June 23, 2023June 23, 2023 كيف نتأكد إن كانت هذه الشجرة حقيقة وليست كذباً -ما هي الحقيقة؟صمت رسلان، هز كتفيه: الحقيقةُ هي الحقيقة-لا بد من تعريفها، حسناً هل يمكننا القول أن الحقيقة هي ما يقوله غالبية الناس؟-لا، بالتأكيد لا-هل هي الإيمان؟-لا، هناك من يؤمن بالكذب ويظنه حقيقة-كيف نتأكد إن كانت هذه الشجرة حقيقة وليست كذباً؟صمت للحظة، أجاب: الحواس، ما يمكننا إثباته بحواسنا، ما يمكننا رؤيته، لمسه، سماع صوته، فهو حقيقة. -هل ذهبت للصين من قبل؟ القمر؟ المريخ؟-لا-هل تؤمن بوجودهم؟-نعم-أنت إذاً تؤمن بالكثير من الأمور التي لم تتفاعل معها بأيٍ من حواسك.-لأن هناك من فعل هذا، الصور، الأخبار تتحدث عنها…..-إذاً الحقيقة تكون أحيانا ما يقوله الناس؟ ما تتناقله تجاربُ الآخرين.-نعم، أحياناً-وفي بعض الأحيان نكتفي بمحاكاة الحواس بطرقٍ غير مباشرة للوصول للحقيقة، الصورة، التسجيل الصوتي مثلاً…-نعم، صحيح-وفي بعض الأحيان تكون كل هذه الدلائل غير كافية ونطالب بالدليل الحسي المباشر، صحيح؟-نعم -متى نطلب الدليل الحسي المباشر؟-عندما تكون القضية حساسة، مهمة، يترتب عليها أمور…..-وأيضاً عندما لا تناسب رغباتنا، مصالحنا، فإننا نطلب المزيد من الدلائل، نعقد الأمور ونرفض التسليم بها ببساطة، صحيح؟-نعم، نعم، في كثير من الأحيان هو كذلك.-والإقناع نسبي، وتلعب رغباتنا الخاصة دوراً هاماً به، فلو كنت تحب فتاة، وتريد الزواج منها، فستكتفي بدليلٍ واحدٍ على طهارتها وتستأنس به للمضي قدماً في زواجك، بينما لو كنت كارهاً لها، فلن تكتفي بألف دليل، صحيح؟-نعم، غالباً صحيح -إذاً فتعريف الحقيقة هو ما يمكن تدعيمها بالدلائل المناسبة لإقناعنا بموضوعها.صمت رسلان، عصفٌ ذهني، بعد تفكيرٍ أجاب: نعم. -هذا يعني أني لو كذبت عليك كذبة، ودعمتها بالدلائل الكافية والمناسبة لإقناع عقلك، فسوف تراها الحقيقة.-نعم-ولو تمكنت من التخاطب مع عقلك ومعرفة رغباته ولبيتها له، فسوف يكتفي بدلائلٍ هشة وقليلة ولن يعقد الأمور.-صحيح، غالباً نعم أوزجان: ألا تعتقد أن هذا قد يكون له دوراً في جعل المجرم ما عليه؟ ما حدث معكم في العراق، وفي سوريا مع التنظيمات الوظيفية، جواب ما يحيرك ربما يكمن هنا، ربما شخصٌ ما تمكن من الدخول لعقولهم، تلبيةِ رغباتٍ دفينة، فقررت عقولهم تجاهل كل الحقائق من حولهم، واكتفت بدلائلٍ هشة، كانت كافية لهم لقتل الناس، تخريب ثوراتهم، التعاون سراً وعلناً مع عدوهم، وكل هذا تم برضً وقناعةٍ كاملة منهم، ببساطة لأن عقولهم قررت أن تكتفي بالدلائل الهشة، وتتجاهل الدلائل الجلية الواضحة، والسبب أن شخصاً ما تمكن من تلبية رغبةٍ ما لهذه العقول، ومهما حاولت إقناعهم أو الإثبات لهم، لن تجدي هذه المحاولات نفعاً، ستختلق عقولهم الحقيقة المناسبة لها دائما، وتوجد الشك، اللايقين، وتكتفي