May 6, 2025May 6, 2025 خدعة الزمن والإطار المرجعي: حين ترى بعيني غيرك دون أن تدري نحن لا نرى الأشياء كما هي، بل كما يسمح لنا عقلنا أن نراها. هذه ليست عبارة فلسفية مجردة، بل خلاصة ما توصّل إليه علم الإدراك الحديث: الإنسان لا يدرك الحقيقة، بل يقارن بين الأشياء بناءً على ما يُعرف بـ “الإطار المرجعي”. هذا المفهوم البسيط – والذي يبدو بديهياً – هو في الحقيقة أحد أخطر المفاهيم وأكثرها تأثيراً على حياتنا اليومية، بل وعلى فهمنا الكامل للواقع، والزمن، والموت، والوجود. في علم الإدراك (Cognitive Science)، هناك قاعدة ذهبية تقول: “العقل لا يرى الأشياء، بل يرى الفروق بينها”. هذا يعني أنك لا تدرك شيئاً إلا عندما تضعه بجانب شيء آخر. العقل لا يستطيع تقييم شيء بمعزل عن سياق أو مرجع. تخيل أنك ترى ورقة صفراء صغيرة موضوعة فوق ورقة صفراء كبيرة بنفس درجة اللون تماماً. ستبدو غير مرئية. لماذا؟ لأن عقلك لا يملك أي فرق ليميزها. لكن بمجرد أن تثني زاوية صغيرة منها، تظهر الورقة فجأة. لأنه أصبح لديك إطار مرجعي تعرف الحقيقة من خلاله. هذا الانثناء الصغير فضح اللعبة. هذا هو عمل الإطار المرجعي. الأمثلة في حياتنا كثيرة: عندما نرى سيارة بجانب شجرة، نُقدّر حجمها مقارنة بالشجرة التي يفترض عقلك أن لهذا النوع منها حجماً واحداً، مثل شجرة الزيتون. ولكن عندما تكتشف أن شجرة الزيتون هذه التي رأيتها من بعيد هي شجرة قزم صغيرة، تنهار السيارة في نظرك لتصبح مجرد لعبة أطفال. عندما نسمع صوتاً في غرفة هادئة، يبدو عالياً، لكن الصوت نفسه في حفلة صاخبة يختفي. حتى جمال الوجوه، وقيمة المنتجات، وقرارات الشراء، كلها تعتمد على المقارنة. هناك مقاهٍ في أوروبا تُقدّر قيمتها لا بطعم قهوتها، بل بماركات الساعات التي يرتديها روادها. أعرف أحد هذه المقاهي، قهوته سيئة المذاق، ولكن سعرها أضعاف سعر القهوة الطبيعي، فقط لأن رواده يلبسون أفخم الماركات العالمية. وفي مرة قال لي أحد الزبائن: “أنا آتي هنا لأن قهوته لذيذة جداً”. تباً، أقسم أنها سيئة المذاق للغاية! ولكن كل شيء أصبح يُقاس، لا بذاته، بل بما يُقارن به. لكن هناك أمر غاية في الخطورة، أهم بكثير من ذلك المقهى وزبائنه… أمر يتعلق بك أنت، بحياتك كلها! ما هو الإطار المرجعي الخاطئ الذي نعيش به جميعاً، دون أن نشعر؟ نعم، إطار مرجعي خاطئ نقيم بناءً عليه كل شيء في حياتنا، ولك أن تتخيل كيف نرى الأشياء بناءً على إطار مرجعي خاطئ!! ما هو؟ إنه “الزمن”. نحسب أعمارنا، نخطط لمستقبلنا، نتخذ قرارات مصيرية، ونقيّم الماضي، كل ذلك استناداً إلى ما نُسميه خط الزمن. ما لا يدركه معظم الناس، والحقيقة الصادمة، هي أن هذا الخط – الذي يبدو طبيعياً جداً – هو اختراع بشري. بل اختراع من رجل دولة، طوّره رجل دين. ليس بينهم عالم أو أكاديمي. في الحقيقة، التقويم الميلادي الذي نستخدمه اليوم هو نتاج قرار إداري اتخذه يوليوس قيصر عام 45 قبل الميلاد، ثم عُدّل لاحقاً من قِبل البابا غريغوري الثالث عشر. هذا النظام الزمني – الذي نستخدمه لتحديد أيامنا ومناسباتنا وأعمارنا – لا علاقة له بأي قانون كوني مطلق. إنه مجرد وسيلة تنظيم… اتفقنا جميعاً على اعتمادها. في الفيزياء، خصوصاً منذ ظهور نظرية النسبية لآينشتاين، لم يعد الزمن مفهوماً خطياً بسيطاً. بل أصبح يُفهم كبُعد مرتبط بالمكان، يشكّل معاً ما يُعرف بـ “الزمكان” (Space-Time). بعض التجارب العلمية أثبتت أن الزمن يمر بسرعات مختلفة بحسب سرعة الجسم أو شدة الجاذبية. على سبيل المثال: ساعة على متن قمر صناعي تتحرك