The Great Order
Suggested contribution: 0 $
الكلمات سوف تُكتب على كل حال، ولكن دعمك يمنحها مساحة أوسع لتتشكّل، ويمنحني وقتاً أطول لأعيد ترتيب العالم على مهل، كما يليق به أن يُبنى. بعض العوالم لا تُفتح دفعة واحدة، وبعض الجُمل لا تأتي إلا حين يتسع الصمت بما يكفي لتُولد فيه. الدعم هنا لا يغيّر جوهر ما يُكتب، لكنه يمنح الحكاية فرصة أطول للتأمل، وللنمو في الاتجاهات الأكثر عمقاً، بعيداً عن الإملاءات التي تفرضها السرعة أو الانشغال.
حين يسألني أحدهم: “ما أصعب ما في كتابة الرواية؟” أتذكر دائماً تلك المزحة التي قالها لي صديق، حين قاطعني ونحن نشاهد فيلماً: “هذه آخر مرة أشاهد فيها فيلماً معك… أنت تقتل الإثارة!” ورغم بساطة العبارة، إلا أن فيها حقيقة يعرفها من يكتب الرواية بصدق: التفاصيل الصغيرة هي التي تشيّد العوالم وتبقيها متماسكة. كل ثغرة، مهما بدت هامشية، قادرة أن تهدم بناء الحكاية في قلب القارئ.
ولعل الأشد وطأة على الكاتب ليست الأخطاء الفادحة، بل تلك التفاصيل الدقيقة التي قد تمر بلا انتباه: موعد وصول رحلة إلى مطار بعينه، ثمن سيارة أجرة، أو حتى كلمة عابرة في حوار جانبي. قد لا يفتش خلف هذه الأمور كثيرون، ولكن الأمر ليس مرتبطاً بعدد من سينتبه أو يراجع، بل مرتبط بصدق الكاتب مع نفسه ومع قارئه.
هناك قراء، خصوصاً أولئك الذين يعيشون مع الرواية أكثر مما يقرؤونها، قد يغريهم الحنين أو الفضول بأن يسيروا على خطى أبطال الحكاية: أن يصلوا إلى النقطة الفلانية في المدينة ذاتها، أو يسلكوا الطريق الذي سلكه البطل، أو يقفوا أمام النقش حيث وصفته الرواية تماماً. كيف يكون شعور القارئ إن لم يقده المسار إلى حيث وعده الكاتب؟ كيف ستكون خيبته لو لم يجد النقش حيث حدّدته الرواية بدقة؟
مع كل صفحة أعود إليها، أسأل نفسي هذه الأسئلة. فالكتابة ليست ترفاً ولا استعراضاً للمعرفة، بل هي التزام بأن يكون العالم الذي يُبنى بين السطور عالماً حقيقياً في تفاصيله، قابلاً للبحث والاكتشاف خارج حدود الرواية نفسها – أن يجد القارئ الطريق كما وُصف، والموعد كما حُدد، والمكان كما تخيله في النص؛ ألا يصطدم بوهم أو تضليل إذا قرر أن يسلك درب أبطال القصة في الواقع، ولا يشعر أن الأحداث كانت مجرد خيال معزول عن المنطق أو المكان.
You cannot copy content of this page