بالدلائل الهشة، حتى إننا في مرحلة ما سميناه بالهوى، أحبوا هذا الشيء، فقرروا أنه الحقيقة، والصواب، رغم أن كل الدلائل من حولهم تقول العكس. أضاف: في بعض الأحيان نسميه بغسيل الدماغ، لكنه قد يكون شيئاً أعمق بكثير من مفهوم غسيل الدماغ المتداول، لا يكون به الدماغ هو المفعول به، الضحية، البريء، الذي تم التلاعب به، بل الفاعل والجلاد. إلا أن الأمر أعمق من التنظيمات الوظيفية يا أخي.وقف أمام شجرةِ زينةٍ، فالحديقة من حولهم تعج بالمساحات الخضراء، شجرُ الزينة، نهرُ سيحان، عصافيرٌ في كل مكان، سماءٌ صافية تخللها بعض الغيوم. قطع ورقة من أوراقها، أمسكها بين الإبهام والسبابة، رفعها. -ماذا لو قلت لك أن هذا عصفورٌ؟-ليس عصفوراً-لمَ ليس عصفوراً؟-لأنها ورقة شجر، لا يمكنها الطيران نفخ عليها، طارت الورقة من بين أصابعه-والآن؟ هل أصبحت عصفور؟-لا، ما زالت ورقة-ماذا لو عرضتك للعذاب الجسدي، والنفسي، فترةً من الزمن، حتى تدرك أن خلاصك من هذا العذاب لن يزول إلا برؤيتك للورقة أنها عصفور؟ هل تظن أنك ستراها هكذا؟-نعم، ربما سأتوهم أنها عصفور، حدث هذا والمرضى النفسيين يرون أموراً كهذه، في المعتقلات اللاإنسانية يتوهم المساجين أشياءً غير موجودة، أو على غير حقيقتها. -هل تظن أنك ستراها عصفوراً بكل جوارحك؟-نعم، المرضى النفسيون، المجانيين، يمكن أن يتوهموا أنها عصفور وهم مقتنعون تماماً بذلك، بل ويرون أن من يراه عكس ذلك فهو المريض والمجنون. -تتوهمها أم تراها، ما الفرق؟-الفرق أن حقيقتها ورقة، ونتيجة ظرفٍ ما توهمت أنها عصفور-ماذا لو كنت الآن تتعرض لعذابٍ جسدي ونفسي، وخلاصك في توهمك أن العصفور ورقة؟-عندها فحقيقتها أنها عصفور-إذاً لو كنا الآن نتعرض للعذاب فغالباً نحن نرى أموراً وأشياءً غير موجودة، ربما العالم كله من حولنا ليس كما نراه، صحيح؟بقي رسلان صامتاً، لا جواب لديه -من الذي يقرر الحقيقة يا رسلان؟ من الذي يفسر الألوان، الأشكال، ويرسم صورة هذا الشيء في رأسك، ويُسمعك صوته، من الذي يقرر ماهية كلَ شيءٍ حولنا؟ من الذي يريك العصفور ورقة أو الورقة عصفور، إن عرضتك للعذاب الكافي؟ أو تلاعبت بحواسك؟ أو جعلتك تتناول نوعاً من المخدرات؟-عقلي بالتأكيد-إذاً هل يمكننا تعريف الحقيقة على أنها ما يريده عقلك أن يكون؟-لا، الحقيقة هي الحقيقة -لكنك تتأكد قطعياً من الحقيقة بناءً على طريقة تعامل عقلك مع المعطيات المستقبلة من حواس الجسد، فلو قرر عقلك تفسير معطيات الورقة على أنها عصفور، فسوف تراها عصفور، ولو كان لديك خللٌ في الحواس وأرسلت معطيات خاطئة لعقلك، فسوف يرى شيئاً آخر، أليس كذلك؟ فلو تناولت نوعاً من المخدرات تلاعب بحاسة البصر لديك، أو تعرضت للخداع البصري، فسوف يستقبل عقلك معطياتٍ خاطئة، وسوف يرى الورقة عصفوراً، أو العكس، هذا ما يسمونه السحر من باب العلم، الخداع البصري، سحرةُ فرعون تلاعبوا بعقول الناس وجعلوهم يرون الحبالَ أفاعي. بقي رسلان صامتاً، وأكمل أوزجانما الذي يجعل اللون الأخضر، أخضر؟ هل كونه أخضر؟ أم لأنهم قالوا لك هذا؟فعندما كنتَ صغيراً، رأيتَ لوناً، سألتهم ما هذا قالوا لك أخضر، وبدأ عقلك يتعامل ويتفاعل مع هذا اللون كما تتفاعل عقولهم مع اللون الأخضر، ولكن ماذا لو كنت تعاني من خللٍ ما، جعلك تراه أحمر، وهم لقنوك أن اسم هذا اللون الذي تراه هو الأخضر؟ إذاً فالأخضر عندي هو أحمرٌ عندك.ولا يوجد أي طريقة لإثبات أنك ترى لون مختلف عن الذي يرونه هم، فعقلك يتفاعل معه تماماً كما تتفاعل عقولهم مع اللون الأخضر، فهكذا تَعلم، راقب تفاعلهم مع هذا اللون، تفاعل مثلهم في كل شيء، وتَعلم أن اسمه أخضر.تراه أحمر، بينما هو في الحقيقة أخضر، أو ربما حقيقته أحمر كما تراه أنت، وهم من يعانون من خلل ما ويرونه أخضر، فالحقيقة ليست حتماً ما أجمع عليه الناس. ورغم هذا حدث التوازن، اتفقتم على المفاهيم، فالأحمر عندك هو أخضر عندهم، وعندما تقول لأحدهم أريد تفاحة خضراء، فأنت تقصد حمراء، وهو سوف يذهب للمطبخ ويحضر لك واحدة يراها هو خضراء، وسوف تراها أنت حمراء.حدث التوازن، أنت حصلت على ما تريد، بغض النظر عن اللون الذي يراه هو. لم يكن صعباً على رسلان فهم هذا، فقد قضى سنواتٍ من عمره في التأمل، التركيز في التفاصيل، في الفراغ، في اللاشيء. أكمل أوزجانوالآن ماذا لو كان للعقل شيفرة خاصة به، مثل بصمة الإصبع، أو بصمة العين؟وعقولنا كلها تستقبل المعطيات وتفسرها بطرقٍ مغايرة، كلٌ حسب شيفرته الخاصة، ولكننا اتفقنا على المفاهيم والتسميات، لهذا نحن منسجمون، متفاهمون؟ أمسك بيده قصاصة ورقٍ صفراء، مرمية أسفل شجرة، نادى على عامل الحديقة، جاء مسرعاً، تحدث باللغة التركية: سيدي أعتذر، أنا أنظف الحديقة الآن، لم أصل لهذا الجزء بعد. بالكاد فهم أوزجان ما قاله، ابتسم له والتفت موجهاً كلامه إلى رسلان …ماذا لو كنتُ أرى هذا اللون أسود، وأنت تراه أزرق، وعامل الحديقة هذا يراه أبيض، ولكننا جميعاً اتفقنا على أن اسمه أصفر، لأنهم علمونا هذا؟ وتعلمت عقولنا أن تتفاعل معه بطريقة واحدة.عندها فإن عقولنا تبدي تجاهه نفس رد الفعل، بغض النظر عما يراه كلٌ منا.فإن ذهبنا إلى طبيب العيون، ووضع هذا اللون أمامنا، فسوف نبدي جميعنا تجاهه نفس التأثير، نفس اتساع حدقة العين، نفس المؤشرات، وسيكون هذا هو اللون الأصفر، الذي يراه طبيب العيون أحمراً بدوره.ولو تفاعل عقل هذا العامل مع هذا اللون بطريقةٍ مختلفة، عندها نقرر أن لديه خللاً ما، نقول إنه يعاني من مرضٍ يجعله يرى اللون الأصفر لوناً مختلفاُ، فنعطيه العلاج اللازم، جلساتٍ نفسية، حتى يتمكن من رؤيته بشكل صحيح، أو بمعنى آخر حتى يتعلم عقله أن يتفاعل معه كما تتفاعل عقولنا. هل رأيت طفلاً من قبل؟ ممسكاً كُرة زرقاء، يقول لأمه هذا أخضر، فتصحح له، لا هذا أزرق، فيكرر خلفها أزرق، ويبدأ يتفاعل معه على أنه أزرق، وعندما يبدي نفس رد فعلنا تجاه الأزرق، نقرر أنه تعلم اللون بشكل صحيح. وضع الورقة البنفسجية التي بين يديه في سلة القمامة، وربت على كتف العامل ومشوا بعيداً. أكمل حديثه: لو كان لعقلِ كلٍ منا شيفرة خاصة به، لا تتكرر بين اثنين، مثل بصمة الأصبع، وبصمة العين، عندها فلا مشكلة، رغم أننا نرى الأشياء بطرقٍ مختلفة، نسمعها بطريق مختلفة، ملمسها، رائحتها، طعمها، كل حسب شيفرته الخاصة، ولكننا اتفقنا على الأسماء، المفاهيم، وأصبحنا نبدي تجاهها نفسُ رد الفعل.-هل هذا ممكنٌ يا رسلان؟-نوعاً ما، لقد فهمت ما قلته، لكني بحاجةٍ للمزيد من التركيز بشأنه، أكمل. أوزجان: السؤال المهم، ما هو لون التفاحة الأصلي قبل أن تستقبل عقولنا حولها أي شيء، وتفسره بأي شيء؟هل رأيت من قبل صورة للفضاء الملون المبهر؟ كم هي جميلة الألوان، كم هي رائعة، السدم، سحب الغبار والغاز، النجوم والكواكب، الانفجارات، التصادمات.هل تعلم حقيقتها؟ مجردُ أشعةٍ بلا ألوان، فهي لا تصل بهذه الألوان أصلاً، تستقبلها التلسكوبات على شكل أشعة، وتقوم بتلوينها حسب قوتها، درجتها، طيفها، ولو كان في جهاز الكمبيوتر خلل، واستقبل طيف اللون الوردي، وفسره أخضر، فسنراه نحن أخضر، بل لو تعرض شعاعٌ خلال ملايين السنين من سفره بالفضاء لشيءٍ ما غيّر من قوة درجته، لوصل لنا بلون مختلف. أضاف: ولكن رغم هذا فهذه الأشعة ما زال لها لون وهو شيء بين الأسود والأبيض، لهذا يمكننا استقبالها. هل هو الأسود؟ هل العالم كله أسود وعقولنا هي من تلونه، كل حسب شيفرة عقله؟ رسلان: لكن الأسود لون من الألوان أوزجان: إذاً ما هو؟ هل هو لون نجهله؟ لا يمكن لعقولنا استقبال أي معطيات عنه، بالتالي عدم تفسير أي شيء؟ لنفرض أن هناك لوناً لا نعرفه، وهو اللون الأصلي للتفاحة، وكلٌ رآه عقله بشكلٍ مختلف واتفقنا على أن اسمه الأحمر، فما هو هذا اللون؟ Share this… Copy Facebook Messenger Twitter Pinterest Linkedin Whatsapp Telegram 1Artboard 1 copy 2 Snapchat Skype Print Arabic Random Quotes
Arabic Random Quotes إبن الفراغ December 6, 2022December 8, 2022 بين الأشجار الشاهقة جلس تائهاً، مكسوراً، وحيداً من جديد، بين عدد من المهاجرين الغير شرعيين،… Read More
Arabic Random Quotes لسنا من هنا December 12, 2022December 18, 2022 لحظات، وعلم جوابَ ما حيره، ساعةً ونصف؟ بالكاد تكفي ….. قطعت الشارع أمامه، ترتدي فستاناً… Read More
Arabic Random Quotes ماذا تعرف عن الصفر؟ December 6, 2022December 8, 2022 أضاف بلا توقف: هل تعلم أن الصفر لم يكن مستخدماً عبر تاريخ البشر كله؟ حتى… Read More