بشكل أبطأ من ساعة على سطح الأرض. في تجربة التوأم الشهيرة، الأخ الذي يسافر بسرعة قريبة من سرعة الضوء يعود أصغر سناً من أخيه التوأم الذي بقي على الأرض. هذه ليست نظريات خيالية، بل تجارب مُثبتة. هنا سيفهمني أكثر أولئك الهائمون الآن في عالم الحب والمشاعر. يا إلهي، عندما تأتي هذه الفتاة يمر الزمن سريعاً، وعندما تذهب، يأكله الاشتياق ويصبح الزمن أبطأ من أي شيء آخر. هذه ليست فلسفة عابرة، إحساسك بالزمن عندما يبطؤ ويسرع فجأة، ليس مجرد أمر عابر يا صديقي، إنه محور حياتك كلها. كما أن هناك في ميكانيكا الكم وتفسيراتها الميتافيزيقية، ما يُعرف بـ “نظرية الكون الكتلي” (Block Universe Theory)، التي تقترح أن الزمن لا يتحرك فعلاً، بل أن كل لحظاته موجودة دائماً، في آنٍ واحد، ونحن فقط نختبرها واحدةً تلو الأخرى، مثل قارئ يفتح صفحات كتاب مكتوب بالكامل سلفاً. إذا كان الإطار المرجعي الذي نستخدمه لفهم الزمن هو وهم، فماذا عن كل شيء بنيناه فوقه؟ كيف نُدرك الشيخوخة إن لم يكن لدينا تقويم؟ هل للموت معنى إن لم نكن نعرف الترتيب الزمني؟ هل هناك ماضٍ ومستقبل، أم أننا نخدع أنفسنا بالتنقل بين لحظات متجاورة في نسيج واحد؟ ربما ولادتك، وفقدانك لمن تحب، ونجاحاتك، وحتى موتك… كلها لحظات موجودة في الوقت نفسه، لكنك لا تملك القدرة على رؤيتها دفعة واحدة. تماماً كما لا ترى النجوم في النهار، رغم أنها هناك. أنا رجل أحب جدتي كثيراً. لقد كانت مدرسة في كل شيء. كانت تلك العجوز لا تنظر إلى تاريخ انتهاء اللبن أو الحليب المدون على العلبة، لم تعرف القراءة أصلاً. كان يكفيها أن تشم رائحته لتدرك إن كان صالحاً للأكل أم لا. وفي بعض الأحيان رأيتها ترمي العلبة رغم أن تاريخ صلاحيتها ما زال يعمل، وأحياناً أخرى جعلتني آكل الكثير من اللبن منتهي الصلاحية. لقد أدركت بفطرتها أن هذا الخط الوهمي ليس أكثر من مجرد وهم. كل فكرة قيّمتها في حياتك، كل لحظة أحببتها أو خشيتها، ربما كانت مجرد مقارنة خاطئة داخل إطارٍ زمنيٍ مزيف. وربما لا تبدأ حريتك الحقيقية إلا حين تكفّ عن سؤال “كم الساعة؟” وتبدأ بسؤال: “من الذي وضع هذا التقويم؟ ولماذا؟” فإذا تغير الإطار المرجعي، تتغير الحقيقة نفسها. وحينها فقط، تُدرك أن ما ظننته واقعاً… لم يكن يوماً أكثر من مقارنة. كل ما يلزمه الأمر هو أن تصحح الإطار المرجعي الذي تعتمد عليه في تقييمك للأحداث واللحظات. ارمِ خط الزمن الوهمي خلف ظهرك، واتخذ الإطار المرجعي الصحيح، الإطار الذي لا يفرض عليك الاتجاه بل يفتح لك الفهم. ربما سترى كل شيء في لحظة واحدة، لأن العالم ليس سلسلة من الأحداث، بل حتمية كُتبت وانتهت. وعقلك، هذا الكائن الذي يخدعك بالترتيب، لا يفعل أكثر من التلذذ بالمكتمل كما تتلذذ بشرب كأس عصير موجود كله أمامك، لكنك ترتشفه على دفعات. هذا ما فعله رسلان، أحد أبطال رواية اللحظة صفر. لقد حرّره أوزجان من خط الزمن، وجعله يرى كل شيء دفعة واحدة. Arabic Random Quotes
Arabic Random Quotes الذين غيّروا العالم… كانوا صامتين May 6, 2025May 6, 2025 كل فكرة غيّرت مجرى التاريخ خرجت من الظل.من العزلة، من النفي، من المكتبات التي لا… Read More
Arabic Random Quotes ماذا تعرف عن الصفر؟ December 6, 2022December 8, 2022 أضاف بلا توقف: هل تعلم أن الصفر لم يكن مستخدماً عبر تاريخ البشر كله؟ حتى… Read More
Arabic Random Quotes غسيل الإدراك May 10, 2025May 10, 2025 غسيل الدماغ ليس خرافة دعائية، ولا مصطلحًا شعبياً مبالغًا فيه.هو ظاهرة موثقة في علم النفس… Read More