعنى الحرفي للكلمة، ليس بسبب الزلزال فقط، بل بعضها كان بسبب جشع وطمع بنو الإنسان، مقاولون ومهندسون سمحوا لأنفسهم المقامرة بحياة البشر، بنوا أبنية حديثة تتوافق مع المعايير المتبعة لمقاومة الزلازل، على الورق فقط! بينما في الحقيقة، انهارت فوق رؤوس قاطنيها، جيراننا كانوا في إحداها، إلا أنه وكثير من المباني المشابهة له، أبى إلا أن يُسقط معه بناء آخر، وفي بعض الحالات اثنان. ماذا أصابهم؟ لا يمكنني التوقف عن تجسيد لحظات الرعب الأخيرة، هل ماتت مريم في الحال؟ أم بقيت تحت الأنقاض أياماً تبكي وحيدة، خائفة، فالكارثة كانت رهيبة، من الجوانب جميعها، خصوصاً في هذه المدينة حيث لم تصل فرق الإنقاذ إلا بعد أيام وعندما وصلت لم يكن بمقدورها التعامل مع جميع المباني المنهارة، كثير من الناس بقوا على قيد الحياة أياماً وأياماً، دفنوا أحياء، ثم ماتوا في صمت تحت الركام. ماذا أصاب الحلاق؟ الخياط؟ موظف السوبر ماركت؟ الطبيب؟ عامل الاستقبال في الفندق؟ تلك الحسناء التي فتنت بيبرس في رحلته الأولى إلى جنوب تركيا، هل ما زالت على قيد الحياة؟! آهٍ صحيح، لم تنشر بعد رواية اللحظة بيبرس، لعلكم تشعرون بألمي الآن… كم هو مؤلم غير منطقي أن تكون عاجزاً عن معرفة مصير الكثيرين ممن تعرفهم، فقد دفنوا بلا أسماء، أصبحوا رقماً على قبر، ومثله له في عبوة الحمض النووي” DNA” إلى حين سؤال أحدهم عن مصير مفقود، لتجري التحاليل الطبية، ويعلم رقم قبر من أحب، عندها فقط، يمكنه مسح الرقم وكتابة الاسم، بعضهم سوف يبقى مجهولاً إلى يوم القيامة، فكم من عائلات مات جميع أفرادها، وحصل كل على رقمه. كثير من أحداث الجزء الأول “اللحظة صفر” والجزء الأخير “اللحظة بيبرس” من هذه السلسلة، تجري في مُدن وأحياء قد دُمرت الآن، تغيرت خارطة كل شيء وكثير من التفاصيل اختفت، لكنها بالتأكيد باقية في عقول وقلوب كل من يعرفها. إلى جميع ضحايا الزلزال، ستبقون أحياءً في قلوبنا، لن ننساكم. إلى التفاصيل جميعها، طالما هناك من يحكي القصة، فلن تموتي أبداً. Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Zainab’s Curse - Arabic Online Post navigation Previous postNext post Related Posts Zainab’s Curse - Arabic Online حول الكاتب April 29, 2023May 1, 2023 عندما كنت طفلاً، حرصت على كتابة كل همومي، أمنياتي وطموحاتي، التي لم تكن طفولية دائماً،… Read More الفصل السابع. جهاز يلدز للاستخبارات April 26, 2023April 29, 2023 -يا سيدتي، كثير من الأقاويل أنها قد تكون خادمتكم الجديدة، أهلها لا يطلبون أكثر من… Read More الفصل الخامس والعشرون. موعد مع الشيطان April 26, 2023April 29, 2023 طوال عام كامل، لم تهدأ المشاحنات والمشاجرات بينها وبين ألارا، ليس لأجل اختلاء سردار بها… Read More Leave a Reply Cancel replyYour email address will not be published. Required fields are marked *Comment * Name * Email * Website Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment. Δ
Zainab’s Curse - Arabic Online حول الكاتب April 29, 2023May 1, 2023 عندما كنت طفلاً، حرصت على كتابة كل همومي، أمنياتي وطموحاتي، التي لم تكن طفولية دائماً،… Read More
الفصل السابع. جهاز يلدز للاستخبارات April 26, 2023April 29, 2023 -يا سيدتي، كثير من الأقاويل أنها قد تكون خادمتكم الجديدة، أهلها لا يطلبون أكثر من… Read More
الفصل الخامس والعشرون. موعد مع الشيطان April 26, 2023April 29, 2023 طوال عام كامل، لم تهدأ المشاحنات والمشاجرات بينها وبين ألارا، ليس لأجل اختلاء سردار بها… Read More